حسناً فعلت أثيوبيا عندما أعلنت أنها بانتظار تشكيل حكومة جديدة منتخبة في مصر لتبدأ معها حوارات على أسس جديدة من أجل التوصل إلى تفاهمات بشأن مياه النيل، خاصة بعد تصاعد التوترت إلى حد التهديدات العسكرية بين الدولتين إبان حكم الرئيس حسني مبارك. لكن ورغم تصريحات التهدئة تلك، إلا أن أثيوبيا تمضي قدماً في مشروعها سد الألفية كأضخم مشروع مائي للري وإنتاج الكهرباء في أفريقيا بما يجعل معادلة الأمن المائي غير مكتملة بين الدول المشاطئة.. وذلك أن المعروف عن دولة أثيوبيا أنها ليست في حاجة إلى تخزين مياه، كون أن ما تمتلكه من كميات سواء من النهر أو الأمطار فائض عن حاجتها تماماً وليس لديها من المشروعات ما يتطلب مواعين تخزينية بخلاف غيرها خاصة مصر التي أصبحت معاناتها واضحة وملموسة من شح المياه جراء انحسار النيل وعدم كفاية حصتها المنصوص عليها في اتفاقية مياه النيل المبرمة في العهد الاستعماري. سد الألفية الأثيوبي شغل الدول المستفيدة من مياه النيل.. الكل أدلى بدلوه حول المشروع، منهم من قال إنه مشروع مفيد لتوفير الكهرباء للدول الأفريقية وإنه لن يؤثر على الزراعة في الدول الأخرى، ومن قال بعكس ذلك خصوصاً مصر التي جاهرت برفض أي مشروعات من شأنها أن تقلل من حصتها.. وإن أي مشروعات على النهر يجب أن تحوز موافقة دول الحوض. لم أجد في بلدنا حتى الآن من يدلي بتصريح رسمي حول تأثير سد الألفية من عدمه على السودان.. لم ننتظر رد الفعل من وزير الري، فقد عرف المهندس كمال علي بأنه الوزير الصامت طيلة فترة توليه الوزارة التي تمثل الأطول عمراً، فهذا الكرسي لم يتغير مع تغيرات شتى شهدها الجهاز التنفيذي وحتى السياسي، فرئيس الجمهورية ذات نفسه تغير وضعه مع التحول إلى رئيس منتخب.. وتغير موقع الأستاذ علي عثمان نائب أول إلى نائب رئيس.. ما نفع الرجل أن مهنيته دفعت به إلى وزارة حساسة فبقي فيها يلوذ بالصمت.. الآن يحتاج الناس إلى خروجه عن صمته وتوضيح أين نحن من سد الألفية في ظل مشروعات طموحة للإنتاج الزراعي وضعف واضح في مياه الري.. وهل سيستمر السودان دولة منبع أم سيتحول إلى دولة مصب فقط بعد أن أصبح انفصال الجنوب حقيقة واقعة.. وهل سينضم الجنوب كدولة إلى دول الحوض الاستوائي الست التي تجمع بينها مفوضية تنمية الأنهار والتنمية الريفية ومفوضية فكتوريا.. أم سيدخل ضمن منظومة دول حوض النيل المتأزمة بعضها البعض بسبب الصراعات والخلافات التي عصفت بكل محاولات إيجاد صيغة لاتفاق مشترك حول تقاسم مياه النهر.. كما الأفعى يتلوي النيل الأبيض في مسار جريانه من الجنوب إلى الشمال مخترقاً مجموعة دول ما يفرق بينها أكثر مما يجمع.. الناظر إلى النهر من فوق السحاب تتضح له صورة انحسار مياه النيل وتقطعها في مواضع كثيرة.. ويبدو أن حدة صراعات دول حوض النيل تتفاقم كلما زادت تأثيرات وهن النهر وشح مياهه.. صراعات لم تكن واضحة للعيان عندما كانت الدول الأفريقية تنشغل فقط بصراعاتها القبلية الداخلية أو فيما بينها لأسباب سياسية، ومع (التفات الحكومات نحو التنمية كان الصراع الأكبر حول هذه المياه). بدا الصراع ظاهراً منذ مايو العام 2009م في اجتماع وزراء الري لدول حوض النيل بكنشاسا عندما لم يتم التوصل إلى اتفاق بسبب تمترس بعض دول الحوض حول موقفها بتعديل اتفاقية مياه النيل الموقعة بين مصر والسودان، استمرت الخلافات في كل اجتماع مشترك حتى بعد أن طرح السودان حلاً توفيقياً عبر لجنة مشتركة رفعت تقريرها إلى اجتماعات شرم الشيخ الشهيرة، ثم فشلت هي الأخرى ليطرح السودان مبادرة أخرى لتكون رئاسية تتحول بموجبها مبادرة حوض النيل إلى مفوضية تدرس مشروعات التعاون المتفق عليها بين دول الحوض، لكن كانت المفاجأة رغم تأييد معظم الرؤساء.. أن تم توقيع اتفاق مغاير تماماً بين يوغندا وأثيوبيا وتنزانيا وبورندي مستثنياً دولتي مصر والسودان. في اعتقادي أن الخلافات حول بند الأمن المائي، سوف تستمر حتى مع وجود حكومة جديدة في مصر طالما أنه ينص على عدم إحداث ضرر أو آثار سالبة على الاستخدامات والحقوق القائمة لأي من دول الحوض بما فيها السودان ومصر، كما أن الاتفاقية الموقعة من الدول الأربع لا تعترف ببند الأمن المائي والذي تدخل فيه كل المشروعات الزراعية والمائية والسدود في كل من مصر والسودان بما فيها سد مروي. والسؤال في الخلافات القائمة.. كيف يمكن التوصل إلى اتفاق يضمن اقتساماً للمياه يرضي كافة الأطراف دون الإضرار بالمشروعات السابقة أو اللاحقة لدول حوض النيل. بصراحة نحتاج إلى توضيح من الجهات المختصة حول مشروع سد الألفية ومدى تأثيراته الحالية أو المستقبلية على حصة السودان من المياه أو إذا ما كان فقط مشروع لإنتاج الكهرباء المطلوب إزالة المخاوف أو الترتيبات التي يمكن أن تعمل إذا ما كانت هذه المخاوف موجودة.. ولا اعتقد أن مثل هذه التوضيحات ستؤثر على علاقاتنا السياسية مع الجارة أثيوبيا.