خيرٌ لقيادات المؤتمر الوطني أن تترك (البطبطة) وتتنبّه لمعالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة، والدواخل التي تغلي بسبب الأسعار التي أصابها (السَعَرْ) فغدت تنهش في الأجسام العليلة نهشاً.. وخير للحزب كذلك أن يترك الحديث عن الخلايا النائمة (الخبيثة)، وينظر في أمر الخلايا النائمة (الصديقة).. الحديث كثر و(الكوراك) تعالى هذه الأيام.. الخلايا النائمة تخطط لاغتيال قيادات بالدولة.. الخلايا النائمة وراء المظاهرات.. وهلم جرا!!.. هذا من أمر الخلايا النائمة (الخبيثة)؛ أما بشأن الخلايا النائمة (الصديقة)، فهم أولئك المبعدون من دائرة الفعل.. ليس لفسادهم أو عجزهم أو تقصيرهم ولكن لأشياء في نفس يعقوب.. وبينما نجد أن الخلايا النائمة (الخبيثة) كائن هلامي لا وجود له في الغالب إلا في مخيلة القيادات المرتجفة، فهي مثل (البعاتي) أو طائر العنقاء الأسطوري، نجد في نفس الوقت أن الخلايا النائمة (الصديقة) واقع محسوس للمشفقين والصادقين في الحزب، رغم انهم في هامش اهتمام بعض القيادات الأخرى النافذة، إنهم أشلاءٌ ممزقةٌ على حواف الحزب ورصيفه المكتظ بهم.. التنازع والخلاف في الرأي الذي يفسد للود والإخاء قضية أمور تجعل أولي السطوة يرمون بإخوانهم خارج دائرة الفعل والقرار.. لا يجد معهم من بعد ذلك النصح الأمين ولا النقد الرصين.. ليست المشكلة في وجود الاختلاف، فالاختلاف لا يحمل معنى المنازعة، وإنما المراد منه أن تختلف الوسيلة مع كون الهدف واحداً، وهو مغاير للخلاف الذي ينطوي على معنى الشقاق والنزاع والتباين في الرأي دون دليل.. أدوات ومعينات التواصل ليست الاجتماعات واللقاءات وهذه سهلة ومقدور عليها، ولكن الأمر قيام حواجز معنوية ونفسية تحول دون التواصل. قلنا إن الاهتمام بالوضع الاقتصادي أولى من (الولولة)، فالوضع جدُّ معقّد وبالغ الحرج.. القرارات الملزمة بتسعيرة معينة ولغة الوعيد ليست كافية أو علاج شاف، بيد أن كثرة مثل هذه القرارات يتبعها زيادة في الاستهانة بها ومخالفتها؛ حتى تغدو مع مرور الأيام أضحوكة ومثار تندر.. فإن كانت هناك زيادة كبيرة في أسعار الدقيق على سبيل المثال فلن يجدي إجبار أصحاب المخابز بسعر جنيه واحد لأربع رغيفات.. ما أكثر طرق التحايل المماطلة التي تجعل من قرارات التسعير المفروضة حبراً على ورق.. القرارات الاقتصادية فعلتها الحكومة بيدها، واليوم تغلب أجاويدها.. ففي مقابل فشل نهج التسعير بالقرارت الحكومية، نجد أن حالة (الفلتان) السِّعري تُغري الجشعين والانتهازيين من التجار.. يحكي صاحب بقالة أنه مبسوط من حالة الميوعة السِّعرية الراهنة!!.. ففي السابق عندما كان يرفع سعر سلعة ما - ولو نصف جنيه - يواجه باحتجاجات من الزبائن تدفعه للتراجع؛ أما اليوم مع حالة الفلتان فإنه يزيد ما يشاء دون أن يعترض أحد باعتبار أن الأصل أن كل شيء زائد!!.. آخر الكلام: الاختلاف والتنازع عاقبته الفشل والخسران، وأن التعاون والوفاق سبب للفوز والنجاح في الدنيا والآخرة؛ والقارئ لتاريخ الأمم والشعوب لا يعجزه أن يقف على العديد من الأحداث والشواهد والمشاهد.. والتنازع: التخالف والاختلاف والتخاصُمُ. والفشل: الوهن والإعياء والجبن وانحطاط القوة، مادية أو معنوي.. فالتنازع يؤدي إلى الفشل وهو ضد النجاح فلماذا يضيع الإنسان وقته وجهده في أمر مئاله إلى الفشل والضياع؟، كما يؤدي إلى الضعف والهوان، فالتنازع يؤدي إلى إنتاج مجتمع حزبي ضعيف هين لايقدر على شيء أينما توجهه لايات بخير، وهو بمثابة سرطان يسري داخل الجسم سرعان ما يذيبه ويهينه فيسهل الهوان عليه، وبالتالي فهو مجتمع لا يحقق غاية، ولا يرفع لمبدأ راية.. لقد ربط الخطاب القرآني قد بين هذه المعاني؛ ({وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، ورتّب بعضها على بعض؛ رَبْط النتيجة بسببها، وتَرَتُّبَ المعلول على علته؛ وهذا شأن منهج القرآن الكريم في كثير من آياته، التي تقرر قانونًا عامًا، لا يتبدل ولا يتغير، بل يجري على سَنَنٍ ثابت مطرد لا اختلال فيه ولا تبديل (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً).