إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    طباخ لجنة التسيير جاب ضقلها بكركب!    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    نائب وزير الخارجية الروسي من بورتسودان: مجلس السيادة يمثل الشعب السوداني وجمهورية السودان    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    الانتفاضات الطلابية مجدداً    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    أسامة عبد الماجد: مُفضِّل في روسيا.. (10) ملاحظات    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسرائيل (في بطن البيت).. من يدَّعي البراءة!؟
نشر في الأهرام اليوم يوم 20 - 04 - 2011

صواريخ إسرائيل انتهكت الأجواء السودانية.. وقصفت شخصين.. تشك في أنهما يهربان السلاح إلى حركة حماس في قطاع غزة.. وقبلها انتهكت إسرائيل الأجواء السودانية، وقصفت قافلة عربات، وفق ذات الدعوى، إسرائيل تنتهك سيادة الأراضي السودانية.. وهذا هو المغزى (فمن يدَّعي البراءة؟ الجميع مدانون، حاكمين ومعارضين، على مَرّ تاريخ السودان، هم مدانون، الأحياء منهم.. وأيضاً الهياكل العظمية).
كانت عيون إسرائيل تراقب السودان منذ الاستقلال.. ترصد وتحلل أزمة النخبة السودانية في المركز، وصراعاتها على كراسي الحكم وإهمالها لأزمة الهامش وأعراقه، وأفادت إسرائيل من الأزمتين (أزمة المركز والهامش).. كانت إسرائيل ترصد وتحلل تاريخنا السياسي.. استغلت إسرائيل أزمة الحكم في السودان في المركز والهامش وتغلغلت في عمقنا (بالجواسيس..).. فأين كنا نحن؟ سؤال نشهره في وجه النُخب.. في تعاقبها على السلطة، يقول وزير الأمن الداخلي آفي ديختر: (السودان بموارده وبمساحته الشاسعة وعدد سكانه كان من الممكن أن يصبح دولة إقليمية قوية منافسة لدول عربية رئيسة، مثل مصر والعراق والسعودية.. ولكن السودان نتيجة لأزمات بنيوية داخلية وصراعات وحروب أهلية في الجنوب، استغرقت عقوداً من الزمان، ثم الصراع الحالي في دارفور، ناهيك عن الصراعات داخل المركز – الخرطوم – تحولت هذه الصراعات إلى أزمات مزمنة، وهذه الأزمات فوتت فرصة أن يتحول السودان إلى قوة إقليمية مؤثرة، في المحيطين العربي والأفريقي).. محاضرة لديختر ألقاها في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، في العام 2008.. ونشرتها أخبار اليوم 8/4).
مغزى حديث ديختر هنا، أن إسرائيل كانت ترصد أزمة النخبة السودانية في المركز (الخرطوم)، وترصد أخطاءها.. ما نطلق عليه نحن الحلقة الجهنمية (ديمقراطية.. انقلاب)، ومغزى حديثه أيضاً، أن النخب السودانية فوَّتت فرصة أن يصبح السودان قوياً وموحداً.. وأهملت جماعات الهامش.. وكان لإسرائيل دورها في استغلال أخطاء النخب الحاكمة في المركز وفي الهامش.. (فمن يدَّعي البراءة)؟.
في استغلالها لأخطاء النخب الحاكمة السودانية دأبت إسرائيل على مد حركات التمرد في الجنوب بالسلاح.. ولم ترغب في توقيع حركة تحرير جنوب السودان، بقيادة جوزيف لاقو، على اتفاقية أديس أبابا، وأرادت أن يواصل لاقو الحرب إلى أن ينفصل الجنوب، وفقاً للإستراتيجية التي كشف عنها ديختر النقاب في العام 2008م.. لكن الأنظمة في السودان قُلَّب، والمحيط الإقليمي للداخل السوداني، قُلّب، وكذلك هو المحيط الدولي..
ظهر جون قرنق على مسرح السياسة في السودان بطرح السودان الجديد.. ورفض التفاعل مع الحكومة الانتقالية التي أعقبت حكومة النميري بحجة أنها (مايو، تو).. رفض قرنق أيضاً القبول بأن يصبح لاعباً في حلبة الديمقراطية الثالثة.. ولكن بعدها وعد بأن يأتي إلى الخرطوم على صهوة جواد اتفاقيته مع الميرغني في أديس أبابا، فوقع انقلاب الثلاثين من يونيو 1989.. ولكن هل كانت اتفاقية قرنق مع الميرغني وفق رؤية تحترم الديمقراطية وقوانينها.. أم أنها كانت حصان طروادة لقرنق إلى قلب الخرطوم، فرؤية السودان الجديد رؤية شمولية عمادها الحركة الشعبية، كحزب مستقبلي أوحد، وفي الحالتين.. رفض قرنق الانصياع لحكومة الفترة الانتقالية ورفضه الانصياع للعبة الديمقراطية.. لا شك في أن إسرائيل كانت وراءه بالسلاح و(بالتصفيق له)، أو ربما عليه سخرية.. إنه مرحلة، عاد قرنق إلى الخرطوم في العام 2005م.. وكانت له في العودة رؤية، وكانت لإسرائيل رؤية أخرى.. يتبجح ديختر هنا بأنهم دعموا تمرد دارفور منذ أن أسفر عن وجهه (الناري) في العام 2003م، ويبدو أن من فتح الطريق لإسرائيل إلى دارفور كان جون قرنق.. وأيضاً كانت لجون قرنق رؤيته (لسودان جديد.. موحد، أراده سوداناً موحداً.. وعن جدته أراد بها تجديد النخبة الحاكمة في الخرطوم بأن تصبح جنوبية في نظام شمولي..) وكانت لإسرائيل رؤية أخرى، إسرائيل أرادت انفصال الجنوب ثم دارفور في مخططها لتجزئة السودان كما شهد وزير أمنها الداخلي ديختر.
واختلاف الرؤى بين قرنق وإسرائيل قد يكون في تمعنه، فك طلاسم لغز مصرع قرنق في حادثة الطائرة الشهيرة.. تمعناً في قراءة القرائن مسنودة بالاستدلال المنطقي.. ومن القرائن حديث ديختر، عن مخطط إسرائيل الهادف إلى فصل الجنوب والمخالف لمخطط قرنق الوحدوي، وأيضاً من القرائن مقارنة موقف إسرائيل من جوزيف لاقو، زعيم حركة تحرير جنوب السودان، بموقفها من جون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحريرالسودان، وفي الحالتين أيضاً، أزمة نظام الحكم في السودان قُلَّب، وأزمة النخبة السودانية قُلَّب، والمحيط الإقليمي قُلَّب.. وكذلك المحيط الدولي، وفي مياه المحيطات الثلاثة سبحت إسرائيل بمهارة وصولاً إلى شاطئ نيفاشا الكينية.. التي مهدت لانفصال جنوب السودان.. كما أرادت إسرائيل، نيفاشا العام 2005، لا العام 1972، عام التوقيع على اتفاقية أديس أبابا، في إثيوبيا، ومستندين على شهادة ديختر عن سعي إسرائيل لفصل جنوب السودان وتجزئة السودان إلى دويلات، ومستصحبين المتغيرات الداخلية والإقليمية الدولية، نوضح هنا قرينة علاقة إسرائيل بجوزيف لاقو ثم جون قرنق وموقفها من اتفاقية أديس أبابا وعلاقتها باتفاقية نيفاشا، واحتمالات ضلوع إسرائيل في مصرع قرنق.
لم يرض جوزيف لاقو عن بعض بنود اتفاقية أديس أبابا وساندته إسرائيل بقصد، ويروي لنا صاحب (صراع السلطة والثروة في السودان، تيم نبلوك) القصة.. فلنستمع إلى حكيه.. يقول (وعدت الحكومة الإسرائيلية جوزيف لاقو بزيادة دعمها له، إذا ما نقض اتفاقية أديس أبابا، غير أنه وفي النهاية كان لبعض الضغوط الجانبية الأثر الفعَّال، فقد وقَّعت الحكومة السودانية والأوغندية على اتفاق بإبعاد الحركات المعادية لكل منهما، من أراضيها، ونجحت الحكومة الليبية في إقناع الرئيس الأوغندي عيدي أمين في مارس 1972 بطرد المستشارين العسكريين الإسرائيليين من بلاده وقطع علاقته مع إسرائيل، وهكذا أصبحت أوغندا مكاناً غير آمن لجوزيف لاقو، وتلقي المساعدات (الإسرائيلية).
تشجيع إسرائيل للاقو بأن ينقض اتفاقية أديس أبابا باستغلالها لعدم رضائه عن بعض بنودها.. كان الهدف منه أن يواصل لاقو القتال بدعم إسرائيلي لغرض انفصال الجنوب.. ذات المخطط الذي أعلنه وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي في العام 2008.. ولكن كان المتغير الإقليمي القائم آنذاك والذي ذكره نبلوك، هو علاقة الرئيس الليبي معمر القذافي بالرئيس الأوغندي عيدي أمين وحثه له على طرد المستشارين الإسرائيليين من أوغندا، وعمل المتغير الدولي في خدمة التوقيع على اتفاقية أديس أبابا بعكس إرادة إسرائيل، وتمثل هذا المتغير في ضرب النميري للحزب الشيوعي في يوليو 1971م وتوجهه غرباً بعد أن كان شرقي الهوى (يرتدي القميص الأحمر.. ادعاءً)، فصارت قبلته الجديدة أمريكا، عملاً بنصيحة التكنوقراط الذين زينوا له (جمال البيت الأبيض)، فوقع توجه النميري الجديد.. للأمريكان (في جرح).. في مواجهتهم للتغلغل السوفيتي في أفريقيا، وقتها، فدعموا اتفاقية أديس أبابا.. وكمنت إسرائيل إلى (حين): وهذا (الحين) هيأه لها النميري ذاته.. فكما قلنا أزمة نظام الحكم في السودان قُلَّب، ومن مظاهرها تقلُّب سياسات الزعماء بحسب مصالحهم، وكانت إسرائيل ترصد وتحلل.. تنتظر.. ثم تتدخل.. انقلب النميري على اتفاقية أديس أبابا فنقضها.. وكانت إسرائيل في الانتظار، وظهرت إلى حيز الوجود الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة جون قرنق، وأيضاً دعمت إسرائيل قرنق بالسلاح، (كانت إسرائيل تشخِّص مرض النخبة السودانية، لتكتب روشتة العلاج في مصلحتها هي، ومن وصفات الروشتة، محاضرة ديختر، الواردة هنا، فمن يدَّعي البراءة (هذا عن النميري).
ونعود إلى القرينة، بعد تحليلنا للوقائع والمتغيرات، قرينة لاقو وقرنق وإسرائيل وعلاقة إسرائيل المحتملة بمصرع قرنق.. أرادت إسرائيل من لاقو فصل الجنوب ونقض اتفاقية أديس أبابا ولكن رياح المحيطين الإقليمي والدولي لم تكن مواتية لإبحار سفينة إسرائيل.. ولكن في نيفاشا كانت الرياح مواتية (تعبُّ) منها أشرعة جميع سفن إسرائيل في أفريقيا (توطيد إسرائيل لأقدامها في أفريقيا وفي دول الإيقاد راعية نيفاشا: كينيا وأوغندا وأثيوبيا وإريتريا).. وعلى الصعيد الدولي، كان (وصول المحافظين الجدد للرئاسة في أمريكا وسيطرتهم على الكونجرس).. المحافظون الجدد المتحالفون مع إسرائيل.. تدعمهم جماعات الضغط الأمريكية الموالية لإسرائيل.. ومن جانبه أثار نظام الإنقاذ صاحب الطموح الأممي، أثار غضب ومخاوف أمريكا.. ونجحت إسرائيل في تأجيج نيران الغضب وصولاً إلى نيفاشا.. وتضمنت اتفاقية نيفاشا فصل الجنوب كخيار أرادته إسرائيل.. وكانت لإسرائيل رؤية هي انفصال الجنوب وكانت لقرنق رؤيته وهي الوحدة، وكانت الأجواء الأمريكية مواتية لإسرائيل بعكس أحوالها في زمان جوزيف لاقو واتفاقية أديس أبابا.
قرينة تضارب رؤيتي قرنق وإسرائيل وقرينة موقف إسرائيل من قرنق ولاقو (أرادت من الاثنين فصل جنوب السودان) وموقف إسرائيل وقرنق ولاقو من فصل الجنوب المحكوم بالمتغيرات الإقليمية والدولية كما أوضحناها، وقرينة محاضرة ديختر عن استراتيجية إسرائيل بتجزئة السودان إلى دويلات.. كل هذه القرائن تضع إهدار دم قرنق على ذمة إسرائيل، كاحتمال، ليخلو لها الجو.. لفصل جنوب السودان عن شماله، كخطوة أولى لتجزئته كما شهد ديختر، وكانت إسرائيل ترصد وتحلل أزمة النخبة السودانية في صراعها على السلطة وأفادت من الأزمة.. والأخرى المتولدة منها وهي قضية جماعات الهامش، وشهد وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي على الرصد والتحليل والفائدة.. يقول (كان السودان يمثل عمقاً إستراتيجياً لمصر، هذا المعطى تجسد بعد حرب الأيام الستة في عام 1967، عندما تحول السودان إلى قواعد تدريب وإيواء لسلاح الجو المصري، وكان لا بد من أن نعمل على إضعاف السودان وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة، لأن هذا الأمر من المنظور الإستراتيجي الإسرائيلي، من ضرورات دعم وتعظيم الأمن القومي الإسرائيلي).
وأخذ إسرائيل بزمام المبادرة من السودان يعني استغلال أزمة النخب الحاكمة في الخرطوم التي أشار إليها ديختر في حديثه الوارد هنا، ووصفها بأزمة المركز – الخرطوم - وصولاً إلى ظهور دولة الإنقاذ.
هبط علينا الإنقاذيون (بمظلات الرحمة.. إنهم جنود السماء، يقاتلون في صفنا نحن المستضعفون في الأرض، ضد أعدائنا من بيوتات طائفية وكفرة شيوعيين.. وكانت إسرائيل بالمرصاد (ترصد وتحلل وتراقب) وكان جيراننا الأفارقة يعيشون على وجه من تقلُّبات الزمان، وكان الزمان هو الزمان العولمي الأمريكي الإسرائيلي.. وزمان المحافظين الجدد في إدارة بوش (الأب).. الموصولة بإدارة ابنه بوش (الثاني)، وإقليمياً، وطدت إسرائيل أقدامها في داخل أفريقيا، وكانت أحبولة حليفاتها من دول الإيقاد ومن ورائها أمريكا والمحافظون الجدد، وكانت اتفاقية نيفاشا وكان فصل الجنوب والآن المستهدفة دارفور (والبقية تأتي) وفق سؤال ديختر.. متى؟ وسؤال ديختر يتحدى الجميع لإبطال مفعوله على وجه الخصوص (ملائكة الرحمة من مظليي الإنقاذ الساقطين علينا من لدن السماء، رحمة، كما زعموا!).. أخذت الإنقاذيين فتنة السلطة والمال.. وتفاقمت الأوضاع في دارفور وبطرحه للسودان الجديد، جاء إليها جون قرنق، لتمتد عمليات الحركة الشعبية العسكرية فتشمل دارفور في تحالف قرنق مع داؤود يحيى بولاد في العام 1991م وبعد مقتل بولاد تواصلت تحالفات قرنق مع حركات دارفور، وقدمها قرنق إلى دول الغرب ودعمها بالسلاح، ولا شك في أن إسرائيل من وراء قرنق، كانت حاضرة في المشهد.. وحديث ديختر عن أزمة النخبة في الخرطوم وإفادة إسرائيل منها يدخل ضمنها الانقسام الذي حدث في صفوف الحركة الإسلامية ليبرز خليل إبراهيم وحركة العدل والمساواة.. ونُظر إليه وإلى حركته كجناح عسكري للمؤتمر الشعبي. وبتنامي الصراع في دارفور أصبح السودان (مزرعة) لجواسيس إسرائيل، يقول ديختر، واصفاً تواجدهم في دارفور وفي السودان (حركتنا في دارفور لم تعد قاصرة على الجانب الرسمي وعلى نشاط أجهزة معينة.. فهنالك المجتمع الإسرائيلي بمنظماته المدنية وقواه وحركاته وامتداداتها في الخارج والتي تقوم بواجباتها.
لتحقيق إستراتيجيتها عملت إسرائيل على تطويق السودان بجيرانه الأفارقة المتحالفين معها ويشهد ديختر بدور إسرائيل في إشعال نار الحرب في جنوب السودان انطلاقاً من مرتكزات لها في أثيوبيا وأوغندا وكينيا وزائير سابقاً، الكونغو الديمقراطية حالياً.
وكان في إستراتيجية إسرائيل تطويق الدول العربية ولا سيما مصر، وحرمانها من أي نفوذ داخل القارة الأفريقية خاصة بعد الجهود الناصرية لتدعيم العلاقات العربية الأفريقية وكان من ضمن أهداف إسرائيل في حرب 1967 إضعاف دور مصر الناصرية في أفريقيا.. أيضاً خدمت اتفاقية كامب ديفيد إستراتيجية إسرائيل الأمنية في جانبها الأفريقي بعودة إسرائيل لأفريقيا من جديد وتوثيق علاقاتها مع الدول الأفريقية بعد أن قاطعت دول أفريقيا إسرائيل في حرب أكتوبر 1973م.. وتضمنت استراتيجية إسرائيل في أفريقيا السيطرة على البحر الأحمر، خاصة بعد التجربة التي مرت بها إسرائيل عند إغلاق مضيقي تيران وباب المندب في حربي يونيو 1967م وأكتوبر 1973، مما دفع بإسرائيل إلى تعزيز عمقها الاستراتيجي في البحر الأحمر ليتيح لها رصد أي نشاط عسكري عربي في المنطقة يهدد أمنها.
إذن فالوجود العسكري في أفريقيا وفي البحر الأحمر سهَّل على إسرائيل ضرب العربة في بورتسودان وهو من آثار تعزيز إسرائيل لعمقها الاستراتيجي في البحر الأحمر، بعد تجربة حرب يونيو وأكتوبر، مع العرب، وفي محاضرته أشار ديختر إلى توجيه غولدا مائير باستخدام الحديد والنار تارة والدبلوماسية ووسائل الحرب الخفية تارة أخرى، وكشف عن أن إسرائيل وعلى خلفية بعدها عن السودان مضطرة لاستخدام وسائل أخرى لتقويض أوضاعه من الداخل كما قالت مائير، باستغلال الفجوات والتغيرات في البنية الاجتماعية والسكانية فيه. وبناءً على أقوال ديختر استغلت إسرائيل هشاشة البنية الاجتماعية في السودان والمتمثلة في مظالم مجموعات الهامش وتحاول الآن تفتيت وحدة السودان باستغلال قضايا المهمشين.
في الديمقراطية الثالثة انشغلت الأحزاب بصراعاتها على الحكم.. ولم يكن في ذهنها نُذر التمرد في دارفور والذي أطل برأسه منذ تلك السنوات، وإحياء جذوره الممتدة إلى بُعيد استقلال السودان.. وفي سنوات الديمقراطية الثالثة كانت إسرائيل فاعلة في الجنوب تمد جون قرنق والحركة الشعبية بالسلاح، وعند وقوع انقلاب الإنقاذ كان جون قرنق يسيطر على 80% من أرض الجنوب.. فمن يدَّعي البراءة (هذا عن سنوات الديمقراطية الثالثة).
ونستعيد نبوءة وزير الأمن الإسرائيلي، ديختر، بأن إسرائيل تتوقع نجاح إستراتيجيتها الهادفة إلى تفتيت وحدة السودان.. وهو يتساءل فقط عن التوقيت.. متى؟ ولكن في منظوره فالتفتيت مفروغ منه.. فهل تبطل نخب السودان في الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني، سؤال ديختر!؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.