عندما ذهبت ذات مرة لمكاتب السجل المدني بالخرطوم، لاحظت مجموعة كبيرة من المواطنين حضروا لاستخراج بعض الأوراق الثبوتية الخاصة بهم، من شهادات الميلاد والتسنين، وقلت في نفسي يبدو أنني أتيت في يوم فكَّر فيه كل هؤلاء في استخراج بعض وثائقهم الضائعة أو التي لم يستخرجوها أصلاً، وسألت أحدهم هل أتيت في يوم غير مناسب؟ أم هل هناك شيء لا نعرفه جعل كل هؤلاء يأتون لاستخراج شهاداتهم وقال: إن هذا الموقع يستقبل أعداداً كبيرة من المواطنين في كل يوم، وقد أبديت استغرابي وكتبت ذلك حينها في هذه المساحة، والمراقب العادي يصل الى حقيقة مهمة عن المواطن السوداني وأنه لا يميل لثقافة التوثيق أو الاحتفاظ بالأوراق الثبوتية، وكثيراً ما نسمع عن ضياع شهادة ميلاد فلان، أو قسيمة زواج علان، علماً بأن هذه الوثائق مهمة ويحتاجها الإنسان في كثير من المعاملات، لكنه لايكترث لها حتى يُطالب بها. المهم سادتي بعد الاعلانات المتكررة التي أطلقتها إدارة السجل المدني بوزارة الداخلية في حملة تدشين البطاقة القومية أو الرقم الوطني، تأكدت أن هذه العادة السودانية فقط الى زوال، لأن الرقم الوطني سيحل هذه المشكلة تماماً، لأن هذا الرقم الذي سيضاف للبطاقات الشخصية للمواطنين، وسيكتب للمواطن منذ ولادته وحتى وفاته، يجعل المعاملات سهلة ويقلل من ضياع المستندات، لكن هناك بعض التشويش في هذه القضية، خاصة وأن حصر المواطنين تشوبه مشاكل كثيرة، على الرغم مما سمعته من الحملات التي ستوزع في الأحياء، فهناك بعض المواطنين ليس لديهم وثائق ثبوتية إما ضاعت وإما لم يستخرجوها أصلاً، كما أن هناك مشكلة أخرى وهي عدم تمكن بعض المواطنين من استخراج وثائقهم لضيق ذات اليد، مما يعرض هذا المشروع لمشكلة في بعض تفصيلاته، وفي ظني أن تقوم وزارة الداخلية باطلاق حملة لاستخراج شهادات الميلاد، ووثائق الزواج، والوثائق الأخرى، برسوم تشجيعية تصل للمجانية إذا اقتضى الأمر، فالرقم الوطني مهم كما أن مراعاة (ظروف) المواطنين مهمة أيضاً.