كنت أعمل تحت سياط الهجير كأي مزارع كادح يناكف الارض ببؤس ونشاط.. اُنظم مسارالماء.. واضع (اللبقة).. وأنظف وأحش وأرش وأسمد.. يناسدني ثلاثة من الاحباش هم (نقسي) و(كداني) و(علي ولقا).. كان العمل على قدم وساق كالعادة وبنفس الرتابة والحرص.. فجاة نبهي (كداني) قائلا: (شماقيلي) شوف .. التفت خلفي مباشرة ناحية الكوبري المطل على المزرعة حيث اشار (كداني).. فاذا باسطول من السيارات الحكومية الفارهة المدللة والناعمة توقفت حين غرة دون ان اشعر.. وقفت واحدة تلو الاخرى المنظر اشبه بقطار طويل.. وبصحبة السيارات الحكومية أرتال من العربات العسكرية المنصوب عليها المدافع والدوشكات وبعض الاسلحة العسكرية الغريبة لتأمين الحراسة.. وفوج من العساكر العتاة المسلحين الذين يرتدون النظارات السوداء المخيفة.. ويضعون الاسلحة الالية على اهبة الاستعداد.. وما لفت نظري وجود ثلة من الصحفيين يرتدي بعضهم نظارات سميكة (قعر كباية).. عرفتهم من الكاميرات التي يحملونها وبعض الاقلام الملونة الموضوعة على الجيب وطريقة تدوينهم للحدث على اوراق بيضاء عتيقة.. كما لاحظت شبابا بملابس عادية يبدو انهم من الامن او المباحث ويضعون مسدسات على الخصر.. كل الصور على الشاشة الماثلة امامي تنبيء بوصول مسئول من العيار الثقيل الى المنطقة العذراء.. لم يتردد (على ولقا) في القول: (أباتي) دا الرئيس .. كلمة أبّاتي تعني بالعربية (والدي).. على الفور توجهت ابحث عن الموبايل الخاص بي.. عادة ما أدسه بين الاوراق المتساقطة لشجرة المانجو الوريفة.. واتصلت على الفور بادم بوش فهو نائب رئيس شعبة بساتين القلابات التى كانت في طور التسجيل لحظتها .. صحت فيه: ادم بوش اسع في مسئول كبير وصل عندي في المزرعة وهو حاليا علي الكوبري يتمنظر ويتفرج ملامحه ما ظاهرة.. اظنه الرئيس نفسه.. لان الهيلامانة دي ما بتكون الا مع زول كبير شديد.. صاح ادم بوش: ال مقعدك شنو امشي قابله.. دي فرصة ما بتعوض.. انت رئيس الشعبة البساتين.. اكسب الزمن امشي قبل ما يهج.. واردف وذات النبرة الفرحة قائلا: ناس الحكومة اليومين ديل بيوزعوا قروش النفرة الزراعية.. امشي شيل للشعبة عود .. - خلاص كلام صاح انا ماشي عليهو نحنا اولى بالقروش دي و(دار ابوك كان خربت شيل ليك منها عود).. واردفت.. - حصلني سرعة .. - ما بقدر انا بعيد في بلاشورا .. القيت الطورية جانبا.. حثثت الخطى ناحية الكوبري.. قبلها باسابيع كوَّنا شعبة مزارعي القلابات وتم تكليفي بمباشرة اجراءات التسجيل ..لم اكن اتصور ان القدر سيبتسم لنا على وجه السرعة بزيارة مسئول رفيع المستوى.. قلت بيني وبين نفسي انها فرصة العمر.. نحن اولى بالمال المخصص للزراعة.. وكنت اردد دار ابوك كان (خربت شيل ليك منها عود).. ايها السادة: كان مكان الحدث في الاراضي المسماة بالفشقة.. وهو ما بُيّن الحضور الامنى الكثيف عندما حطت سيارة المسئول الرفيع رحالها على كوبري (خور الجير) المواجه للمزرعة..انها الفشة حيث الشفتة الذين يحملون الكلاشات والصوص المتحينون الفرص والرباطة الذين لا تاخذهم رأفة بالضحية وتجار البشر حيث لا تفاهم بينهم الا بلغة البندقية والرمتالة الغبش والفحامة المتسكعون مع الحبشيات الفائرات.. عندما اقتربت من الموكب العظيم رفعت يدي على علامة الاستلام والخنوع خفت ان يظن الحرس اننى متهجم (شفتاوي) على الذات الرئاسية ويطلقوا أعنة اسلحتهم على جسدي المتصبب عرقا فيصبح كالغربال.. تصدي لي ثلاثة جنود شداد غلاظ مدججون بالسلاح وتبدو الصرامة على وجوههم .. سألني احد احدهم وكان يرتدي برنيطة حمراء : عايز شنو يازول.. قلت له وانا اتصنع الهدوء: انا صاحب المزرعة عايز اقابل السيد رئيس الجمهورية .. اجابني ببجاحة وغلظة: رئيس الجمهورية هناك في القصر الجهوري.. - يعني دا ما السيد الرئيس.. - ابدا ابدا.. عندما علمت ان الموكب لايخص السيد رئيس الجمهورية.. ولما رايت كبرياء وعزة المسيرة بما تحمله من عظمة الملوك وابهة الامراء وجلال الروساء قلت ان الموكب بلاشك يخص رئيس اثيوبيا وهو عائدا الى وطنه .. خاطبت الجندي صاحب البرنيطة الحمراء: ممكن اقابل السيد ملس زيناوي.. اجاب بذات الفظاظة والقسوة: يازول انت ما واعي يللا شتت من هنا.. ناس البلد دي كلهم عارفنكم بتشربوا حاجات بتودر العقل.. الموكب دا بتاع وزير الزراعة.. خلاص ارتحت.. قلت للجندي وانا لا ازال اتشبث بالمقابلة : مافي مشكلة عايز اقابل المتعافي.. تزمجر الجندي صاحب البرنيطة الحمراء وهو يرفع سلاحه ناحيتي: يا عمك فكنا.. دا ما وزير الزراعة الاتحادي دا وزير الزراعة الولائي .. ياللا اتخارج.. رفعت حاجبي باستغراب وانا اعيد النظر للموكب العظيم الذي يفتقد لفيل يمتطيه ابرهه الاشرم .. وقلت لاشعوريا : الزيطة والزنبريطة دي كلها عشان وزير ولائي.. لا حولة ولا قوة الا بالله.. مال البلد سايب.. بلد ما ليها وجيع.. عدت ادراجي صوب المزرعة وانا اجرجر اذيال الخيبة.. وجدت العمال الاحباش الثلاثة جاءوا ليراقبون (الشمار) عن قرب.. صحت فيهم بالامهرية : (هد كا سيرا).. اي اذهبوا للعمل.. فاذا بذات الجندي صاحب البرنيطة الحمراء يناديني: تعال ياعمك السيد الوزير قال عايز يقابل سيد المزرعة دي.. يتبع.. [email protected]