تشاد تتمادى في عدوانها على السودان    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    الفاشر.. هل تعبد الطريق الى جدة؟!!    لم تتحمل قحط البقاء كثيرا بعيدا من حضن العساكر    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    الخارجيةترد على انكار وزير خارجية تشاد دعم بلاده للمليشيا الارهابية    الأحمر يعود للتدريبات    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    شاهد بالفيديو.. محامي مصري يقدم نصيحة وطريقة سهلة للسودانيين في مصر للحصول على إقامة متعددة (خروج وعودة) بمبلغ بسيط ومسترد دون الحوجة لشهادة مدرسية وشراء عقار    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    كباشي والحلو يتفقان على إيصال المساعدات لمستحقيها بشكل فوري وتوقيع وثيقة    المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة مع دول عربية في غزة بعد الحرب    الحرس الثوري الإيراني "يخترق" خط الاستواء    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    هيفاء وهبي تثير الجدل بسبب إطلالتها الجريئة في حفل البحرين    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار البروفيسور استيفن كروبلن رئيس وحدة أبحاث شئون السودان في جامعة كولونيا

بروفيسور كروبلن لديك اهتمامات واضحة ومكثفة بالعالم العربي يتعدى الجوانب العلمية والمنطقية، ما سر هذا الاهتمام وماهي دوافعه؟
اهتماماتي بالجوانب التي ذكرتها قديمة وتمتد لخمسين عاماً، وبدأت منذ أن كنت تلميذاً حيث كانت لدي الرغبة في معرفة الكثير عن العالم العربي الذي اتجهت أفكاري نحوه منذ تلك الفترة، ولعب عمل والدي سبباً مباشراً في ذلك، فقد كان يعمل صحافياً في ستينات القرن الماضي مرافقاً لهيلموت شميدت الذي أصبح فيما بعد مستشاراً لحكومة ألمانيا الاتحادية في جولاته في الدول العربية ومن بينها مصر والسودان، وأذكر أن والدي سئل في الخرطوم عما إذا كان يرغب في المساهمة في تطوير الإذاعة والتلفزيون هناك، وكثيراً ما حدثني والدي عن تلك الأمور وعن طرق القوافل التجارية كما أطلعني على بعض الصور التي التقطها، كل ذلك اعتقد أنه أثر فيني كثيراً ودفعني إبان فترة الدراسة إلى السفر إلى الدول العربية والصحراء الكبرى، عموماً يمكنني القول أنني اقتربت من العقلية العربية منذ سن الثامنة عشر.
قمت بدراسة الجيولوجيا المعاصرة والجغرافيا و إعددت الدكتوراه في هذا الجانب من جامعة برلين الحرة في محاولة للتعرف والبحث حول وادي هواري السفلي أحد أفرع نهر النيل الذي جف منذ مدة.. حدثنا عن هذا الجانب؟
باستطاعتي أن أؤكد أنه أثناء الرحلات التي لا تحصى لي في العالم العربي كانت تجاربي إيجابية، ولذلك كان باستطاعتي في وقت لاحق أن أعمل علمياً ومهنياً في هذه المنطقة وقمت بإعداد أطروحة الماجستير حول هضبة الجلف الكبير ثم الدكتوراه في وقت لاحق.
فيما يتعلق بالسودان فقد أثار فضولي بعد إطلاعي على صور الأقمار الصناعية القديمة التي التقطت قبل ثلاثون عاماً، ولم تكن بجودة الصور الحديثة الآن على مجرى نهر قديم لم يكن مدون في أطلس أو خريطة.. وهكذا أمضيت قرابة العام في هذه المنطقة من شمال السودان إلى أن أثبت بمساعدة زملائي أن هذا المجري كان في الماضي أكبر فروع نهر النيل قبل أن يجف منذ حوالي (3000) عام، ولم يتم التعرف على معالمه منذ ذلك الوقت كمجرى نهري سابق حتى للبدو الذين يعيشون على ضفافه، هذا العمل شكل بالنسبة لي تحدياً كبيراً.
خاض السودان صراعاً غير متكافئ مع المستعمرين الغزاة خاصة البريطانيين والفرنسيين طوال ستين عاماً سقط خلاله الملايين من السودانيين نتيجة جريمة استعمارية رهيبة.. واليوم يتم استهداف السودان مجدداً من قبل سياسة أوروبية تثير ذكريات الجرائم الاستعمارية القديمة. كيف تنظر إلى السودان في حاضره ومستقبله؟
إنني أشعر بالالتزام بإطلاع الرأي العام على حقيقة ما يدور في السودان؛ إذ أن اهتماماتي لا تقتصر على المجال العلمي فقط، ولم يأت ذلك منذ أن تصدر السودان عناوين الصحف بسبب أزمة دارفور، بل قبل ذلك. لقد مكثت في السودان سنوات طويلة. واعتقد أن عليَّ إطلاع الرأي العام على الانطباعات الشخصية التي حصلت عليها أثناء سنوات إقامتي فيه، أما دارفور فهذه ليست المرة الأولى التي تحاول القوى الغربية فيها أن تحقق أهدافها. وباستطاعتنا أن عود بذاكرتنا إلى حقبة الاستعمار البريطاني التي استمرت فترة طويلة ارتكبت خلالها جرائم رهيبة بدءاً بتجارة العبيد.
في السودان تبلورت أول حركة تحرر وطني تجسدت في الثورة المهدية التي خاضت صراعاً ودفاعاً عن السودان ضد قوة عسكرية متفوقة بشكل سافر، وإلى يومنا هذا يتم تشويه صورة هذه الثورة في الإعلام البريطاني رغم أنها كانت أول حركة مناهضة شعبية ضد الاستعمار آنذاك وهذا ما يجب الاعتراف به، وحتى ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق عندما كان صحفياً دون مدى بسالة السودانيين في نضالهم ضد البريطانيين. ومن الطبيعي أن يحسم العدو الذي يملك التفوق العسكري المطلق مثل هذا الصراع غير المتكافئ أثناء سنوات من المعارضة استحضر الغزاة المزيد من القوات والعتاد وقاموا بتدمير مدينة الخرطوم تدميراً كاملاً، ولمزيد من الإذلال قام المستعمرون بإعادة بناء المدينة على نموذج العلم البريطاني.
كنت على علم بهذه الحقائق عندما حضرت مطلع الثمانينات إلى السودان للمرة الأولى، ومنذ ذلك الوقت أدركت أن السياسة الحالية وكذلك سياسة تضليل الرأي العام عبر المعلومات الخاطئة هي استمرار للماضي الاستعماري.
كيف تفسر غياب الوعي بالجرائم الاستعمارية الرهيبة التي ارتكبت في السودان لدى غالبية الأوروبيين، بل على العكس من ذلك فإنهم يستخدمون الدواعي الإنسانية لفرض هيمنة استعمارية جديدة في السودان؟
بالتأكيد أن هنالك عوامل كثيرة تلعب دوراً في الطرح المتحيز وغير المبرر على الإطلاق، وأرى أن كل من يريد أن يعلم ما يجري في السودان عليه أن يذهب إلى هناك ويحصل على انطباعاته الشخصية حتى يرى طيبة السكان والإمكانيات المتاحة، طبعاً هناك المواد الخام بدءاً من البترول واليورانيوم والذهب والمواد القيمة الأخرى التي لم يتم استخراجها بعد. وهنالك المصالح الإستراتيجية التي تدفع بعض القوى إلى بسط نفوذها في أكبر بلدان القارة الإفريقية، وذلك من أجل التحكم في العديد من الدول المجاورة، وهناك طبعاً المصالح السياسية التي تريد صرف الأنظار عن المظالم المرتكبة في مناطق أخرى من العالم، في العراق مثلاً أثناء الحرب وفضيحة أبو غريب وكذلك الجرائم التي ترتكب منذ (60) عاماً في فلسطين، هناك من هم بحاجة إلى طفل شرير أو دولة مارقة ليتم تحويل الأنظار إليها، ويدعى أن ما يتم في تلك الدولة هو في غاية السوء أو أسوأ مما يحدث في مكان آخر حتى لو كانت الإدعاءات بطالة تماماً. ومنذ قرن من الزمان أي فترة المقاومة الشجاعة ضد الامبريالية البريطانية وحتى يومنا هذا يتم تشويه صورة السودان بشكل مستمر لا مبرر له على الإطلاق، ولا يملك السودان الإمكانيات لتغيير هذه الصورة السلبية المبتدعة، وهذا ما يؤثر على الإعلام الذي يبحث باستمرار عن عناوين رئيسية.
كنت أخبرهم أنه تم بناء سد في السودان وكذلك تم بناء مدارس ومستشفيات جديدة وأن البنية التحتية تزدهر إزدهاراً عظيماً، ولكن يبدو أن تلك ليست العناوين الرئيسية التي يبحثون عنها. أما الصورة السلبية فسوقها رائج فمن الممكن تسويق أخبار سلبية عن كوارث مثلاً. إنني أحمل الإعلام مسؤولية كبيرة لأنه يقوم عبر التغطية الإخبارية السلبية ونشر الأكاذيب بتأجيج الصراع وإطالة أمده، وبذلك يكون ذراع مطول للسياسيين في الولايات المتحدة وأوربا ،هذا السلوك هو جريمة تتطلب المساءلة.
توصل علماء كلفهم الكونغرس الأمريكي بجلب الأدلة على أن هناك إبادة جماعية حدثت في دارفور بعد أن اتخذ قراراً بهذا الصدد ووفر لهم الميزانية اللازمة لذلك، وتوجه هؤلاء العلماء إلى دولة مجاورة هي تشاد وليس دارفور وتوصلوا إلى أن أربعمائة ألف شخص لقوا حتفهم.. كيف تنظر إلى ذلك وإلى ما يقوم به على سبيل المثال إيريك رييفز الذي ينشط منذ أكثر من عشرة أعوام في هذا المضمار؟
نشاطات إيريك رييفز هي حقاً وصمة عار، ولا يمكن التكفير عن تسخير عالم لنفسه بهذا الشكل لخدمة مجموعة سياسية، إنه غير مختص في هذا المجال وكان مجال اختصاصه قبل أن يتم إعفائه من عمله هو الأدب الانجليزي، ويتم تمويل نشاطات هذا الشخص في هذا المجال من قبل احتكارات كبرى، لقد أدلى بشهادته ولعدة مرات أمام لجان حكومية في الولايات المتحدة وقام بنشر هذه الادعاءات المنافية للمنطق والتي لا يمكن إثباتها.. رييفز لم يتواجد مرة واحدة في مكان الجريمة المزعومة، ولا يملك الحد الأدنى من المعرفة حول الأسباب الحقيقية للصراع وتاريخه والمجموعات المختلفة التي تساهم فيه.
لقد طوّر نفسه ليصبح دعاية متحيزة، ومن الممكن أن نشبهه بوزير الإعلام النازي قوبيلز، هو لا يملك أي دليل يثبت إدعاءاته ومنهاج عمله غير نزيه على الإطلاق.
على سبيل المثال من الممكن عبر تحليل صور الأقمار الصناعية معرفة حجم الدمار الحقيقي الذي حدث كذلك من الممكن بمساعدة الوسائل الحديثة المتاحة الآن معرفة عدد ومكان القتلى ومن اقترف جريمة القتل.
الحقيقة أنه وليومنا هذا لم تنشر صورة واحدة لمقبرة جماعية رغم هذه الحقائق يقوم رييفز بنشر إدعاءات خارج نطاق المنطق والتي آمل أن لا يصدقها عاقل، هناك العديد من الأدلة التي تؤكد أن رييفز تمادى في نشر تخميناته دون امتلاك دليل واحد من أجل إشباع زبانيته في الولايات المتحدة وهذا لا يمكن التسامح معه.
نفهم من ذلك أنه من وجهة النظر العلمية من الممكن عبر التحليل العلمي الدقيق لصور الأقمار الصناعية دحض الإدعاءات الخاصة بأسطورة الإبادة الجماعية في دارفور؟
الإجابة نعم على الإطلاق.
ماذا بخصوص العلماء الذين لا يتورعون أثناء الإدلاء بشهاداتهم أمام الكونغرس المقارنة بين دارفور واوسشفيتز، هل فشلوا في القيام بواجباتهم؟
هذا صحيح وبشكل مطلق، إنه يحط من منزلة كل ما يمت للعلم بصلة، لذلك لن يكون بوسعي أن أطلق عليه صفة عالم، ولا أستطيع وصفه إلا بمرتزق باع ضميره.
إنه سعيد لأنه لم يعد ملزماً للقيام بواجباته العادية، إنه يصعد إدعاءاته التي لا تمت للمصداقية بصلة والتي تفتقد لأي أسس علمية، وهو يؤثر على الرأي العام ويدعم السياسة المتحيزة للولايات المتحدة والكونغرس، إنه لمن المؤسف حقاً أنه لا يوجد مسؤول مخول بتقديم هؤلاء للمحاكمة ومواجهتهم بإدعاءاتهم وأدلتهم، لأن عواقب أعمالهم وخيمة، إنهم لا يقتلون لكنهم يساعدون عبر نشاطاتهم المزيد من الآلام ويمددون أمد الحروب ويبررون التدخل العسكري. إن إيريك رييفز هو نقيض متطرف للعالم الحقيقي الذي يبدي رأيه استناداً إلى المعطيات والشواهد التي عاينها أو بحثها شخصياً.
ولكن الأقوال التي أدلى بها هؤلاء الأفراد والتي لا تستند إلى أي دليل دفعت المدعي العام للمحكمة الجنائية للتقدم بطلب إصدار أمر اعتقال ضد الرئيس عمر البشير، أوكامبو لم يكتف بتبني مصطلحات رييفز بل قارن الوضع في السودان بالوضع في ألمانيا إبان العهد الهتلري على ما يبدو أن لنشاطات رييفز وأمثاله عواقب وخيمة للغاية لأن الاعتقال المذكور يستهدف في حقيقة الأمر تدمير القانون الدولي.. ما هو تعليقك؟
اتفق تماماً مع هذا الرأي، لويس مورينو أوكامبو يعتمد تماماً المنهاج ذاته ولهذا من المفهوم جداً أن عدداً كبيراً من الدول الأفريقية يعتبر هذه المؤسسة التي يطلق عليها المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية اختراع من قبل المستعمرين الأوربيين الجدد، إنها تصدر أمر اعتقال بتهمة ارتكاب جرائم دون أن يتم أي تحقيق في مكان الجريمة المزعوم، لم تستند المحكمة في اتخاذ قرارها إلى أدلة حقيقية. لو تم الاستناد إلى المقاييس الجنائية العادية فإنه لن يكون بالإمكان استناداً إلى ما قدم إثبات ارتكاب جريمة قتل واحدة. أن يتم التقدم بطلب أمر اعتقال بتهمة ارتكاب جرائم إبادة دون التواجد في مسرح الجريمة المزعومة وجمع الأدلة ولو لمرة واحدة ودون الاستعانة بالوسائل الحديثة مثل صور الأقمار الصناعية، ودون الاستناد إلى التقارير الاستخباراتية التي هي في حوزة القيادات العسكرية الغربية، كل ذلك يمثل دليلاً على أن هذه التهم تقف على (أرجل زجاجية)، وأن مجرد قبول الدعوى من قبل محكمة حيادية أمر مستحيل. من الجدير بالذكر أن تهمة الإبادة لم يقبلها قضاة المحكمة الجنائية رغم الضغوطات التي تتعرض لها قاضيات المحكمة الجنائية في لاهاي.
لقد تم إنفاق عدة ملايين لإجراء تحريات استمرت ست سنوات وأخيراً يتم رفع الدعوى ويتم إسقاط التهم الرئيسية، هذا دليل على مدى سوء أداء وعدم مصداقية أوكامبو، وإثر ذلك قام بإضافة تهم أخرى والتي قبلت كما أعتقد بسبب افتقاد القاضيات لرؤى شخصية. وهكذا تم إصدار أمر الاعتقال المنافي للمنطق في حق الرئيس السوداني، وهنا يتساءل العديد من السودانيين والأفارقة لماذا لا يتم رفع دعاوى ضد بوش وديك تشيني بسبب الحرب العدوانية على العراق، والمنافية بشكل جلي للقانون الدولي والتي أدت إلى سقوط مئات الآلاف من الضحايا والمشردين. ولماذا لا يتم رفع دعوات بسبب الجرائم والفظاعات العديدة التي ترتكب في عدة أماكن من العالم بسبب الصراعات العسكرية التي تخوضها الدول الغربية.
وهكذا يبدو جلياً أن هذه الدعوى هي مثال على انحيازية الإجراء الذي تم بالتحريض المباشر من قبل الدول الغربية الكبرى والمؤسسات العلمية وعدد محدد من المدعين العامين في المنظمات الدولية.
كيف من الممكن أن تصدر محكمة أمر اعتقال دون دون أن تتحقق من دقة المعلومات التي قدمت لها كمبرر لطلب إصدار أمر الإعتقال؟، وألا يوجد معاهد علمية تستطيع عبر تحليل صور الأقمار الصناعية تقييم مدى دقة التهم الموجهة لرئيس دولة؟
هذا أمر بديهي، تفسيري هو أنهم لا يريدون معرفة الحقيقة، حقاً أنهم لا يريدون معرفة أي شيء لأنهم يخشون أن تظهر الحقيقة ويثبت أن هذه الدعوة وهذه الاتهامات التي يتم نشرها في وسائل الإعلام يومياً منذ عام 2003م باطلة.
يوجد أعداد كافية من المعاهد، ليس فقط في برلين، معاهد تقوم ومنذ ثلاثون عاماً بإجراء عمليات استطلاع بواسطة الأقمار الصناعية في دارفور أيضاً، لقد عرضت هذه المعاهد على الأمم المتحدة وعلى وزارة التعاون الاقتصادي والإنماء وعلى مؤسسات أخرى. إن تكلفة هذه العملية لا تتجاوز الجزء اليسير من الأموال التي تبذرها المحكمة الجنائية الدولية على التحقيقات المستمرة منذ أعوام.
كان بالإمكان إجراء تحقيق رزين لمعرفة حجم الدمار الحقيقي، طبعاً كان يجب القيام بإجراء تحريات في دارفور لاستنتاج من قام فعلاً بارتكاب مخالفات قانونية، وهم عديدون وليس حصراً على منتسبي الجيش السوداني، بل المتمردين والمجرمين، ويأتي أيضاً في الحسبان متمردون من الدول المجاورة المختلفة والذين ساهموا في ارتكاب الجرائم، لكن التهم تلصق جزافاً بالحكومة السودانية.
ترفع المنظمات الصهيونية واليمينية المتطرفة المنضوية لتحالف أنقذوا دارفور والتي تطالب علناً بغزو السودان، ترفع شعارات حول الديمقراطية وحقوق الانسان، كيف تفسر يبني هذه الشعارات من قبل قوى ساهمت بفاعلية في الحرب العدوانية على العراق والتي تدعم الاحتلال والاستعمار في فلسطين دون قيد أو شرط؟
السؤال يعكس رؤية سليمة تماماً.. هذه الشعارات هي مجرد أقنعة فلا أحد من هؤلاء يكترث بتحسين الوضع الإنساني في
دارفور. وحسب معلوماتي لم يقم هذا الائتلاف بإرسال ولو دولار واحد إلى دارفور من الملايين الطائلة التي حصلوا عليها، وبدلاً من إرسال المساعدات يقوم التحالف بنشر إعلانات على صفحات كاملة وتمويل جهاز ضخم من الموظفين وإنتاج الأفلام الدعائية منها فيلمين تم إنتاجها بإتقان، هذه نماذج للحملة الدعائية التي يقوم بها التحالف، وباستطاعة من يشاء أن يطلع على ذلك عبر موقع الائتلاف الالكتروني.
المنظمات الصهيونية، المؤتمر اليهودي العالمي ومتحف الهولوكوست في واشنطن، كلها لها مصلحة في صرف انتباه العالم عما يدور في فلسطين وفي قطاع غزة على وجه الخصوص، وكذلك ما يدور في العراق المحتل. وطالما تم إشغال الصحافة العالمية بأخبار مرعبة حول السودان، فلا مجال للحديث عن أمور أخرى تحدث فعلاً وموثقة بدقة. إنني لا أستطيع أن أتخيل بأن هذا الأمر ليس على جانب من الأهمية. والأمر الآخر هو سذاجة وجهل أوساط واسعة من المجتمع الأمريكي بمجريات الأمور، إن هؤلاء قد لا يعلمون أين يقع السودان ناهيك عن دارفور، وهذا ما يسهل لتحالف أنقذوا دارفور مهامه التضليلية.
هذه الدعاية المضللة المتقنة لا تقتصر على الولايات المتحدة، بل نتابعها هنا في جمهورية ألمانيا الاتحادية، لماذا تتبع ألمانيا دعم مغامرات الإدارة الأمريكية العسكرية؟ وماهو تفسيرك لهذه الطاعة العمياء؟
نعم من الصعب تفسير هذه التبعية. لقد خاب أملي من الدور الذي تلعبه الصحافة الأوربية فأنا شخصياً لم أصدق كيف كان من الممكن أن تقوم هذه الصحافة في أوربا طيلة هذه الفترة مواصلة الإدعاء بامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، دارفور مثل حي على أن الصحافة الأوربية ليست أفضل من صحافة الولايات المتحدة.
في ألمانيا نجح ثلاثة سياسيون هم غيرهارد باوم من الحزب الديمقراطي الحر، كيرستين مولر من حزب الخضر والسيدة فيتشوريك توزيل من الحزب الديمقراطي الاشتراكي برسم سياسة تبعتها دون قيد أو شرط بعض الصحف والمجلات من صحيفة التزايت عبر مجلة دير شبيغل وصحيفة سود دويتشي تزاتونغ، لقد تبنت هذه الصحف والمجلات الأخبار التي نشرت في الولايات المتحدة أو قناة ال بي بي. أس دون أن تكلف نفسها إجراء تقصي للحقائق على أرضها، إنني مستاء للغاية أن أرى قيام كبرى الصحف الأوربية بتبنى أطروحات إدارة بوش وائتلاف أنقذوا دارفور مع أنه من السهل إثبات عدم صحة هذه المزاعم. هذا نموذج لصحافة لا تعتمد المهنية في تقصي الحقائق وتتبع فقط مصالحها التجارية، وحتى الصحفيين الذين لديهم معلومات أفضل حول السودان. والذين زاروا السودان يقولون إذا أرسلنا مقالات إلى هيئة التحرير يؤكدون فيها عدم صحة ما ينشر حول السودان، فلن يتم تكليفهم مرة أخرى بكتابة تقرير.
التقيت مرة في دارفور بصحفيين من صوت أمريكا والذين اعتقدوا أنهم سيتعرفون كل دقيقة على معالم جريمة، وبعد أن اطلعوا على حقيقة الأوضاع سألتهم أثناء رحلة العودة ماذا سيكتبون عن دارفور، فكانت إجابتهم متشابهة: إذا كتبنا ما شاهدناه فستكون تلك آخر مقالاتنا. إنهم سيكتبون ما تراه هيئة التحرير مناسباً، وهنالك صحافيون تجولوا في الدول المجاورة مثل تشاد وللأسف لم يزوروا دارفور، والذين بحثوا هناك عن صور لضحايا في مكان ما تم نشرها مع تعليقات سبق أن أعدوها سلفاً.
لقد بحثوا عن صور لفظائع ما تتناغم مع التعليقات التي قاموا بإعدادها سلفاً، وإذا لم يجدوا الصور المطلوبة بحثوا عن صور تثير مشاعر سلبية. السفير الألماني أكد لي بأن هؤلاء الصحفيون الذين يأتون هنا لا يريدون معرفة الأوضاع كما هي، بل القيام بتلبية المهمة المكلفين بها من هيئة التحرير، إن ولائهم ليس لأخلاقيات المهنة على الإطلاق. إنهم لا يقولون لأنفسهم سأذهب إلى دارفور أجمع كل ما أمكن من المعلومات وأتحدث مع كافة الأطراف وأكون رأيي وأقوم بنشره. ولكن ما يحدث شيء آخر فالضغوطات السياسية والمصالح الاقتصادية تدفعهم لإنتاج أخبار كوارث رائجة السوق، بالإضافة إلى ذلك هنالك هيئات تحرير تخوض صراعاً عنيفاً من أجل البقاء، ولا يملكون الإمكانيات لإيفاد مراسلين لمدة شهر لإجراء التحقيقات الضرورية، ومحصلة ذلك كله هو الواقع الإعلامي الذي نشهده والذي يتناقض تماماً مع واجبات الصحافة الموضوعية الحرة.
إن الحالة في دارفور والتي أتابعها عن كثب منذ عشر سنوات لنموذج حي للتضليل، إنه نموذج مخيب للآمال. لم أكن اتخيل في البداية أن تستمر حملة التضليل في الإذاعة والتلفزيون والصحافة الأوربية طيلة هذه السنوات، هناك عدد محدود جداً من الصحف والمجلات مثل الغارديان التي تتوخى الموضوعية في تقاريرها حول أفريقيا، محررو الغارديان يعرفون السودان منذ عشرات السنوات حق المعرفة، أنها من المصادر النادرة في الصحافة الأوربية التي تمكن القاريء من الحصول على معلومات موضوعية حول حقيقة الوضع في السودان، ومن المؤسف أن يكون ذلك ومنذ أمد بعيد غير ممكن عبر صحافة التيار المهيمن في بريطانيا وفرنسا أو ألمانيا.
لقد بذلت أنت شخصياً جهوداً كبيرة لاطلاع الرأي العام الألماني بموضوعية على الواقع السوداني عامة ودارفور بشكل خاص.. ما مدى نجاح تلك الجهود؟
رغم العروض العديدة التي تقدمت بها لكبار الصحف لم أتمكن من نشر الحقيقة عن السودان بإستثناء حالة واحدة، فقد وضعت صحيفة الفرانكفورته روندشا صفحة كاملة تحت تصرفي تمكنت من طرح رؤيتي حول السودان. كان ذلك عام 2004م. بعد ذلك سافرت إلى السودان للقيام بأعمال جيولوجية، وبعد عودتي إلى ألمانيا اتصلت بهيئة تحرير الصحيفة وعرضت عليهم نشر معلومات جديدة وكانت إجابتهم: لا هذا أمر مستحيل، وعلمت أن وزير الداخلية السابق غيرهارد باوم احتج لدى هيئة التحرير على نشر مقالتي، كما أرسل رد على مقالتي لم أتمكن بطبيعة الحال على الرد عليها بسبب تواجدي في السودان.
وبسبب اللطمة التي وجهها وزير الداخلية السابق لم تجرؤ الصحيفة على نشر مقالة أخرى، ولكنني حصلت على عدد هائل من الرسائل عبر البريد الالكتروني من مواطنين من ألمانيا ودول أوربية أخرى كانوا على دراية بالأوضاع في السودان وفي دارفور خاصة، وعبرت معظم الرسائل عن سعادة كاتبيها بقراءة مقالة تعرض حقيقة واقع السودان كما عرفوه، جاءت هذه الرسائل عبر الانترنت فقط ولم تنشر من قبل هيئة التحرير التي لم تمنحي بعد عودتي من السودان حق الرد على رسالة باوم المتحيزة، ومنذ ذلك الوقت لم استطع نشر أي رسالة قراء في مجلة دير شبيغل أو في أسبوعية دير تسايت أو الفرانكفورته ألغماينه أو صحف أخرى، لدى انطباع أن أسوار تشيد للحيلولة دون إطلاع الرأي العام على ما هو غير مرغوب معرفته.
ورغم العديد من العروض ومنها عروض تقدمت بها إلى محطات تلفزيونية، مثل القناة الأولى إذاعة غرب ألمانيا والتي أبديت فيها استعدادي بمرافقة طواقمهم إلى دارفور للإطلاع على الأوضاع عن كثب، ولم يتم الاستجابة لأي من العروض ولا يمكن تفسير ذلك. إن معرفة الحقيقة أمر غير فيه من قبل هيئات التحرير، هذه الحقيقة تلقي ظلال ثقيلة على الإعلام التي لا يفسح المجال سوى للرؤية المنحازة وبالتالي يتم التأثير على الرأي العام بشكل يحول دون أخذ آراء أخرى بعين الاعتبار.
لدى كل من يسافر إلى هذه المناطق في العراق وفلسطين والسودان وحتى معظم العاملين في وزارة الخارجية والسفارات
الألمانية وجهات نظر تختلف جذرياً عن ما تطرحه وسائل الإعلام، ولكن ليس بوسع هؤلاء أن يجدوا الآذان الصاغية، وهذا ما يمكن الأساطير من الهيمنة ولسنوات عدة على الرأي العام إلى أن تصبح هذه الأساطير مملة، ويدرك أكثر المحررين تحيزاً بأن هنالك شيء ما يشوبه عدم المصداقية. وحتى في هذه الحالة لا يتم نشر الحقيقة ويتم الاعتراف: لقد خدعنا لقد قمنا ولسنوات طويلة بنشر تقارير خاطئة، ما يحدث فعلاً هو أن يتم تناسي كل ما حدث.
فعلى سبيل المثال قامت ال بي بي سي ولمدة سنوات طويلة بنشر تقارير سلبية منحازة عن السودان حتى اعتقد البعض أن هذه المؤسسة هي لسان حال الحكومة البريطانية. قامت هذه القناة باستمرار باقتباس مقالات إيريك رييفز، ولم يكن بإمكاني نشر رد واحد حتى على الصفحات، حيث يستطيع كل إنسان لم يسمع كلمة السودان من قبل أن يطالب بالتدخل العسكري. لم أنجح بنشر تعليق واحد على الموقع الالكتروني ل بي بي سي، لقد قمت بعد أن تم الحيلولة مراراً عدة دون نشر رسائلي بتقديم شكوى لهيئة التحرير واجابت أنها تنوي إجراء مناظرة بيني وبين إيريك رييفز، لم يتم ذلك لأن مشاركة رييفز اقتصرت على الشتائم.
باستطاعتي أن أقول بأن آلاف المقالات على موقع ال بي بي سي الخاص بدارفور كانت دون استثناء متحيزة ومعادية لدارفور. أن تقوم هيئة التحرير بالحيلولة بنشر تعليق واحد مختلف عن الرأي المملى، تعليق من قبل باحث مختص منذ عشرات السنوات فهذا لا يمكن تشخيصه إلا بمصطلح الرقابة.
لقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن التقارير التي نشرت حول الوضع في العراق بهدف خلق المبررات للغزو كانت كاذبة ولم تتم مساءلة من ساهم في هذه الجريمة. هل هناك علاقة بين عدم المساءلة وتكرار حملة التحريض ضد السودان؟ وهل لما أشرت إليه حول انحياز الصحافة السافر ضد السودان علاقة بالأمر؟
هذا صحيح تماماً، كما ذكرت إنني أأسف لغياب مؤسسة مستقلة حقاً تقوم بمراقبة أداء الصحافة وتكشف عدم موضوعية الأداء أينما كان. هنالك ضرورة لوجود لجنة لمساءلة المحررين الذين يقومون ولسنوات متواصلة بنشر إدعاءات كاذبة. الصحفي أولريش فيكرت يستهل النشرة الإخبارية الرئيسية (تاغس تيمين – مواضيع اليوم) بالإدعاء بأن الجنود السودانيين في دارفور قاموا باغتصاب طفلة عمرها خمس سنوات! وتلى ذلك تقرير متحيز وورد في تعليق ضمن نشرة الأخبار: أن الإمكانية الوحيدة لإنهاء الجريمة هو الغزو العسكري. بعد ذلك أرسلت رسالة إلى أولرش وسألته كيف تسول له نفسه نشر هذه الإدعاءات استناداً إلى معلومات كاذبة، علماً أن القناة التلفزيونية الأولى لم تتواجد يوماً أو تجري تحقيقات في دارفور.
إنهم يرسلون البعض إلى تشاد، يقومون في أفضل الظروف بالتحليق لمدة ساعة في سماء دارفور، ولذلك يطلق عليهم صحفيي المروحيات.. وهكذا يصبحون على دراية بمشاكل المنطقة. أجاب أولرش فيكرت مدعياً بأنني مكلف من قبل الحكومة السودانية، هذه وسيلة محببة من قبل العديد من الصحفيين الذين يعتمدون القدح كوسيلة للتهرب من الحوار المضوعي. إنني أقوم بذلك من أجل الرد على الإدعاءات الزائفة استناداً إلى قناعتي الراسخة.
وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول أعلن عدم وجود إبادة جماعية في دارفور لكنه أعلن أمام الكنغرس أنه توجد إبادة جماعية.أما وزير التعاون والتنمية في برلين فقد برر إلغاء زيارته إلى السودان بخوفه أن يتم التقاط صورة له مع البشير.. كيف تقيّم الحالة الفكرية لهؤلاء الساسة؟
إن المستوى الفكري لهؤلاء الساسة متدني للغاية. المرء يتساءل ألم تمر أوربا منذ مئات السنين بعصر التنوير لنرى مثل هؤلاء الساسة يتربعون المناصب، هنالك العديد من الأسباب التي تدفع الساسة الألمان غالباً للانحناء أمام املاءات السياسة الأمريكية ، ولكن من دواعي الغرابة أن يقوم ساسة ألمان بتقويض فرص الشركات الألمانية في السودان. على مدى عقود حظيت الشركات الألمانية بمكانة مرموقة في السودان عبر التعاون مع الحكومة والشركات، وحصلت هذه الشركات على العديد من العطاءات التي تفتقدها الآن بسبب تبني ساسة ألمان لسياسة بوش.
إن وزير خارجية مثل باول كان يكرر كجندي تحت إمرة بوش ما يريد بوش سماعه، أما بخصوص سياسة الحزب الديمقراطي الحر ومن هذا الوزير بالذات فلا أستطيع أن انتظر سوى سياسة التبعية. هو لا يريد أن يبني رأيه بناء على المعطيات الحقيقية كما هي، كما فعل أعضاء برلمان آخرون من حزبه والذين عادوا من السودان بانطباعات مختلفة تماماً عن الصورة المعهودة. إنه ينضم إلى سياسة العداء المتطرف لدارفور والتي يتبناها باوم ويمارس نفس السياسة، إنها سياسة قصيرة الأمد لأن لدى السودان إمكانيات هائلة، وكل الدول التي تتخذ موقفاً مماثلاً لألمانيا الآن ستندم على حرمان اقتصادها من فرصة ذهبية.
كعالم ألماني لم يمارس البحث العلمي المجرد عن السودان بل عاش فيه لفترات طويلة تعرف فيها على الإنسان السوداني وأنماط حياته وتفكيره، هل أن تعطينا فكرة حول انطباعاتك الشخصية لما عايشت؟
منذ ثلاثون عاماً وأنا أتواجد سنوياً في السودان وفي دارفور، شمال دارفور في غرب السودان، طبعاً بشكل أساسي في المناطق الصحراوية حيث تقع نقطة الثقل لأبحاثي. وأثناء سفري إلى شمال دارفور وعودتي منها وإقامتي المطولة في الخرطوم والأماكن العديدة الأخرى تعرفت على عدد كبير من كافة شرائح الشعب السوداني الفقراء منهم والأثرياء، وكذلك الوزراء وأحزاب المعارضة، ولقد أحببت السودان وشعبه وتعاطفت بشكل كبير منذ البداية مع ظروف الحياة القاسية للغاية التي يعيشها الشعب، وخاصة في دارفور والتي ولوقت قريب لم تكن مكان اهتمام أحد والتي وليومنا هذا لا يكترث بها فعلياً أحد من العالم الخارجي، ورغم ذلك فأهل دارفور يمتلكون الطيبة وباهرين في كرم الضيافة وهم مسالمون ولم يحلقون الأذى بأجنبي في السنوات الأخيرة.
وهؤلاء الذين يعيشون في المناطق المجاورة للصحراء في الساحل والذين التقيناهم مراراً، وكذلك الطلاب وسكان الخرطوم الكبرى التي تزدهر في هذه الآونة بشكل منقطع النظير لا يجاريه أي منطقة في أفريقيا، وهكذا وكما سبق أن ذكرت شعرت ومنذ البداية بتعاطف كبير مع هذا الشعب، ولذلك امتلكتني منذ البداية فكرة التعاون الهادف إلى تحسين الظروف المعيشية لهذا الشعب، وليس استخدام المساعدات الإنسانية أداة لتحقيق مآرب أخرى لا تمت لتحسين الظروف المعيشية بصلة. أعتقد أن جزء من المليارات التي تم إنفاقها في السودان على بعثات الأمم المتحدة المختلفة ومنظمات أخرى كانت تكفي لتحويل دارفور إلى واحدة من أسعد مناطق أفريقيا.
عبر معرفتي للسودان وما قمت به من أبحاث بسبب إقامتي على مدى سنوات طويلة أصبح لدي صورة حقيقية حول السودان، وهي تتناقص تماماً عن تلك الصورة التي ابتدعها العالم. إنني أشعر بالتزام أن أتخذ موقفاً واضحاً في مواجهة الأساطير والأكاذيب التي يعممها المغرضون حول السودان.
في عام 2003م طالعتنا أخبار عن نوع جديد من الصراع في دارفور يختلف عن الصراعات القبلية التقليدية حيث بدأ مسلحون يشنون هجمات على مؤسسات الدولة وثكنات الجيش ومخافر الشرطة. وفي ابريل 2004م قام هؤلاء المسلحون بقتل 200 أسير إضافة ل685 شرطي، ما هي الخلفية الحقيقية لهذا التحول في الصراع؟
أعتقد أن لهذا التطور علاقة مباشرة بإنهاء الصراع في جنوب السودان، حيث بدأت معالم اتفاقية السلام تتضح، في نفس الوقت بدأت عملية تعبئة لسودانيي المهجر خاصة من دارفور من أجل خلق بؤرة توتر جديدة. قام هؤلاء بشن العديد من الهجمات على وحدات الجيش السوداني ومخافر الشرطة، تم التخطيط لها من خارج السودان.
أود أن أذكر أنه تم تصعيد الصراع بعد هجوم مسلحين على مطار الفاشر، حيث قام المسلحون بتدمير الطائرات وكما ذكرت
قاموا بقتل 200 جندي سوداني بعد أسرهم وتكبيلهم بدم بارد. كانت هذه جريمة رهيبة استفزت المشاعر، كما قاموا بأسر جنرال. وكانت الحكومة المركزية - وهذا أمر طبيعي كأي حكومة في العالم - مرغمة بالتعامل مع هذه الجريمة بمساعدة الجيش والشرطة، وهكذا اندلع الصراع المأساوي بدوافعه العديدة منها النفط. من الغريب أن لا يتطرق الإعلام إلى الأسباب المباشرة لاندلاع الصراع، بل يتم التركيز على ردود الفعل من قبل حكومة السودان المركزية والتي يتم تضخيمها بشكل غير معقول دون ذكر أن المسؤولية تقع على عاتق المسلحين.
حتى المختصين يشعرون بصعوبة في معرفة المجموعات المسلحة في دارفور.. هل باستطاعتك إطلاعنا على أعدادهم؟
لا أعتقد أن باستطاعة المسلحين أو المتمردين أنفسهم الإجابة على هذا السؤال. منذ البداية كانوا مجموعات متبعثرة ومتصارعة فيما بينها، إنها مجموعات متقلبة. كثير من هؤلاء المسلحون يلتحقون بمجموعات مسلحة أخرى يبحثون عن أي عمل أو يلتحقون بقوات الجيش السوداني إذا سنحت لهم الفرصة أو يتحولون إلى قطاع طرق.
باستطاعتي القول إن السبب الأساسي لهذه الظاهرة هي انعدام الآفاق أمام العديد من هؤلاء الشباب والرجال، إذا أتاحت لهم أي مجموعة مسلحة إمكانية الحصول على كلاشينكوف والتنقل في المناطق الريفية على متن (تويوتا) فسوف يلتحقون بغض النظر عن قناعتها السياسية.
يتواجد العديد من الأطفال في صفوف المجموعات المسلحة حيث يتم استغلالهم وإرغامهم على المشاركة في مهام عقيمة مثل عملية الهجوم على أم درمان أو الخرطوم. هذه المجوعات المسلحة ليست حركة منخرطة في تنظيم أو تنظيمين مسلحين تناضل من أجل الحكم الذاتي بل مجموعات عديدة. وكما أرى لا تمتلك فكر سياسي، وهي تحمل السلاح من أجل الحصول على دعم مالي من الخارج أو تكون شريكاً في صفقة ما. أعتقد أن القلة القليلة من هذه المجموعات لديها قناعة سياسية وتقاتل من أجل الحكم الذاتي لولاية دارفور الشاسعة بحجم فرنسا. إن الغالبة الساحقة من المسلحين ستغتنم أي فرصة لعمل آخر إذا اتيحت لهم.
نحن نعلم أن ائتلاف انقذوا دارفور لم يرسل دولاراً واحداً لمساعدة سكان دارفور بل يفضل استثمارها في فلسطين المحتلة وتمويل المنظمات الصهيونية. من أين تحصل قيادات المجموعات المسلحة على المال والعتاد وكيف كان باستطاعتها شن الهجوم الفاشل على أم درمان؟
من الصعب الحصول على معلومات رسمية دقيقة حول مصادر المال والسلاح، تحالف أنقذوا دارفور يحصل بالتأكيد على كم هائل من الأموال. الكثير من من الأمريكان البسطاء يعتقدون أنهم يفعلون خيراً عندما يتبرعون لدارفور، ويحصل التحالف على مبالغ طائلة من كبرى المنظمات الأمريكية وهم يحصلون على مبالغ طائلة من الحكومة الأمريكية بشكل مباشر أو غير مباشر، وكذلك يحصل المتمردون من الدول الغربية وخاصة من الولايات المتحدة وإسرائيل على المال والسلاح، وهذا ما مكنهم من تنفيذ هجومهم على أم درمان بهذا العدد الكبير من الناقلات المسلحة بشكل متطور. ومن المؤكد أن المهاجمين حصلوا على دعم عبر الأقمار الصناعية مكنهم من التقدم إلى مواقع كان الوصول إليها مستحيلاً دون هذا الدعم. رغم ذلك مما يثير السخرية، تكليف حفنة من المسلحين لاجتياح منطقة يقطنها عشرة ملايين سوداني. وأنا متأكد بأن مهمتهم كانت ستفشل فقط بسبب ازدحام المرور. لقد كانت عملية مثيرة للسخرية لأسباب دعائية محضة، عملية إثبات وجود عبر الإدعاء بأنهم يشكلون معضلة أمنية للحكومة السودانية، لقد كانت مهزلة فريدة من نوعها. أعتقد أن أحد أهدافها كان لفت انتباه العالم قبيل الألعاب الأولمبية.
وكان من الممكن القيام بهذه المغامرة عبر التجنيد القسري لقاصرين، حيث أنه من المستحيل أن يقبل عاقل بالمساهمة في مثل هذه العملية الانتحارية. وكما ذكرت كان من المستحيل تنفيذ هذه العملية المثيرة للسخرية دون دعم من قبل قوى خارجية.
ذكرت أن الوضع الاجتماعي هو السبب الرئيس الذي يمكن المجموعات المسلحة تجنيد أعضائها. وفي أبحاث سابقة ذكرت أن هناك أسباب مرتبطة بالبنية الاجتماعية وأن التحولات البيئية تغذي الصراع في دارفور.. ما هي تلك الاسباب؟
أنا على قناعة بأن البيئة والأسباب الأخرى هي الأسباب الرئيسية الحقيقية للصراع في دارفور، هذه نتائج الأبحاث التي قمنا بها في دارفور عبر عقود من الزمن. دراسة تاريخ دارفور بالنسبة لي هو مهنة وهواية في نفس الوقت، مجال أبحاثي هو تاريخ التحولات البيئية في الصحراء الكبرى ليومنا هذا ودارفور هي محور الأبحاث.
يقع الجزء الأكبر من دارفور في المنطقة الانتقالية من الصحراء إلى المنطقة الاستوائية ذات الأمطار الغزيرة في منطقة الساحل على حافة المنطقة شبه الصحراوية ذات الأمطار الشحيحة وتفتقر إلى النباتات. لقد أدى استمرار الجفاف في الماضي القريب إلى ارتفاع هشاشة الوضع البيئي في دارفور التي لم يعد بوسعها توفير ظروف حياتية كافية إلا إلى عدد محدود من السكان.
في الماضي ومنذ حقبة ما قبل التاريخ كانت الصراعات تنشب كلما زادت كثافة السكان في منطقة معينة، حدث ذلك منذ 15 ألف عام وأكثر. والآن نشاهد نفس الظاهرة في دارفور، فرغم مساحة المنطقة الشاسعة ورغم الظروف البيئية المناسبة في السودان يقطن جزء من السكان في منطقة تسودها بيئة هشة. والآن يأتي عامل الزيادة السكانية حيث كان عدد سكان دارفور في خمسينيات القرن الماضي مليون نسمة، والآن ارتفع هذا العدد إلى 7-8 ملايين مما أدى إلى إنهاك القدرات البيئية للمنطقة. أدى هذا التطور قبل عام 2003 بزمن بعيد لنزاعات بين الفلاحين الذين كانوا مرغمين بسبب هذا التطور إلى توسيع هذا التطور إلى توسيع رقعة أراضيهم المزروعة عبر زراعة حقول جديدة للمزيد من الحنطة. وكذلك زاد البدو من عدد ماشيتهم لنفس الأسباب، وهكذا نشب الصراع حول المياه والمراعي وبسبب قطع أعداد متزايدة من الأشجار لبناء الأكواخ ، هذا ليس اتهام لأحد فكل إنسان يعيش تحت هذه الظروف القاسية بحاجة للأخشاب للطهي والتدفئة من برد الشتاء وبناء الأسيجة، وهكذا أدى هذا التطور إلى انهيار التوازن البيئي. إن الانفجار السكاني من مليون إلى سبعة ملايين هو السبب الأساسي للمشاكل التي تعاني دارفور منها، كانت دارفور قبل قرن من الزمان منطقة غنية كانت مملكة كبرى وسلطان مستقل يسيطر على أجزاء كبيرة من تشاد إلى أن تم تقسيم المنطقة. تم رسم الحدود الاستعمارية المنافية للمنطق في مؤتمر برلين التي قسمت دارفور إلى منطقة نفوذ استعماري فرنسي ومنطقة نفوذ استعماري بريطاني. وأكرر إنني على قناعة بأن محدودية قدرات البيئة في دارفور على تحمل الانفجار السكاني في نصف القرن الأخير هو السبب الرئيسي لمشاكل دارفور، وبدون هذه المعطيات فإن الوضع في دارفور ليس أفضل أو أسوأ من أي جزء آخر من منطقة الواقعة بين الحافة الجنوبية للصحراء الكبرى والصحراء الغربية.
كما فهمت من تحليلاتك أنت لا تعتقد أن أي من مجموعات المتمردين لم يقترح ولا يمتلك برنامج لحل واقعي للصراع، كيف ترى إمكانية إنهاء الصراع؟
من وجهة نظري فإن الأغلبية الساحقة لسكان دارفور لا تريد دولة مستقلة في دارفور بل يريدون أن يبقوا جزءاً لا يتجزأ من السودان، إنهم يريدون المزيد من الجهود لتخفيف معاناتهم وتحسين ظروفهم المعيشية. وهنالك جزء من المتمردين يريدون إيجاد حلول عبر التفاوض والتنسيق مع الحكومة السودانية من أجل الوصول إلى هدفهم الرئيسي وهو تحسين الظروف المعيشية لسكان دارفور.
إنني على قناعة أن من يريد مساعدة سكان دارفور عليه أن يعلم أن ذلك لا يمكن أن يتم عبر التدخل العسكري أو عبر إهدار المبالغ الطائلة بإنفاقها على القوات الأجنبية في دارفور، بل عبر التعاون المثمر مع المؤسسات الحكومية السودانية والمؤسسات غير الحكومية والعديد من المنظمات السودانية الناشطة هناك، وأن لا يتم ذلك عبر خبراء أجانب يحصلون على مائة ضعف وأكثر مما يحصل عليه السودانيين.
هنالك عدد لا يحصى من إمكانيات التعاون المثمر التي ممكن أن تتم خارج نطاق توزيع فائض إنتاج القمح الأمريكي، هذه المصيدة التي تهدف إلى أن ينشأ الأطفال على نمط حياة خمول مطلق، يقتلون وقتهم في انتظار شحنة المواد الغذائية بدلاً من
المساهمة الفعالة في إنتاج حلول لمشاكلهم الاجتماعية. الخبراء الأجانب يتقاضون رواتب خيالية، القابلة على سبيل المثال التي لا تتكلم اللغة العربية بما يمكنها من مساعدة النساء تتقاضى راتب يصل إلى 30.000 دولار شهرياً. من الممكن استثمار هذه الأموال بشكل مثمر بالتعاون مع الجهات والأفراد المعنيين والذين يعرفون احتياجات السكان الحقيقية، على سبيل المثال تزويد النساء بالدواب لنقل المياه كي لا تضطر لحملها مسافات بعيدة، وتزويد الفلاحين بالبذور الضرورية الملائمة، أو حفر الآبار الضرورية في أماكن محددة لوقف حفر الآبار بشكل عشوائي بأعداد كبيرة خدمة لمصالح الشركات الغربية التي تمنح امتياز حفر الآبار بالأعداد الضرورية لتزويد السكان بما يحتاجونه لهم ولماشيتهم، وقبل كل شيء تطوير نظام الرعاية الصحية وانتاج الأدوية الضرورية، هذه الأدوية التي شحت بعد أن حرم تدمير مصنع الشفاء لإنتاج العقاقير الطبية من قبل الولايات المتحدة دون تأمين الأدوية الضرورية للشعب السودانية وتسبب في وفاة مئات الآلاف من الأطفال، وكذلك المساهمة أيضاً في تطوير مجال التعليم المهني. هناك العديد من المجالات وذلك من غير الممكن دون التعاون الوثيق مع المختصين في المؤسسات السودانية وليس تنفيذاً لقرارات وزارات التنمية في أمريكا الشمالية أو أوربا والذين غالباً لا يعلمون الضروريات والمتطلبات لإنسان في السودان.
هناك عدد كبير ممن أرسلوا إلى جنوب السودان للمساهمة في أعمال التنمية أو في مهام أخرى. لقد زرت جنوب السودان عدة مرات، كيف ترى أداء المنظمات الأوربية والأمريكية في الجنوب؟
اعتقد أن عملية التنصير من قبل مبشرين من أوربا وأمريكا الشمالية تستمر منذ مطلع القرن العشرين أي منذ أكثر من مائة عام في جنوب السودان، حيث قام هؤلاء المبشرين بإرغام السكان على اعتناق ديانة غريبة هي تاريخياً السبب الرئيسي للصراع في جنوب السودان الذي يستمر ليومنا هذا، والذي سيتم تصعيده لأن العديد من الكنائس تعتقد أنه سيكون باستطاعتها تكثيف نشاطها دون أي عائق.
أما بخصوص المنظمات العاملة في مجالات التنمية بما في ذلك المنظمات الألمانية فقد أوقفت نشاطاتها منذ أمد في شمال السودان وانتقلت إلى الجنوب في انتظار انفصال الجنوب بعد الاستفتاء في مطلع العام القادم، وتمهيداً لهذا التطور تنتشر منظمات الأمم المتحدة والهيئات الدبلوماسية بشكل ملحوظ على أمل تأسيس كيان موالي ومدعوم عسكرياً واقتصادياً وفي كافة المجالات الأخرى من قبل الغرب. وهذا ما يفسر بناء أضخم سفارة للولايات المتحدة في القارة الأفريقية في جوبا، وكذلك توافد المزيد من المنظمات الغربية في انتظار تحقيق مكاسب اقتصادية عبر استغلال الموارد الطبيعية وخاصة البترولية والمعادن الأخرى التي تم اكتشافها أو يأملون باكتشافها، وكذلك يأملون بتنفيذ مشاريع كبرى بغض النظر عن الإمكانيات الحقيقية لتحقيق هذه الطموحات، في هذا الوقت تركز الدول الغربية اهتمامها على الجزء الجنوبي من السودان وتستغل إمكانياتها لتحقيق هدفها وهو فصل جنوب السودان.
ما هي عواقب انفصال جنوب السودان علي حياة المواطنين في الجنوب؟
توقعاتي ليست ايجابية للأوضاع في جنوب السودان. لقد حصل الجنوب في السنوات الخمس الماضية على مبالغ طائلة من
ريع الثروة النفطية. إذا قارنا شمال السودان وخاصة ولاية الخرطوم حيث يعيش قرابة عشر ملايين إنسان وحيث تتوافد أعداد هائلة من السودانيين ومن سكان الدول المجاورة وخاصة الجنوبية الشرقية والغربية منها بسبب الازدهار الباهر المنقطع النظير الذي يشهده الشمال، إذا قارنا ذلك بالأوضاع في الجنوب فلم أشاهد أي بوادر تطور حقيقية رغم حصول حكومة جنوب السودان على مبالغ طائلة من ريع الثروة النفطية. عندما تجولت في الجنوب شاهدت بأم عيني التخلف في مجالات التعليم، الإعداد المهني ومحدودية الخبرات الاقتصادية.. باختصار العجز في كافة متطلبات التطور الاقتصادي، لاشك أنه لا يوجد مجال للمقارنة بين عملية التطور بين الشمال والجنوب، ولذلك فإنني متشائم جداً حول إمكانيات التطور في الجنوب إذا تم الانفصال فعلاً.
قبيل وأثناء عملية الانتخابات كانت هناك محاولات لممارسة الضغوطات علي الحكومة السودانية، البعض طالب باستقالة الرئيس وآخرون بتأجيل الانتخابات التي تم تحديد موعدها عام 2005م. كيف ترى الملابسات التي صاحبت الانتخابات التي تمت في السودان، وما هو تقييمك لانتخاب الرئيس البشير بنسبة 68% من الأصوات؟
لقد توقعت أن يتم انتخاب الرئيس بنسبة عالية من أصوات الناخبين، لقد أدركت بعض أحزاب المعارضة منذ البداية أنها لن تحصل على ثقة عدد كبير من الناخبين ولذلك انسحبت لأسباب تكتيكية من الانتخابات بحجة انتهاكات ما. لقد كان واضحاً أن الشعب السوداني ينتخب الرئيس البشير، ولذلك حاولت بعض أحزاب المعارضة والأوساط الغربية تشويه العملية الانتخابية، رغم أن المراقبين بما فيهم الرئيس الأمريكي السابق كارتر أكدوا أن الانتخابات تمت حسب المعايير الأفريقية، لذلك أرى أن مبررات انسحاب بعض قوى المعارضة واتهامات البعض بأن الانتخابات لم تتم بشكل عادل ليست على جانب من المصداقية.
ما هي الأسباب الرئيسية التي دفعت الناخب السوداني لمنح ثقته للرئيس البشير؟
أحد الأسباب هو حالة الاستقرار التي عاشها السودان منذ تولي الرئيس البشير للسلطة في انقلاب لم تراق أثناءه قطرة دم واحدة، هذا الانقلاب الذي أنهى حقبة سياسية في غاية السوء.. علاوة على ذلك كما تعلم يعيش جزء كبير من شعب السودان - هذا البلد المترامي الأطراف في الخرطوم ومحيطها وفي أم درمان - وهؤلاء السكان يرون يومياً التطور الذي يزدهر حولهم، إنهم يشهدون حقبة تطور منقطعة النظير وأن تقدماً يتم بشكل غير معهود. وهم يربطون الجزء الأكبر من هذا التطور باسم الرئيس عمر البشير، علاوة على ذلك يشعر معظم السودانيين أنهم مستهدفون عبر أمر اعتقال رئيسيهم مما أدى إلى موجة تضامن شملت معظم شرائح الشعب السوداني، وهذه الموجة جسدت مدى تعاطف الشعب السوداني، وهذه الموجة جسّدت مدى تعاطف الشعب السوداني مع رئيسه، ذلك كله انعكس في نتيجة الانتخابات ومنح الرئيس الثقة من قبل 68% من أصوات الناخبين.
هل ستبلور الدول الأوربية والإدارة الأمريكية إلى انتهاج سياسية واقعية تجاه السودان أم تنجح القوى المتطرفة من الاستمرار في التأثير على سياسة الدول الغربية؟ ما هو تقييمك لذلك في ضوء نتائج الانتخابات السودانية الأخيرة؟
على الإنسان أن لا يفقد الأمل بأنه بعد سنوات من السياسات الخاطئة ورغم خيبة الأمل المتكررة سيحدث تحول. نحن نرى بوادر تحول محدود في سياسة الرئيس أوباما عن نهج السياسة المنحازة بشكل سافر، كما أن في الولايات المتحدة قوى لا تدعم تقسيم السودان. أخشى أن تستمر تبعية سياسة الحكومة الألمانية لسياسة الإدارة الأمريكية أو سياسة بعض الدول الأوربية، وأن تستمر في عدم امتلاك الجرأة استناداً إلى ما توصل له باحثون مثل محمود مامداني، والذي نشر نتائج بحث علمي معمق استمر لسنوات عدة دضحت العديد من المزاعم والأساطير حول الصراع في دارفور، كشف فيه السياسة الخاطئة والكاذبة والنفوذ الذي مورس في السنوات الأخيرة ودعا لانتهاج سياسة واقعية تجاه السودان. أخشى أن حكومة ألمانيا لا تمتلك الشجاعة أن تتصدر سياسة واقعية منفتحة على السودان وأن تتخلى عن نظرتها أحادية الجانب وتساهم في عودة الأمور في العلاقات الأوربية السودانية إلى نصابها، سياسة التعاون كما استمرت ولسنوات عدة بين ألمانيا والسودان.. علينا أن لا نفقد الأمل ولكني لست متفائلاً وأنا على قناعة بأن القوى التي حاولت - كما كانت الحالة في عهد بوش- التحريض على التدخل العسكري بهدف فصل دارفور، أدركت استحالة تحقيق أهدافها وأن معركتها خاسرة لا محالة. أتوقع أن تركز هذه القوى جهودها الاقتصادية والعسكرية على فصل جنوب السودان وخلق صراعات جديدة نشهد بوادرها الآن. نزاعات سيكون مصدرها الجنوب وليس الشمال، وستدور النزاعات حول مناطق حدودية بين الشمال والجنوب وسيتم تأجيجها بهدف السيطرة على الثروة النفطية التي تقع في المنطقة الحدودية. أأمل أن تتجه السياسة الأوربية نحو الواقعية، ولكنني لا أستطيع أن أكون متفائلاً.
كيف تقيم مستوى ثقافة الحوار السياسي في الخرطوم، وهل التقارير التي تنشر في أوربا قريبة من الواقع أم منافية له؟
أنا أعتقد أن ثقافة الحوار السياسي وبوجه خاص في الخرطوم متطورة جداً، من الصعب إيجاد سودانيين آرائهم متجانسة هذه تقليد عريق والحالة تتفاوت حسب الانتماء الجغرافي أو الإنساني، ولكن ما هو أكيد هو أن السودانيين ليسوا بحاجة إلى التثقيف في قضايا الديمقراطية، لأن الثقافة الديمقراطية متطورة جداً.
هنالك ظاهرة العديد من السودانيين الذين يهاجرون إلى ألمانيا، الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا أو إسرائيل، إنهم يغيرون آرائهم وقناعاتهم على وجه السرعة ويسخرون أنفسهم أدوات طيعة في خدمة أعداء وطنهم، ويبتدعون أساطير حول سياسة الاضطهاد التي تحول دون عودتهم إلى السودان، ودوافعهم إلى هذه الأساطير أنهم يريدون الحصول على إقامات وينتظرون حياة أفضل. ويتم تجنيد هؤلاء من قبل مجموعات مثل تحالف انقذوا دارفور أو حملة كفى التي يتزعمها جون بندرغاست أو من منظمات مماثلة في ألمانيا، فرنسا أو بريطانيا. هذه ظاهرة أما الظاهرة الأخرى فهي الأساقفة السودانيين في المهجر الذين هم من أشرس المحرضين على السودان، لقد استمعت للعديد من هؤلاء الأساقفة يتحدثون بحرية في ندوات في الخرطوم حيث توجد كنائس فخمة ومدارس التبشيرية، أي أن المسيحيين في السودان لا يتعرضون لأي قيود ورغم ذلك يتم تعميم صورة منافية للواقع عن السودان في الخارج بأن الاضطهاد يعم السودان، ويطالبون بالديمقراطية رغم الانتخابات التي تمت ورغم انتخاب الرئيس بأغلبية واضحة ووجود هذا العدد من الأحزاب. نحن نعلم أن الانتخابات في الدول الغربية تسودها شوائب ناهيك عن المقارنة بالانتخابات مع الدول الأفريقية الأخرى .. أنا أرى أن السودان في حالة جيدة ولكن جزء من السودانيين في المهجر يبدلون قناعاتهم، الكثير من السودانيين يسخرون من هؤلاء لأنهم يعلمون -وخاصة وعندما يسمتعون إلى أقرباء- لهم أنهم يتمادون بذم وطنهم بمجرد وصولهم إلى أوربا ويحاولون كسب ود بعض التنظيمات على أمل الحصول على بعض الدعم الذين هم في أمس الحاجة له بسبب شح المساعدات التي يحصلون عليها من الدولة .. في السودان مجالات عديدة الانطلاق والتطور ولكن ليس من المستغرب أن يوجد أناس باستطاعتي أن أقول يبيعون ضمائرهم لمنظمات أجنبية ويتم استخدامه كشهود زور يبتدعون أساطير حول ظروف الحياة التي لا تطاق في السودان، هذا حقاً مؤسف.
ما هي الأبحاث التي تنتظر رحلتك القادمة إلى السودان؟
أخطط لرحلة جديدة إلى السودان في فصل الخريف، حيث أحاول – منذ سنوات طويلة بجانب مشاريعي الأخرى- أن انشيء محمية طبيعية كبيرة ومحمية حضارية ومنتزه وطني في شمال غرب السودان، ففي عام 2000م وافقت حكومة السودان المركزية وكذلك الولايات الثلاث: شمال دارفور، الولاية الشمالية، وكردفان على هذا المشروع وذلك بسبب سياسة الحكومات الغبية الهادفة إلى عزل السودان. إن هذا المشروع سيكون مثلاً رائعاً للبيئة الصحراوية للتراث الحضاري، للجمال الطبيعي والتنوع الحيوي للمناطق الصحراوية.. هذا المشروع الذي كان من الممكن انجازه منذ عشر سنوات وقع ضحية هذه التطورات السلبية وبهذا يتم الحيلولة دون حماية البيئة حماية التراث الأثري، ويبطيء عملية تحسين الظروف المعيشية للسكان في هذه المنطقة .. الرحلة القادمة تهدف إجراء الأبحاث الأثرية حول المناخ والتاريخ البيئي لشمال شرق أفريقيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.