حتى الآن يتساءل الكثير من المراقبين عن طبيعة الدواعي والدوافع التى حدت بمبارك الفاضل خلع الجلباب والعمامة ويتزّيا بزي إفرنجي أنيف ويحط رحاله بالعاصمة أديس أبابا، داخل ردهات مقر المفاوضات بين قطاع الشمال والحكومة السودانية، إذ أن مبارك الفاضل ليس عضواً فى قطاع الشمال رغم أنه قريب بدرجة كبيرة من الجبهة الثورية دون أن تعرف له صفة واضحة فى هذا الصدد. كما أن الرجل -بحكم اعتبارات كثيرة لا يتسع المجال لتعدادها- لا يمكن أن يمثل (حليفاً) من أي نوع لقطاع الشمال بصفة عامة أو ياسر عرمان على وجه الخصوص. مبارك الفاضل فى الذهن السياسي لعرمان مغامر أكثر خطورة من عرمان ومخاطراته وعادة فى مثل هذه الحالات فإن الاثنين يتوجسان من بعضهما ولا يثق كل منهما فى الآخر مهما جمعت بينهما المصائب وتقلبات الزمان. إذن ما الذي دفع الفاضل فى هذا التوقيت وهذه المناسبة بالذات ليظهر بتلك البذلة الأوربية البالغة الأناقة؟ من جهة أولى يبدو أن مبارك -كعادته- قرأ الأمور قراءة خاطئة أو هكذا أوحت له روح المغامرة التى عرفت عنه فاعتقد أنها (الجولة الأخيرة) للمفاوضات، ومما يغذي هذه الفرضية أن الفاضل ( فوجئ) بالحراك السياسي الداخلي فى السودان على خلفية مبادرة الرئيس البشير للحوار الشامل وأدرك انه ليس بوسعه (حضور المأدبة) فهو لا يملك (بطاقة هوية سياسية سارية المفعول) إذ أنه فقد قيادته للإصلاح والتجديد منذ سنوات، وفقد فى الوقت نفسه (مقعده) فى حزب الأمة القومي بعدما عانى صعوبة فى العودة إليه وما تزال ماثلة. إذن أين يمكن أن (يعرض بضاعته) وهو لا يملك الأوراق الصحيحة اللازمة؟ ومن جهة ثانية فإن مبارك الفاضل أيضاً كعادته فى استعجال الأمور خشي خشية بالغة من أن تنقضي مفاوضات أديس، وينقضي بعدها الحوار الوطني الداخلي وهو ما يزال تائهاً فى الخارج لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء؛ خاصة أن الرجل كان يعتقد وإلى وقت قريب أن كفته أكثر ترجيحاً لقيادة مرحلة انتقالية تعقب إسقاط النظام! وللإنصاف فإن مبارك الفاضل أطلق لأحلامه العنان وهو يؤانس بعض عناصر وكالة المخابرات الأمريكية فى لانغلي؛ حيث زين له هؤلاء الأمور وقد شارفت على الانتهاء! من جهة ثالثة فإن مبارك ربما حاول التأثير (إيجاباً) على أعضاء الوفد السوداني الحكومي المفاوض فى أديس أبابا لكي يحصل على (ضوء أخضر) بالعودة الى الداخل، فهم يعلم على أية حال أن البروفسير غندور مساعد الرئيس لا يخلو من أريحية وبسطة فى الأخلاق والكرم السياسي، إذ ربما يكون فى ذلك سانحة للرجل للعودة الى الداخل بحثاً عن (دور)! إذ أن أكثر ما يميز مبارك الفاضل انه رجل دائماً فى حالة بحث عن (دور)! سودان سفاري