أخذ الاهتمام والاحتفاء بالثلاثين من يونيو في التلاشي عاماً بعد الآخر بعد سنوات الصبا لثورة الإنقاذ الوطني، التي يقول البعض إنها أي الثورة انتهت يوم التوقيع على وثيقة اتفاق السلام الشامل، بينما يردد آخرون الشعار الخالد ( الثورة مستمرة والخائن يطلع بره)، وبعض الحالمين من أهل الإنقاذ يستعيرون شعار نادى ليفربول الانجليزي (الريد يمرض ولا يموت).. ولن تمشي وحدك!!. تلاشى الاحتفاء بذكرى الثلاثين من يونيو في المركز الاتحادي، وتبعاً لذلك اندثرت الثورة في الأرياف والولايات التي تحذو حذو المركز في تطبيق نظرية ( التابع والمتبوع)، وهم أكثر يقيناً- أي أهل الولايات- بأن المتبوع هو حَلال المشبوك، وباستثناء زيارة الرئيس لولاية البحر الأحمر مرت ذكرى الثلاثين من يونيو هذا العام كالوردة بلا عطر، وكالمراكب بلا بحر، لم تحتفِ المدن والمحليات بذكرى الثلاثين من يونيو، حتى أعضاء مجلس قيادة الثورة لم يتبقَ منهما على قيد الحياة السياسية وفي الأضواء إلا رجل وحيد، يجلس قريباً من الرئيس البشير، الذي غيب عنه الموت دومنيك كاسيانو بخيت، والزبير محمد صالح، وإبراهيم شمس الدين، وبيويوكوان.. وباعدت الخلافات والشقاق حول السلطة بين الرئيس البشير ومحمد الأمين خليفة، وألقت أزمة دارفور بظلالها على وجود التجاني آدم الطاهر في السلطة، وكتبت الانتخابات الأخيرة السطر الأخير في حياة اللواء إبراهيم نايل إيدام السياسية، حينما سقط من قمة جبل تندية، وحاله ليست بالطبع أفضل من العميد (م) صلاح الدين كرار، الذي لفظه المؤتمر الوطني بعيداً، وتركه للأسى على ما مضى، وهو يردد في سره لن (ننسى أياماً مضت)، وحتى الطيار فيصل مدني، وعثمان أحمد حسن، تواريا عن الأنظار باختيارهما أو بفعل التفاعلات الداخلية، ولكنهم بالطبع- أي أعضاء مجلس قيادة الثورة- ليس حالهم وعلاقتهم بالثورة التي شاركوا في صناعتها كحال الترابي الذي يمثل أطول السياسيين بقاءً في السجون، خلال السنوات العشر الأخيرة!. لم تحتفِ الإنقاذ بعيدها هذا العام، لأن نصف أعضاء مجلس الوزراء القومي، حينما اندلعت الثورة كانوا أما هم الذين ثار البشير ضدهم أو جاءت بهم الاتفاقيات، والترضيات، والتسويات، جنوباً وشرقاً وغرباً، فأصبح الاحتفاء بذكرى الثلاثين من يونيو لا يستحق حتى عطلة لمدة يوم واحد، بينما يُمنح العاملون في الدولة عطلة يوم في عيد شم النسيم، وعيد القيامة، ونصف الشعب السوداني لا يعرف ما هو شم النسيم، أو عيد القيامة، لكن تظل ذكرى الثلاثين من يونيو مثل جبل الداير، لا يتبدل ولا يتغير، ومثل نهر النيل وصحراء بيوضة، وخور انجليز، ووادي هور، لكنها- أي ثورة الإنقاذ- أخذ بريقها في التلاشي، لأن صُناعها وقادتها يستهينون بها، ولولا احتفالات البحر الأحمر وحماس حاج ماجد سوار، وانجاز إيلا لمرت ليلة 30 يونيو مثل سائر الليالي!. انجازات الإنقاذ على صعيد المشروعات التنموية، كسد مروي، وانضمام السودان لنادي النفط العالمي، والتنمية العمرانية لم تجد حتى اليوم الإعلام المنصف، بعد أن أضحى إعلام السودان ما بين قادح لا يرى في هذا الوطن شيئاً جميلاً، ومادح بطريقة تجعله أقرب للإعلام الدعائي!! صحيح أن البلاد تمر بامتحان عسير ومفترق طرق، ما بين أن تتلاشى خارطة السودان القديمة من الجغرافيا، وإرادة البقاء لأغلبية سكانه، وقد وعدت الإنقاذ في بيانها الأول بالحفاظ على وحدة السودان وجعلتها من الثوابت، التي من أجلها يستحق أن يضحي الشباب بأرواحهم، فهل لاتزال الثورة بذات القناعة أم جماعة الطيب مصطفى قد أصبحوا هم ورثة ثورة الإنقاذ، لما تبقى من الأصول والمنقولات!.