دعونا أيها الأخوة نترك الصراع والتهليل بين الهلال والمريخ قليلاً، ونتحدث في أمر هذا الوطن العظيم الذي لا حول له ولا قوة، فهناك احتمال أن يستقيل السيد الرئيس عمر أحمد البشير عن رئاسة الجمهورية، أو قد لا يتقدم بترشيح نفسه مرة أخرى، ومن هنا تأتي أهمية من يخلفه في هذا المكان الحساس والمهم، ولنا أن نتساءل من هو ذلك الشخص الذي قد تمت تهيئته أو قد تتم تهيئته بواسطة حزب المؤتمر الوطني، ليكون رئيساً للجمهورية، بالطبع هناك أكثر من شخص، ولكن هل يمكن لحزب المؤتمر الوطني إختيار أحدهما ليخلف السيد رئيس الجمهورية في حالة إصراره على عدم الترشح مرة أخرى، وهل سيتمكن ذلك الشخص من ملء الخانة التي كان يشغلها السيد الرئيس؟ يجب الإعتراف أولاً أيها الأخوة بأن هناك قناعة تامة في السودان (قد تكون غير صحيحة) وهي أن ديمقراطية الأحزاب السودانية لن تستمر طويلاً ما لم تسندها وتحميها القوات المسلحة بكل جبروتها وهيبتها، لأنها صمام الأمن والأمان لأي حكم يريد أن يستمر في هذا البلد، وهذه النظرة ليست من عندي، بل أتت من المسيرة الحزبية منذ أن رفعنا علم استقلالنا عام 1956م والى قيام ثورة الإنقاذ 1989م، والكل يعرف ما بين تلك السطور من أحداث، ثم جاءت الإنتخابات الأولى بعد اتفاقية نيفاشا عام 2010م، والتي تعتبر مرحلة جديدة من مراحل تاريخ السودان، إلا وأنني أقولها بكل أمانة بأن أجندة الأحزاب كانت في وادٍ آخر اسمه تجمع جوبا، لذلك لم تستعد الإستعداد الكامل لتلك الانتخابات، ( وكما قال المغني: جوبا مالك عليَّ أنا، جوبا شلتي عيني أنا) حيث تم اكتساح تلك الانتخابات بواسطة حزب المؤتمر الوطني بأغلبية ساحقة.. لأنه تعامل معها بجدية واحترافية تامة، ولم يترك أية دائرة إلا وزرع فيها بذوره، وبالطبع تلك الأغلبية الساحقة ما كان لها أن تتم ما لم تكن هناك إدارة مسؤولة، وقادة سياسيون ذووا كفاءة عالية، بجانب أن هناك رجلاً عسكرياً محبوباً بين شعبه اسمه المشير عمر أحمد البشير، فالرئيس المشير هو الذي أتى بهذه الأغلبية، وهو الذي سيذهب بها أوستذهب معه إذا حاول حزب المؤتمر الوطني أن يضع أي مرشح آخر غير عسكري لرئاسة الجمهورية المقبلة رغماً عن الكفاءة التنظيمية التي يمتاز بها. إن القبلية والفئوية والجهوية، بل ومحاباة الأقارب والأصدقاء..الخ، ما زالت من أهم مهددات الديمقراطية في هذا البلد، وبلد مثل السودان بأطرافه النائية، وقبائله المختلفة، وعاداته وتقاليده التي تتباين من منطقة الى أخرى يحتاج الى استقرار كامل ومتكامل من الحكومة التي ستتولى أمر الحكم فيه، حتى لا تنهار الديمقراطية على رؤوسنا، ونعود الى المربع الأول، ليأتي من يأتي ليحكمنا، وتبدأ الساقية تدور من جديد ، ونبدأ نغني معها أغنية الفنان حمد الريح الساقية لسه مدورة. إن القوات المسلحة، وقوات الشرطة، ومعهما قوات الأمن والمخابرات الداخلية والخارجية، هما صمام الأمن والأمان لهذا الوطن العظيم، بجانب التنظيمات العسكرية أو الشبه عسكرية التي تم إنشاؤها ضمن استراتيجية حكومة الإنقاذ، والتي ما زال بعضها مستمراً حتى الآن، أو لربما استمر حتى تكتمل الممارسة الديمقراطية التامة لشعبنا الكريم، بكل سلبياتها وإيجابياتها، ونصبح من الدول التي تفتخر بديمقراطيتها الكاملة غير المنقوصة، وهذا أيها الأخوة يتطلب وقتاً قد يكون طويلاً، ولكن إذا كان هناك تكاتف وتعاون وتصميم من كل الأحزاب السودانية لحماية الديمقراطية من الهلاك أو الغرق، فسوف تتمكن تلك الأحزاب من اختصار ذلك الوقت بإذن الله سبحانه وتعالى، وسيأتي يوم لن نرى فيه الكاكي أو العسكريين أبداً بين صفوف حكوماتنا، ولكن الآن أيها الأخوة وبكل صراحة يعتبر ظهور الكاكي في قمة الهرم الرئاسي ضرورة قصوى لابد منها، حتى لا نسمع في الصباح الباكر البيان رقم واحد.. ويقودنا هذا الموضوع الى سؤال بريء ومهم جداً، أرجو النظر اليه بعين الإعتبار، والسؤال هو: هل يجب أن تقوم القوات المسلحة السودانية بأفرعها المختلفة بالواجبات المنوطة بها تجاه حماية النظام السياسي الديمقراطي بالدولة،، وفقاً للدستور أم يجب أن تكون تلك القوات المسلحة من ضمن النظام السياسي الديمقراطي بالدولة، كصمام أمان له، ويعهد اليها برئاسة الجمهورية التي تمثل سيادة هذا البلد. إن من أهم الأسباب التي جعلت تلك الجماهير تقف مع حزب المؤتمر الوطني، الذي يتربع الآن على عرش السيادة والسياسة السودانية، هو حب الجماهير السودانية وولاؤها للقوات المسلحة، حيث وجدت ذلك في شخصية المشير عمر أحمد البشير رئيس الجمهورية، ورئيس حزب المؤتمر الوطني، فهل ستبقى تلك الجماهير بنفس القدر من الحب والولاء إذا أصبح رئيس الجمهورية مدنياً أنا شخصياً لا أعتقد ذلك.. ولكني أتمني ذلك، فبعملية حسابية بسيطة يمكن لأي شخص أن يكتشف بأنه لا توجد عائلة سودانية ليس بها عسكري جيش أو شرطة، أو أمن أو مجند في تنظيم عسكري أو شبه عسكري، وبالطبع هذا غير المعاشيين من الضباط، وضباط الصف، والجنود، والمجاهدين الذين خاضوا المعارك في مختلف أنحاء السودان، والكتايب الاستراتيجية، وما خفي أعظم، وهذا يعني بأن الشريحة التي تمثل تلك الفئة سواء أن كانت نظامية أو شبه نظامية كبيرة جداً، ولا يمكن الإستهانة بها خاصة ونحن نتحدث عن عوائل وليس أفراد، لأن السوداني غالباً ما يتحرك مع أمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، إضافة الى فصيلته التي تأويه، ومعظمهم تحت رعايته، فمن هذا المنطلق يجب أن يجتهد حزب المؤتمر الوطني بإقناع السيد الرئيس المشير عمر أحمد البشير بضرورة ترشحه مرة أخرى كرئيس للجمهورية مهما كلف ذلك، أما إذا فشل في إقناعه، فيجب أن يكون خليفة السيد الرئيس في حالة عدم ترشحه، عسكرياً وليس مدنياً، وذلك لضمان أمن وأمان واستقرار هذا الوطن. إن النظام الحالي الذي يسير عليه حزب المؤتمر الوطني الآن في طريقة الحكم يعتبر من أروع النظم السياسية التي مرت على السودان، لأنه يعتمد علي ما يسمي بالقطاعات التنظيمية في الحزب، التي يرأسها قادة سياسيين مؤهلين ومدربين تدريباً خاصاً، لكيفية التعامل مع الأحداث، ويتم تصعيد هؤلاء القادة السياسيين الى أعلى الوظائف وفقاً لحسابات معينة يعرفها الحزب، من أهمها الإخلاص والإنجاز.. كما نجد بأن هناك تجانساً تاماً بين السيد رئيس الجمهورية ونوابه، ومجلس الوزراء، وكبار القادة السياسيين بحزب المؤتمر الوطني، الأمر الذي يصعب معه معرفة من هو الرئيس، ومن هو المرؤوس، وكيف يتم اتخاذ القرارات التي تهم البلد.. وإذا نظرت مثلاً الى السيد علي عثمان محمد طه فسوف تجده رجلاً زاهداً في الدنيا ومخلصاً لوطنه، ولا أظن بأنه سيمانع في ترشيح رجل عسكري لرئاسة الجمهورية إذا تطلب الموقف ذلك، ويجب أن لا ننسى بأنه تنازل من قبل كنائب أول لرئيس الجمهورية الى السيد سلفاكير ميارديت رئيس حكومة الجنوب. وليست هناك مشكلة، فالرئيس الجديد يحتاج فقط الى الدعم غير المحدود الذي كان يلقاه السيد الرئيس من نفس الطاقم الموجود الآن . (سنواصل.. الترشيح لرئاسة الجمهورية)