ارتبطت عادة دق النحاس عند كثير من القبائل السودانية منذ زمن بعيد بالحرب، لكن الصورة عند قبيلتي الحسناب والكتياب في منطقة الدامر بولاية نهر النيل انعكست، فهم يسارعون لقرع الطبول ترحيباً بمقدم الضيف إلى ديارهم. وتعود أصول دق النحاس في البلاد إلى أيام الثورة المهدية التي أجلت الأتراك والمصريين من السودان، حيث كان مقاتلو الإمام محمد أحمد المهدي يستخدمون النحاس للتنبيه بالحرب القادمة وبث الحماس في المقاتلين. ولقبيلتي الحسناب والكتياب دور مشهود في معركة النخيلة التي واجه فيها ثوار المهدية القوة الإنجليزية المصرية الغازية بقيادة اللورد كتشنر. ويتذكر الحسناب تحديداً جدهم الشيخ الأمير محمد صالح الحسنابي الذي أقدم على دفن آلات النحاس بعد المعركة مباشرة خشية من أن تطالها يد المستعمر الذي قاد حملة في ذلك الوقت لمحو كل ما يتعلق بالمهدية من أصول ومتعلقات. مشجع على الإقدام ومنذ ذلك التاريخ، تحول النحاس عند الحسناب والكتياب إلى آلة للترحيب بالضيوف بعد أن غيروا ايقاعاته من نذير للحرب إلى مشجع للشباب على الشجاعة والإقدام والترحيب بالضيوف. ويقول حامد عبدالكريم من أعيان الحسناب إن عادة دق النحاس قديمة جداً وتعد امتداداً لعهد المهدية. ويشير إلى أن الأمير الحسنابي قام بدس نحاسه من المستعمرين حتى لا يجدوا طريقاً له، لأنهم كانوا يسعون لإزالة كل ما يتعلق بالمهدية. وعرّف أيضاً عثمان حسن من أعيان الكتياب بتاريخ آلات النحاس، وقال هي عبارة عن ثلاثة جوزيات دخلت كلٌّ منها المنطقة في تاريخ مختلف وتشير إلى حقبة معينة. ويوضح أن الجوزية الأولى في عام 1830، والثانية بعد عشرين عاماً منها، حيث دخلت في عام 1850، وجاءت الثالثة بعد 80 عاماً وتحديداً في عام 1930.