42 عاماً مرّت علي انقلاب العسكر على الحكومة الديمقراطية في العام 1969م وبالتحديد في 25 مايو الذي تمخضت عنه ثورة أطلق عليها بعد ذلك ثورة مايو أو حكومة النميري وهو جعفر محمد نميري.. ويقول المراقبون إن انقلاب مايو لم يكن مفاجأة للأوساط السياسية أو العسكرية أو حتى الشارع العام كما قالوا إن عدم المفاجأة لازم انقلاب عبود وانقلاب الإنقاذ أيضاً فالحكومات الديمقراطية دائماً لا تحكم قبضتها وتكون الصراعات الحزبية سمة تميزها ليقوم الجيش بعد ذلك بالانقلاب عليها. وقد قال الأستاذ عوض الكريم حسين الموظف بالخارجية إن ذاك الإرهابي كارلوس قد زار سفارة السودان في فرنسا وقال إنه يُريد أن يقابل أحد الموظفين وسلمه ملفاً عن الانقلاب العسكري الذي يخطط له الجيش في السودان بواسطة ضباط في صفوف الجيش وأنه قام بإرسال ذلك المغلف للسودان وبعد مدة بسيطة حدث انقلاب مايو.. مما يعني أن الانقلاب لم يأت مفاجئاً وأن الحكومة كانت تعلم به.. وكما علم به كارلوس خارج السودان تقول كل التقارير التي كتبت عن تلك الفترة إن الشارع العام رغم بعده عن الأضابير الرسمية إلا أنه كان يعلم بأن هناك انقلاباً عسكرياً يمكن أن يقوم في أي لحظة فبعض الضباط بالجيش الذين كانوا يسمون أنفسهم بالضباط الأحرار كانوا يقومون بتوزيع منشورات وسط جماهير الشعب السوداني ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إنّ المراقبين لتلك الفترة كانوا يؤكدون أن الوضع مهيأ لقيام انقلاب عسكري. وقد نقلت الأخبار عن تلك الحقبة أن الحكومة وعلى رأسها الأستاذ محمد أحمد المحجوب رئيس الوزراء كان يعلم بتحركات ما يسمى بالضباط الأحرار وأنه كان يتابع مايرد منهم لكنه كان ينتظر أسماءهم بعد أن أخبره ابن أخيه الأمير لاي حسن الفحل أن عدداً من الضباط الأحرار من اليسارين يعدون لانقلاب إلا أن تقريراً آخر قد ورده يقول إنه لا وجود لمثل هذه الاجتماعات التي ترتب للانقلاب وتفاجأ محمد أحمد محجوب بعد ذلك أن التقرير قد كتبه الرائد مأمون عوض أبوزيد أحد الضباط الأحرار ولم تهتم الحكومة بعد ذلك رغم تقارير الأمن والشرطة التي كانت تتابع الأخبار يوماً بيوم ولم تكن الحكومة تتجاهل المعلومات بإرادتها وإنما كان هناك من يحجب المعلومات في قيادة تلك الأجهزة الجيش والشرطة وكانت التقارير التي تصل للقيادات السياسية غير حقيقية.. وقبل الانقلاب بفترة وقد كتب الأستاذ محمد أحمد محجوب في كتابه (الديمقراطية في الميزان) إن المعلومات التي ذكرها له أحد قيادات الحزب الشيوعي السوداني والمتعلقة بالعلاقة بين الشيوعيين والجيش في انقلاب 1969م حول التوصيات المتعلقة بالدستور الدائم شعرت قوى اليسار بأنها يجب أن تتوحد في هيئة منظمة لمكافحة دول ثيوقراطية وللحيلولة دون تحقيق هدف فرض دستور إسلامي على نظام رئاسي وقد اتخذت تلك الاجتماعات قرارات سياسية إلا أن بابكر عوض الله كان قد بدأ اتصالات مع بعض ضباط الجيش وسموا أنفسهم الضباط الأحرار وبدأوا في توزيع المنشورات داخل صفوف الجيش ثم بعد ذلك قاموا بتوزيعها وسط جماهير الشعب. وفي ليلة الانقلاب وفي الثانية من صباح 25 مايو 1969 تحركت قوات الانقلاب من موقعها في خور عمر شمال أم درمان وكان قوامها سريتين من المظلات وقوة من المدرعات شكّلت في مجموعها أربعمائة من الضباط وضباط الصف والجنود وقيل إنّها تنفذ في مشروع تدريبي مشترك بين المظلات والمدرعات. وفي صباح يوم 25 مايو استيقظ المواطنون على صوت الإذاعة وهي تنبه للبيان الأول لثورة مايو على لسان جعفر محمد نميري.