هذا العنوان هو مدخل وافتتاحية سورة النجم بالقرآن الكريم.. هو تعبير عن صورة عامرة بالايحاء عن حالة النجم المتلألئ في عليائه قبل أن يغيب ويختفي!!. حضرتني هذه الصورة وأنا أمسك بالقلم، لأشهد مع الشاهدين على حياة الصديق الودود الذي فارقنا لدار الخلود الإذاعي اللامع نجم الدين محمد أحمد.. نعم أشهد مع الشاهدين على حياة رجل كانت مضيئة، ونفس أخ موهوب كانت عالية، وروح صديق ودود مفعمة بالمودة والإخاء. إن نجم الدين كان أسماً على مسمى، نجماً من نجوم الإذاعة السودانية العريقة، التي قدمت نماذج مدهشة من المتيمين بحبها من العاملين بها أو المعجبين. الإذاعة السودانية التي ظلت الوحيدة من بين وسائط الإعلام وأشكاله المختلفة تفرد لمعجبيها برامج وحلقات راتبة، ونوافذ للتواصل الحميم، بل والمشاركة الفعلية في نقد البرامج والاسهام في تطويرها، والتعليق على الآداء الفني والبرامجي. إن (الإنتماء) للمؤسسة أو موقع العمل يعتبر من أهم شروط ومقومات نجاح العامل. إن العامل المنتمي حق الانتماء بمشاعره ووجدانه، بوقته وفكره وإمكاناته لمؤسسته، يعتبر في الإدارة الحديثة أكثر تفهماً لمشاعر زملائه، وأكثر تقديراً واستيعاباً لأعرافها السائدة، وتقاليدها المرعية، مما ينتج عنه النجاح وتحقيق الأهداف المحددة. إن (حوش) الإذاعة كما يحلو لأهلها أن يسموه نموذج رفيع ومشهور لحقيقة الانتماء، وحب العمل، وحميمية علاقة الزمالة، والتعاون المثمر والخلاق، وقد أحسنت الدولة من خلال حكوماتها المتعاقبة أن فطنت لخاصية هذا(الحوش)، فجعلت قيادة الإذاعة السودانية حصرية لمن بداخل(الحوش)، رغم أن بقية الهيئات والمؤسسات الإعلامية المشابهة ظلت مفتوحة التداول في قيادتها، دون هذا الالتزام الصارم الذي توفر للإذاعة، مما مكنها من تقديم نماذج قوية من القيادات عالية التأهيل، وافرة التجربة والخبرة شديدة (الانتماء) تقوم على بنيان راسخ من الهياكل والأقسام، وأهم من ذلك مجموعة متجانسة ومتعاونة من البشر كأنهم لم يخلقوا إلا للإذاعة.. يتنافسون في حبها وبرها.. يستميتون في المحافظة على مكانتها ورمزيتها ويتخذونها داراً ووطناً ومقاماً صوفياً، والشاهد على ذلك قصة الراحل نجم الدين مع الإذاعة، ونفر من الجيل السابق، الذي أدى واجبه ثم مضى.. ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً، هذا بعض ما أعرف عن هذا (الحوش) العامر، رغم أني لست منتمياً إليه، ولكن هذه الخصائص والخصال الفواحة تأبى إلا أن يستأنس بها مثلي، فضلاً عن الصداقات الحميمية التي تجمعني بمعظم الإذاعيين، وكذلك مساهماتي المختلفة في البرامج السياسية والثقافية الأخرى، ربما جعلتني كثير الإطلالة على (الحوش). أسأل الله أن يديم هذا الخلق الفياض على أهل الإذاعة.. وقد رأيتهم بالأمس في جنازة نجم الدين كما رأيتهم من قبل في مواقف مماثلة.. يبدون دوماً أكثر حاجة للعزاء والسلوى من أقارب الراحل من زملائهم!. وبعد: اللهم هذه شهادتي في عبدك نجم الدين وقد نزل بك ضيفاً زاده هذا القلب الكبير، والروح السمح، وأنت أكرم منزول به فاغفر وارحم وأقبل شهادتنا فيه.. وقد ورد في الأثر(ألسنة الخلق أقلام الحق)، وأغفر لنا وأرحمنا معشر الأحياء الأموات إذا ما صرنا إلى ما صار إليه آمين.