الخريف على الأبواب مقولة نتناقلها سنوياً ونرددها كثيراً كدليل على الاستعداد له، ولكي نطمئن أنفسنا بأننا نقوم بأدوارنا الصحيحة في التعامل مع الأمطار وزيادتها عند حلول الموسم، فهل أحسنا استخدام هذه الرحمة المتدفقة والتي هي في الأصل نعمة وليست نقمة؟. نعم ربنا يفتح علينا بركات من السماء كل عام(كلمة عام للخير، والسنة للجدب والقحط)، فتنزل مياه طاهرة مطهرة من دنس الأوجاع والأسقام، فإذن هي نعمة في المقام الأول، ولابد لنا من إحسان تجميعها وتخزينها في أوعية مائية(موسم حصاد المياه) حتى يمكننا الاستفادة منها في يوم كريهة، وإذا ما نظرنا لواقعنا في توجيه مياه الأمطار والسيول الناجمة عنها، فإنه لا تكمن الخطورة فى السيل بحد ذاته طالما كان تحت السيطرة ويسلك مساراته المعلومة، وإنما يتحول إلى كارثة إذا ما سلك مساراً آخر وخرج عن نطاق السيطرة وبخاصة فى حالة وجود تجمعات سكانية أو منشآت تعترض مساره، وهذا الحال ينطبق على الأنهار التي تجري على أرض بلادنا سنوية أو موسمية كنهر النيل(أحد أنهار الجنة)، وكمثال للأنهر الموسمية نجد نهر القاش يهدد حياة أهلنا في الشرق ويأتي على الأرواح والممتلكات، والأمر لا يختلف كثيراً عالمياً، ولكن الاختلاف يتمثل في طريقة المجابهة والاستعداد)(Disaster Prevention and Management)، والناظر للإعداد لخريف العام الحالي 2010م، بحسب وسائل الإعلام المتنوعة، لا يخالطه أدنى شك في أن طريقة حفر المجاري والتي لا زالنا ننتهج ذات النهج في تهيئتها، من حيث استخدامنا لأسلوب التطهير والنظافة وغيرها من الأساليب التقليدية، والتي لا تتناسب والعصر الحديث لا هندسياً ولا اقتصادياً، والأخطر من ذلك أن أصبحت المجاري المكشوفة من المخاطر الظاهرة من حيث التهديد للسلامة البيئية والسلامة العامة، لأنها كانت السبب في الكثير من حوادث السير، بل وأدت الى انقلاب المركبات بأنواعها المختلفة، والأمثلة على ذلك لا تفوت على فطنة القاريء الكريم، فهذا الأسلوب لا يختلف عن الأعوام التي سبقته، ذلك أن المجاري المغطاة مهما كلفت هي الطريقة السليمة هندسية مع مراعاة تطبيق الخرط الكنتورية وانحدار الأرض، حتى نتكمن من تفادي المخاطر الناجمة عن جريان السيول الجارفة داخل التجمعات السكانية أو انحباس المياه، مع اتخاذنا لكافة الاستعدادات لسيل متوقع، والتنظيم المسبق لعمليات الإخلاء والإيواء في تلك المناطق، وهذا يلزمنا من توجيه إنذار عام لسكان المناطق الوشيكة التعرض لكارثة سيل محتمل لتنفيذ التدابير الاحترازية اللازمة، والتنبيه المستمر لآثار المخاطر الناجمة عن انهيار السدود والمتاريس الترابية ليلاً، وقديماً قيل: من نمّ في الناس لم تؤمن عقاربه على الصديق ولم تؤمن أفاعيه كالسيل بالليل لا يدري به أحد من أين جاء ولا من أين تأتيه ومن الإجراءات المصاحبة لهذا الامتحان المكشوف (الخريف)لتكرر هطول الأمطار سنوياً هو إجراء مسح جوى لاستطلاع المنطقة المتضررة وحجم الضرر والاستعانة بها في عمليات الاستكشاف الجوي لفرق الإنقاذ، خاصة في الأماكن المعزولة والإخلاء الطبي(لأنه قد يصاحب هذه الكارثة طواريء طبية قد تتطلب إخلاء للطواريء)، وحتى لا يحدث الرسوب المتكرر والذي من أبرز مظاهره التدمير الكامل أو الجزئي لبعض المناطق بعينها لوجودها أصلاً في حرم المجاري الطبيعية والمساحات الفيضية للأنهار، فإننا يتوجب علينا حسن تدبير إجراءات المواجهة واتخاذ كافة إجراءات المواجهة والتي من مشتملاتها وأهم عناصرها تنسيق الجهود بحيث تتناول إنقاذ المحصورين، وإسعاف المصابين، وإخلاء المناطق المنكوبة والمهددة، وتحويل مجرى السيل من خلال قنوات صناعية يتم حفرها فى حينه لهذا الغرض، وتصريف المياه المتراكمة وإعادة الوضع الطبيعي للمناطق المتضررة، وحماية المباني والمنشآت بحواجز رملية ما أمكن ذلك، وهذا يقودنا بدوره الى أهمية اتخاذ إجراءات الصحة العامة لمنع انتشار الأوبئة والأمراض التي تنتج بفعل تراكم المياه والبرك الآسنة لسوء التصريف. إن من عوامل إزالة(الرسوب المتراكم) في التعامل مع الفيضانات والكوارث الناجمة عنها، هو إعمال المرحلة الأهم في إدارة الكارثة، ألا وهي مرحلة التعلم Learn ing))، لمراجعة الخطط في ظل المتغيرات المناخية، لأن الامتحان مكشوف ولكن يلزمنا تطبيق قوله جل وعلا:(...إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ولنتذكر دائماً أن الناس رجلان- رجل نام فى النور ورجل استيقظ فى الظلام.