أقلق القرار الذى أصدره مؤخراً الرئيس السوداني المشير عمر البشير و الذى قضي يتنحيه عن قيادة الجيش كقائد عام له و الذى أمتد لما يجاوز العشرين عاماً حتى الآن ، أقلق القرار المؤيدين للرئيس البشير و خاصة عامة السودانيين و بعض البسطاء الذين اعتقدوا ان خلع البزة العسكرية و التنحي عن قيادة الجيش هو تخلي من الرئيس البشير لمسئولياته القيادية فى الدولة . غير ان المواطنين الذين استطلعت (سودان سفاري) عدداً كبيراً منهم خاصة فى اصقاع مختلفة من ارجاء السودان ، سرعان م أطمأنوا حين أدركوا ان قرار تنحي الرئيس عن قيادة الجيش ضرورى لإيجاد توازن مطلوب ، و تكافؤ فى الفرص بين المرشحين الرئاسيين فى الانتخابات الرئاسية المرتقبة . فقد ثبت – شرعاً كما يقولون – ترشيح البشير للرئاسة السودانية خالعاً بزته العسكرية مرتدياً حلة مدنية بسيطة ، فهو الآن بحكم القرار و قواعد القانون – ضابط متقاعد بالقوات المسلحة السودانية ، و مرشح للرئاسة بعد ان قامت عدد من القوى السياسية السودانية – ليس حزبه المؤتمر الوطني وحده – بترشيحه رسمياً للرئاسة ، وبلغت القوى التى رشحت البشير للرئاسة حوالي 20 حزباً من بينها احزاباً جنوبية على رأسها الحركة الشعبية (التغيير الديمقراطي) الذى يتزعمه الدكتور لام اكول اجاوين. و بترشيح الرئيس البشير و خلعه لبزته العسكرية يتأكد ان الرئيس البشير أحد أبرز المرشحين للرئاسة ، و ان الشكوك التى ظلت تحوم حول امكانية ترشحه او تردد حزبه فى ترشيحه ، او استجابته للضغوط الخارجية وابرزها (ضغوط فرنسية) لم تعد محلاً للجدل. و لعل هذا الترشيح يكتسب اهمية من عدد من النواحي ، فمن ناحية فان الرئيس البشير حتى الآن هو اول رشح رئاسى ترشحه 20 قوة سياسية ،و لا يقتصر الترشيح على حزبه فقط ،و هذا أمر له دلالته العميقة أقلها ان الرجل يحظي بتأييد قوي سياسية خارج حزبه لأسباب تراها هى ومن ناحية ثانية فان الترشيح يعني ان القوى السياسية المعارضة الاخري عليها ان تفعل ذات الشئ ،و هو ان تتفق هى ايضاً على مرشح رئاسي واحد تنافس به البشير – و هى مغامرة خطيرة للغاية – أو أن تتشتت فى ترشيحاتها و تعتمد الاستراتيجية التى قال بها زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض الدكتور الترابي ،و هذه ايضاً مغامرة ، كونها لا ضمانات فيها بالقدر الذى يزرع الاطمئنان فى قلوب هذه القوى . و من ناحية ثالثة فان الترشيح يعني ايضاً ان عجلة الانتخابات قد دارت بالفعل و سرت حمَّاها و من الصعب التراجع عنها تأجيلاً او إلغاءاً ، لأن اى مطالبة بالتأجيل او الالغاء غير مستعدة او تتوجس من المواجهة ،و هذا ليس فى صالحها بأى حال من الاحوال . و أخيراً و سواء كان الرئيس البشير هو الأوفر حظاً بهذا الترشيح أو أن أمر ترشيحه - بهذه المثابة - سيجعل من المنافسة الاكثر احتداماً فى تاريخ السودان ، فان من الهم ان الرئيس البشير جلس جنباً الى جنب مع بقية المرشحين ، حيث لا مجال للزعم ان الرجل يقود قوة عسكرية ، هو قائدها العام ، و من الممكن ان يستخدمها فى حسم السباق لصالحه .