فى خطابه الضافي أمام الهيئة التشريعية القومية - ظهيرة الاثنين الماضي - أشار الرئيس السوداني، المشير البشير الى استعداد حكومته للتفاوض مع كافة الأطياف السياسية السودانية – بما في ذلك – حملة السلاح. وبالطبع كان خير دليل أكد فيه الرئيس على جدية الحوار إصداره لقرار فى ذات الخطاب جري تنفيذه فورياً بإطلاق سراح كافة المعتقلين والعفو عنهم باستثناء أولئك الذين يواجهون اتهاماً بقلب نظام الحكم، والذين تنظر فى أمرهم محاكماً مختصة بهذا الصدد لم تقرر بشأنهم بعد. ولعل من المهم هنا أن نمعن النظر فى ما يخص الجانب المتعلق بالحوار مع حملة السلاح، فقد رشحت تصريحات هنا وهناك من قبل بعض قادة قوى المعارضة أو ما يُعرف بقوى الإجماع تشترط ضرورة التحاور مع ما يسمى بالجبهة الثورية! والسؤال هنا -بعيداً عن تأويل وتفسير ما عناه خطاب الرئيس- هل الجبهة الثورية جسم سياسي ومسلح حقيقي معنيّ بالتفاوض الحوار؟ الواقع إن الإجابة على هذا السؤال من السهولة بمكان ولا يقلل منها أبداً اعتقاد قوى المعارضة -الخاطئ- أن هناك جسم أسمه الجبهة الثورية لديها صلات به، وربما لبعضها بطاقات عضوية فى ناديها وبعض آخر ربطهم ميثاق بها. ما يسمى بالجبهة الثورية إن هي إلاّ أكذوبة سياسية بلقاء، بكل ما تعنيه الكلمة، فنحن هنا – كما سنرى لاحقاً – لسنا بصدد التشنيع أو التقليل من الشأن أو تبخيس الناس أشيائهم. نحن هنا بغرض النظر موضوعياً فى صحة وموضوعية هذا المسمى الهلامي الغريب حتى لا تكتظ الساحة السودانية وتزدحم بأجسام ومسميات لا جذور لها ولا صلة لها بأرض الواقع. ما يسمى بالجبهة الثورية هي عبارة عن تجميع عسكري متمرد لتجمعات عسكرية متمردة تضم فصائل دارفور (مناوي، عبد الواحد، جبريل إبراهيم، أبو القاسم إمام) ثم قطاع الشمال (عقار، والحلو، وعرمان) ثم بعض الساسة الذين ضاقت بهم مواعينهم الحزبية فى الداخل واجتذبتهم الجبهة كونها تملك دعماً جنوبياً ويوغندياً وأجنبياً فلربما تنجح فى مسعاها ويصبح الخير(خيرين)! أيّ أنهم ساسة طمأنوا أنفسهم بالمقولة الشهيرة (ولِمَ لا؟)! وينتمي بعضهم لحزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي مثل نائبه نصر الدين الهادي، وبعضهم من الاتحادي الأصل بزعامة الميرغني مثل التوم هجو، وبعضهم لا ينتمي إلا لنفسه مثل مبارك الفاضل ذي الصلات المريبة بوكالة المخابرات الأمريكية. وهنالك أسماء قاصرة سياسياً ونكرة، تأتي فى ذيل القائمة. فبالنسبة للفصائل الدارفورية فإن منبرها التفاوضي وجوهر قضيتها وثيق الصلة بالدوحة مهما تعنتت وتمنعت واستهزأت بهذا المنبر الذي وجد إجماعاً إقليمياً ودولياً من العسير التفاوض مع فصائل مناوي وعبد الواحد وجبريل إبراهيم فى منبر مختلف أو تحت لافتة مختلفة؛ وهو أمر يماثل قضية قطاع الشمال، فالقطاع لن يتم التفاوض معه تحت لافتة خارج إطار المنطقتين – جنوب كردفان والنيل الأزرق – وقضية التفاوض مع القطاع هي من الأساس مختلفة بحكم ورود نص صريح بهذا الصدد من مجلس الأمن ضمن بنود القرار 2046 وتحديد المنبر فى أديس أبابا. فإذا جرى التفاوض مع القطاع بهذه المعطيات فهو يكون قد خرج -عملياً- من ما يسمى بالجبهة الثورية، وما تبقى فيها بعد ذلك يمكن التفاوض معه -إذا قبل- فى منبر الدوحة وإلحاقاً بإتفاق الدوحة وفى إطار النزاع الدائر في دارفور وليس أي إطار آخر؛ تماماً كما أن التفاوض مع القطاع ينحصر فى نزاع المنطقتين وليس أي إطار آخر. ما تبقى بعد ذلك من قادة منتمين لأحزاب معارضة فى الداخل فهو يتصل بهذه الأحزاب وبالنتائج التى تحصل عليها من خلال حوارها مع الحكومة السودانية فهم بهذه المثابة لا يملكون قبعتين؛ القبعة الوحيدة التى يملكونها تخص انتماؤهم لأحزاب ارتضوها أو لم يرتضوها. وهكذا فإن مجمل القول إن الثورية ليست جسماً حقيقياً صحيحاً يمكن أن يُرى بالعين السياسية المجردة، الأمر الذى يجعل منها مجرد تجمع عسكري فشل فى إثبات وجوده وفوق ذلك قام ونشأ على أسس تكتيكية فطيرة ليس من المنطق فى شي أعطائه وزن ومقعد تفاوضي لا يملك ثمنه.