حالة من حالات العصف الذهني التي تصيبنا من وقت لآخر تجعلنا نحاول إعمال مبدأ (الانفكاك التكتيكي) من أي قيد أو أي أغلال تحول دون انطلاقة إحساسنا بحرية الهواء.. لأننا كثيراً ما نحس بأن الكون أقرب إلى أن يطبق علينا أنفاسنا نرى الآخرين كأنهم «سجانون أو جلادون» يتأهبون للانقضاض علينا حتى «لا نبرطع» في فضاء الكون... أحياناً كثيرة أجد نفسي أتحدث مع داخلي بينما لساني الخارجي يتفوّه بكلمات مع الآخر ربما كانت مغايرة لما يمور فيها فأحياناً أهز رأسي في إيحابية خارجية ولساني الداخلي ينطق همساً «بالله.. دي علينا نحنا.. أكان ما متنا... شقينا المقابر» بينما انطق جهارة كلمات واضحة «تمام أوامركم تنفذ بكل الحذافير» وفي أصل الأمر إننا ننفذ وصية جمعية تفتقت عنها عبقرية الإنسان السوداني مفادها أن تقول لنفسك «أعمل رايح»... «وخليك رايح». ü رايح على الولايات! أهلنا في ولايات السودان المختلفة يحفون القادم من الخرطوم بكل حفاوة الإنسان السوداني الأصيل الصميم.. فإن ذهبت إليهم وأنت خالي الوفاض أكرموك وجعلوك ملكاً متوجاً... ولكن إن جاءت بهم الظروف إلى الخرطوم خاصة في حالة «عشرة المكاتب» وجدوا منك جفاوة ضمنية وجلافة جبرية ربما ستقصدها ولكن واقع ظرفك البائس هو الذي يدفعك إلى ذلك التصرف.. حتى إن لسان حالك يخاطبهم «يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل».. صديقتي تضحكني دائماً عندما تقول لي «عايني ديك «أ» جاءت من ولاية «...» والله ما بنقدر نجازيها إلا نعمل رايحين عليها أها قوام قوام أرح..» رغم تشبثي بحق الملاقاة والبشاشة إلا أنني أحس بالجرح لأنني ما مهما فعلت فلن أجزل العطاء لأهلنا الرائعين.. أهل ولايات الخير والكرم.. «أها بعد البشاشة وحق الله وبق الله.. ياها نظرية.. أعمل رايح». رايح على الكبار (عبدو) أكثر ما يكره التنظير والكلام المموج وعنده قناعة تامة بأن المتحدثين اللبقين دائماً مالا يعملون شيئاً.. وله نظرة خاصة تجاه «الجماعة القيافة» الذين تخصصهم «منابر ومحافل دولية».. بأنهم «ماكلين العالم حنك ساي» وكثيراً ما يحس بأنه كل كلمة تقال في المنابر «مجرد لت وعجن» ما لم ينفذ منها شيء.. حتى بات يستهزيء بكل «مهندهم» تلتف حول عنقه ربطة أو كرفتة أو يتلفح ببدل الصوف في عز الصيف حتى يتخيل أن هذا المتأنق «دب قطبي»... وكلما دفعوا به إلى مشاركة في منبر أو محفل.. التزم الصمت في خضم الصخب الهائج.. لأنه في قرارة نفسة يؤمن بتفاهة التكرار الذي يمارسه هؤلاء وما دام أن هناك خلاصات سابقة وأسبق وستسلق لا تجد التنفيذ.. فإن (عبدو) مضطر أن يعمل رايح على الكبار) خاصة وأنهم أحياناً يضعفون وليس عن ضعف أو حلل ذهني ولكنه الترفع والسمو. رايح على الخضار! «صاحب البوكس» ينادي على خضاره «.. الطماطم الخدار.. الودار.. أبو الرخا وصل جاب البامية والبصل» فتلفح زوجة (عبدو) ثوبها المتسخ وسفنجتها القديمة و«تخمش» من جيب (عبدو) المصروف فتذهب إلى ذلك البوكس وأملها أن تعود محملة بكل طيوب الخضار.. فتجد أن صاحب البوكس ينادي بثمن رخيص ولكنه يبيع بسعر عالي وإن «الرخا» الذي يتبجح به في المكيرفون مجرد (وهمة).. فتضطر أن تعمل رايحة وتعود أدراجها وتقذف بمصروف (عبدو) في ركن الدولاب. آخر الكلام رايحين.. رايحين بالملايين.. وعلى طريقة حبوبتي «إن غلبك سدها.. أعمل رايح...» ولا أظن الكثيرين يحتاجون للتفكير بذلك... مع محبتي للجميع