بالطبع أنا لست مختصاً حتى أفتي في الجوانب القانونية لقرار القاضية السيدة فاتو بن سودا مدعية محكمة الجنايات الدولية الخاص بحفظها لملف التحقيق في جرائم الإبادة الجماعية والإنسانية في دارفور والذي صدر بموجبه أمرٌ بملاحقة بعض المسئؤلين المتهمين بارتكاب تلك الجرائم وعلى رأسهم رئيس جمهورية السودان المشير عمر البشير .. فلربما يكون الزميل الكاتب الضليع مولانا سيف الدولة حمدنا الله عبد القادر هو الأحق والأجدر بعمل الإضاءات في ذلك الصدد من منصة وضعه كخبير قانوني لا يشق له غبار ولعله الآن يشحذ قلمه ويكسر حاجز غيبته ليحدثنا عن القرار لآن الحوبة هي حوبته وهو باري القوس العارف بزاوية إطلاقها ! ما يليني ككاتب وبجهد المقل هنا لا يخرج عن التحليل السياسي على تواضع فهمي الحائر حيال هذه التشابكات في مصالح الدول و التقاطعات التي باتت أرواح الشعوب الغلبانة في عالمنا الثالث والآخير هي في آخر سلّم أولوياتها وكأن شعب السودان الذي يموت في مناطق الحروب هو مجرد فئران لا ضير من إبادتها لتخفيف التكلفة المالية والأعباء اللوجستية لإغاثتهم و كأن شعب جنوب السودان الذي يحترق بنار من تسلطوا عليه عبر صناديق الإنفصال ماهو إلا جحافل من الصراصير قد وفر قتلتهم من حكامهم على الهيئات الدولية العاجزة تجاه ما يحدث هناك قيمة علب المبيدات للخلاص من فائض بشريتهم إن كان كبار العالم أصلاً يعتبرونهم من أصناف البشر ! الولية بن سادوا وعلى خلفية تهديد الخرطوم أو طلبها سحب قوات اليوناميد ليخلو لجيشهاومليشياتها الجو فتفعل ما تشاء بعيداً عن اية عيون رقيبة .. وكما قد يفهم مجرمو الحرب خطأ لم تقل إنهم أبرياء ولم تشطب القضايا ضدهم .. بل وضعت المجتمع الدولي في زاوية ضيقة وحرج شديد .. حينما أعادت اليه الكرة في مجلس الأمن مفرغة من الهواء لإعادة نفخها جيداً إن كان جاداً في مواصلة اللعب ، وهي فعلاً تضعه بذكاء أمام الأمر الواقع .. فقالت للكبار أنتم من تحمون المجرمين كدول كبرى تتجاذب على مصالحها كأفيال ضخمة وتسحق تحتها خضرة الإنسانية الضائعة في ذلك التجاذب .. ! وهذا من عندي فالصين وروسيا قبل سقوط الإمبراطورية السوفياتية كانتا إبان الحرب الباردة نداً للإمبريالية التوسعية الغربية تدافعان عن الشعوب المقهورة .. فتحولتا في مرحلة القطب الواحد الذي هيمن على الساحة وأشعل فيها حروباً ساخنة الى مناهضين لتلك الشعوب فتحميان الطغاة و تمدان أنظمتهم بالسلاح وتساندانهم بالفيتو ! والآن أمريكا تقول للعالم ولم تنسى أن تضعنا في الصورة مشكورة و بالمفتشر الصريح لم نستغني عن فوائد عمر البشير ونظامه بعد فهو ليس ضاراً مثل صدام لنعجل بالقبض عليه أو إزاحته أو التخلص منه جسدياً.. فلا زلنا نوفره لعوزة هو و أباطرة حرب الجنوب لتحقيق المزيد من التقسيم .. فارخوا لهم قيد الجنون لينطلقوا بإندفاع نحو الهدف داخل أسوار محابس شعوبهم ولا بأس إن هم تطاحنوا شمالاً وجنوباً من جديد بدعوى ملاحقة الخصوم التي تأوي كل دولة منهما من يقلقون راحة الآخرى ! القاضية قالت بإختصار ايضاً .. نحن كجهة عدلية قمنا بما علينا .. ولكنكم يا كبار العالم لم توفروا لنا ولو حتى مجرد.. ( ركشة) لملاحقة المطلوبين مثلما كانت تفعل مباحث السودان في مطاردة الفنان عوض شكسبير الذي لعب دور السجين الهارب في إحدى تمثيلياته الساخرة ذات البعد العميق ..وقد كان في هروبه الذي أزعج السلطات محتمياً بداخل شنطة سيارة مدير السجن الخلفية كمكانٍ آمن يأويه دون أن يتصور الذين تقطعت أنفاسهم وهم يبحثون عنه بأن يكون محمياً في معية العقيد سجون مديرهم حِلاً وترحالاً دون أن يعلم ذلك الضابط الفلتة ! و بعد كل ذلك الأسى التي سكبته الولية المسكينة دموعاً تقطرت على الملف الدامي وهي تودعه الى رف المجلس الكبير نخشى ما نخشاه أن يقوم متعهدو الزفات و الحانتوية في نظام الإنقاذ والمؤتمر الوطني الذين يسترزقون من الكوارث بإقامة مثل ما يجري في الأفلام المصرية حينما يخرج معلم الحتة أو فتوتها من السجن .. مثلما جيشوا الشارع الطيب لإستنكار قرار ألقاضي أو كامبو عند صدوره .. بينما لم ينظم ذلك الشارع المخدر مظاهرة واحدة لإستنكار ما يحدث لمواطني الأطراف المشتعلة لهيباً لان الشوك المجرور في تلك الأجساد التعيسة هو بعيدٌ عن جلود من اصبح همهم فقط توفر الخبز التركي في أفران العاصمة القومية ولو كان مغموساً في مرقة لحم الحمير ..و.. سير سير يا بشير لربع قرن آخر من القتل والتدمير فحلال عليك دمنا وأرضنا وعرضنا ومالنا بل وأرواحنا وحاجات تانية حامياني !