اشرنا في المقال الماضي الي ان حدوث المجاعات والعجز في الاستجابة لمتطلبات الامن الغذائي (تجربة السودان مثلاً) وكافة شعوب البلدان النامية منذ عهد السبعينات مع بروز الظاهرة النفطية وفوائض وظهور امكانيات هائلة للاستثمار العربي، والتي رافقها بروز عدة دراسات وكتابات وبحوث علمية شجعها ضمن ما شجعها النقص الحاد في توفير الغذاء لقاطني الريف والمدن علي السواء وانتهاءاً بحدوث المجاعة. ومما زاد كما اشرنا في المقال الماضي من جاذبية تلك الافكار ان تلك الدراسات ستحمل في طياتها حلاً جذرياً لما روج له خبراء المنظمات الدولية، لمواجهة الازمة والتي اعطت بريقاً خلاباً لوصول راس المال الاجنبي كضرورة لمواجهة قضايا مابعد المجاعة. لقد اعتمدت تلك الافكار الي ان عدداً كبيراً من الدول الراسمالية المتقدمة قد اعتمدت في مراحلها الاولي في التنمية علي القروض والاستثمارات الاجنبية. لكن الفكرة هنا تتقاضي عن ان ذلك الاعتماد قد ارتبط بفترة زمنية محددة، استطاعت بعدها تلك الدول ان تحقق درجة من الاعتماد الذاتي، مما قصر من الاعتماد علي رأس المال الاجنبي في تمويل عملية التنمية الاقتصادية، الذي كان من نتائجه ازدياد حجم ومعدل الفائض الاقتصادي المتحقق في اعادة استثماره داخلياً ولكننا نجد علي سبيل المثال، في دول امريكا اللاتينية التي بنت استراتيجيتها علي اساس ان حاجتها لرأس المال الاجنبي هو احتياج مؤقت سيقلص من الاستزادة بالمزيد من الاقتراض. وبعد فترة زمنية محددة تتكاتف فيها جهود التنمية المحلية مع رأٍ المال الاجنبي لتحقيق مدخرات محلية عالية وليتراكم حجم ما لديها من العملات الاجنبية بحيث تنتهي معه حالة اللجوء المستمر للاقتراض. لكن التجربتين لم تتطابقا – اذ نجحت الاولي في كندا واليابان – في حين ان الفشل قد كان حليفها في بلدان امريكا اللاتينية مما ادخلها في الدائرة الخبيثة (دائرة الاقتراض الذي يفاقم العجز في ميزان المدفوعات، وهلم جرا) لنستذكر هنا ما حدث في السودان. وللحقيقة نذكر ان صندوق النقد الدولي لم يتدخل الا بناءاً علي طلب الحكومة السودانية بعد تردي الاوضاع الاقتصادية وارتفاع حجم العجز في الميزان التجاري 659 مليون دولار، كما بلغ حجم الديون الخارجية عام 1984 نحو 9 بلايين دولار بعد ان كانت لا تتعدي 5 مليون دولار عام 1975. وارتفعت تكلفة خدمة هذه الديون فبلغت 722 مليون دولار عام 1983، وهو ما يشكل نحو 119.4 من قيمة الصادرات السودانية انذاك.