حري بنا أن نعتز بالشهادة التي أدلى بها جنرال إسرائيلي للواء (م) ونائب الرئيس النميري سابقاً جوزيف لاقو عندما زار إسرائيل لتنسيق السند العسكري والمالي للتمرد في الجنوب، وذكر جوزيف لاقو أن الجنرال قال له إن الإسرائيلين يعرفون المستوى الرفيع للمقاتلين السودانيين الشماليين ويتذكرون المتطوعين الذين حاربوا مع المصريين عام 1948م في فلسطين.سجل جوزيف لاقو في كتابه رحلة من الدمار للأمل، (مركز محمد عمر بشير بجامعة أم درمان الأهلية - 2006)، اسمي المبشرين.. الأسقف يا زولدي وبازل شابلن اللذين نصحاه بالاتصال بالإسرائيليين في كمبالا ودار السلام، وذكر كيف نظمت رحلته لإسرائيل عبر روما بجواز سفر مزور وأسماء مستعارة (شارلس ثم ناتان ثم ليوناردو).. وكيف وُعد في إسرائيل بالدعم المالي والعسكري وأوفى الإسرائيليون بوعودهم ودخلوا الجنوب فعلاً مرتين وارسلوا العتاد جواً، وثق أيضاً الفساد، إذ استولى أجري جادين على سيارة دفع ثمنها الإسرائيليون.لكن اتصالاً أجري بحركته عبر سفير السودان في لندن عابدين إسماعيل، تطور حتى أثمر اتفاقية أديس أبابا لعام 1972م.ما يهمنا هنا هو أن جوزيف لاقو أنصت إلى ضميره الوطني في لحظة حرجة وحساسة وانحاز للسلام ولأجندة وطنية سودانية بينه وبين الحكومة السودانية.بوسعنا أن نضرب مثلاً آخر بالدكتور جون قرنق الذي حرص رغم وجود قرائن أحوال وتقارير كثيرة تشير إلى صلته بإسرائيل، حرص على المجاهرة بذلك حتى وفاته الفاجعة.الغريب والمفاجيء في مثل هذه المواقف أن حركات دارفور المتمردة أكثر تطرفاً من حركات التمرد الجنوبي، فعبد الواحد محمد نور قال علناً إنه لن يفاوض الحكومة إلا إذا تخلت عن وشائج السودان الإسلامية والعربية.. نشرت مقالته الرول ستريت جورنال بإنجليزية فصيحة يستبعد أن يكون هو كاتبها، نشرت الصحف الإسرائيلية أنباء زيارته لإسرائيل والمكتب الذي فتحه هناك.. نتذكر أن جوزيف لاقو تسلل لإسرائيل وتكتم على كل ما فعل وكتابه الذي أشرنا إليه مذكرات مقاتل متقاعد، بل إنه عندما التقت به الإسرائيلية دانا هارمان في جوبا، قال لها إن الإسرائيليين لم يكونوا راضين عن سلام اتفاقية أديس أبابا، وإنه اضطر للسفر إلى نايروبي لمقابلتهم وشرح أسباب انحيازه للسلام، قال لها أيضاً إنه (وهو الآن مستشار لرئيس حكومة الجنوب): لقد تركنا الأحقاد والمرارات خلفنا، لو سالمنا الشماليين واعترفوا بنا فسوف نسالمهم ونعترف بهم. (صحيفة هارتس الإسرائيلية 29 يناير2011)، وهو يدعو الآن بحكمة لعدم الانسياق وراء المهاترات والحرص على ترك الباب مفتوحاً لعلاقات المستقبل وللأجيال القادمة.يقودنا ذلك إلى الحديث عن خيبة الأمل في حركة العدل والمساواة، وثقت الأممالمتحدة أنها استخدمت أسلحة إسرائيلية ضد الجيش في دارفور، ثم جمعتني ندوة بالقناة الإيرانية في لندن مع د. الطاهر الفكي، أدار الحوار بيننا بول انجرام (7 يناير2011).. فاجأنا د. الطاهر الفكي بأن أثنى على إسرائيل وقال إنها دولة ديمقراطية، وأبدى رضاه عن توازن القوى في النظام العالمي الحالي وانتقد الصين ودورها.. هذه ليست سذاجة، لأن د. الطاهر الفكي ليس ساذجاً ولعل أفضل رد على ادعاء د. الطاهر الفكي هو ما جاء في مقابلة أجراها فرانك بارات مع ايلان بابي (بروفيسور الدراسات الدولية بجامعة اكستر بإنجلترا)، ونُشرت في كاونتربنش (أول أبريل 2011) تحت عنوان إسرائيل ليست ديمقراطية، جاء فيها: إسرائيل ليست ديمقراطية، القطر الذي يحتل شعباً آخر لمدة تزيد على أربعين سنة ويحرمه من أبسط حقوق الإنسان، لا يمكن أن يكون ديمقراطياً، القطر الذي ينفذ سياسة تفرقة ضد خمس سكانه من الفلسطينين لا يمكن أن يكون ديمقراطياً.. قال أيضاً إن هناك ديمقراطية لليهود فقط.نجد مصداقاً لما قال بروفيسور ايلان بابي أن قوانين قد أجيزت في إسرائيل تسمح بحرمان العرب من السكن في عمارات معينة (إذا اعترض السكان)، وقد ارتفعت أصوات إسرائيلية أمينة كثيرة محتجة على العنصرية التي لا صلة لها بالديمقراطية التي يمثلها وزير الخارجية الحالي أ. ليبرمان.الأزمة في دارفور تقترب من الحل، فهل يتصرف قادة حركة تحرير دارفور (التي صارت حركة تحرير السودان بزعامة عبدالواحد محمد نور)، وحركة العدل والمساواة بالأسلوب الذي سلكه اللواء (م) جوزيف لاقو حينما انحاز لأجندة وطنية وتوصل لاتفاقية أديس أبابا، هل سينحازون إلى ما توصل إليه د. جون قرنق عندما وقع اتفاقية السلام الشامل عام 2005 رغم عدم حماسة دوائر ساندته سراً وعلانية.وقد روى د. لام أكول أن بعض الخواجات العاملين في مراكز أبحاث وتعبئة مهتمة بالسودان، كانوا ساخطين عندما وقعت الحركة الشعبية اتفاقية السلام الشامل. من يدري؟ قد تفعل حركات التمرد الدارفورية ما فعله جوزيف لاقو ود. جون قرنق- وقد يكتب قادتها يوماً ما مذكرات تسجل خفايا تمويلهم ورعايتهم والكيفية التي تخلوا بها عن الأجندة الأجنبية وإملاءاتها وجنحوا للسلم.