لا شك أن الدبلوماسية والمراسم والبرتوكولات من أهم مقومات الحكومات المتميزة وكلما كانت البرتوكولات منظمة ومن يقومون بها متمكنين زادت قيمتها لدى الدول الأخرى وقد حفل السودان برجال متميزين في هذا المجال منذ الاستقلال وحتى الآن.. ونحن الآن نعيش ذكرى ثورة مايو التقينا بأحد رجالات البرتوكول في السودان عاصر الرئيس جعفر محمد نميري وهو الأستاذ عوض الكريم حسين.. الرجل المراسمي والبرتوكولي الذي كان يعمل في القصر والخارجية وقد شهد غالبية لقاءات الرئيس نميري مع السفراء من الدول الأجنبية وقد قلّبنا مع الرجل دفاتر بعض المعاملات الدبلوماسية والبرتوكولية في تلك الحقبة وقد قال (عوض) لقد لخصته في هذه الكلمات «مراسميات ومواقف تتحدث عن رئيس بطل وخطى مشاها نحو المجد جسوراً غيوراً مشاها على درب الزمن ومن عمر الزمن وجاد بها الزمن ما إلى نسيانها من سبيل ولم يعرف للمستحيل سبيلاً وكان سودانياً أصيلاً غيوراً وجسوراً.. رحم الله نميري فقد كان وسيظل في الحنايا والخاطر له في القلب موضوع ومكان». .. وكانت حصيلة حوارنا.. كيف كنتم تتعاملون برتوكولياً مع الرئيس نميري خاصة وأن البعض يرى أنه شخصية صعبة ولا يحب التعامل بالبرتوكولات؟ - نحن تربينا على أيدي عمالقة من الدبلوماسيين علمونا البرتوكول والعمل الجاد ولم نكن نخطئ والذين يقولون إن النميري كان شخصية صعبة لا يعلمون عن الرجل شيئاً فقد كان رجلاً بسيطاً في تعامله ولم نر منه شيئاً غير جيد وفي كل الاحتفالات كان يتعامل بشكل برتوكولي ولم نجد صعوبة في تعاملنا معه لأنه كان يعلم ماذا يفعل ونحن نعلم ماذا نفعل وهذه الحقائق نحن نقولها للتاريخ. في إحدى الصور التي رأيناها وكانت تظهر السفير الروسي وهو يقدم أوراق اعتماده أمام الرئيس بعد عودة العلاقات السودانية الروسية بعد انقلاب 1971 ألم يبدر منه أي شيء غير برتكولي؟ - كان الرئيس النميري يقابل السفراء وهو عادي ولم يبدر منه أي شيء مخل وقد لاحظنا أن السفير الروسي كان يرتجف وهو يقدم أوراق اعتماده وغالبية السفراء كانوا يرتجفون أمامه. لماذا يرتجفون؟ - لا أعلم لكن ربما لأنهم كانوا يقفون أمام شخصية غير عادية فشخصية الرئيس نميري كانت قوية جداً من بين كل رؤساء الدول في تلك الفترة. هل كنتم تهتمون بأزياء الرئيس وماذا كان يميز الأزياء التي كان يرتديها؟ - الرئيس نميري كان رجلاً أنيقاً وكان دائماً ما يرتدي بزته العسكرية ونادراً ما كان يرتدي البدلة إلا في لقاء السفراء. هل كانت شخصيته العسكرية تتحكم في شكل تعامله مع النّاس؟ - نميري يا هو نميري ببزته العسكرية أو بالجلابية أو البدلة وهو رجل بسيط وتلقائي ويتعامل مع كل موقف. لكن هناك من يقولون إن نميري كان «معتد» بنفسه جداً ألم يؤثر ذلك في شكل تعامله؟ - كل إنسان طبعاً يعتز بنفسه لكنه يعتد بنفسه بتواضع وليس بتكبر.. وبساطته وسودانيته الواضحة كانتا تميزانه وكان دائماً ما يضع الأمور في نصابها وأذكر أنه كان رئيس الجمهورية ووزير الدفاع وفي مرة تقدمت وزارة الدفاع بطلب لرئيس الجمهورية وكان موقع باسمه كوزير للدفاع وكتب على الطلب «نأسف». أين كنت عندما قام انقلاب 1971؟ - كنت في منزلي بالشجرة عندما سمعت المارش الشلكاوي رقم «5» علمت أن هناك شيئاً قد حدث وعندما اتصلت وسألت زملائي قالوا إنهم شاهدوا نميري يلبس جلابية وأدخل للقصر.. وكنت أتابع الموضوع وفي اليوم خرجت من منزلي ورأيت الدبابات ترفع صورة نميري وعلمت أن نميري قد رجع وقبل رجوعه كنت أشاهد النّاس في الشارع وهم يهتفون ضد نميري والغريب أن نفس هذه الوجوه ونفس الحناجر هي التي خرجت للشارع وهتفت عائد عائد يا نميري. ماذا كان موقف السفراء في ذلك الوقت بعد الانقلاب على نميري؟ - بعض السفراء أرسلوا برقيات تأييد لهاشم العطا وانقلبت عليهم وبالاً بعد ذلك وتم استدعاؤهم وحققوا معهم. يعني زي منو؟ - لا داعي لذكر الأسماء. وما رأي سفراء الدول الأجنبية؟ - أظن أن المفاجأة قد ألجمتهم فقبل التعليق عاد نميري مرة أخرى أذكر أن الرئيس نميري كان يخطب في إستاد ود نوباوي ولم يأت السفير الروسي وقد هاجم النميري روسيا وقال إنها لم تف بوعودها فغضب السفير الشيكي واستدعاه وزير الخارجية واستبعده لأن انسحابه يعتبر إهانة لرئيس الجمهورية. كيف كان التعامل بين السودان وليبيا عندما حدثت القطيعة بين الدولتين؟ - أنا لا أذكر بالضبط شكل التعامل بين الدولتين لكن أعلم أننا كدبلوماسيين حدثت لنا مشاكل كثيرة من ليبيا وأذكر إحدى المشاكل التي حدثت لنا نحن كدبلوماسيين وكنت على رأس وفد لحضور مؤتمر القمة الأفريقية في سيراليون وضمن بكل إجراءات السفر والتذاكر وأخذنا الطائرة الأثيوبية وعندما وصلنا أديس أبابا عملنا الأوكي ووصلنا لمطار أكرا التي سنغادر منها لسيراليون وعندما ذهبنا لأخذ البورد باص وجدنا مكاتب المطار مغلقة وسألنا وقالوا لنا إن الموظفين قد غادروا فتعجبت وظننت أنني مقصر في عملي رغم أنني قد أتممت كل الخطوات.. فذهب أمام المكاتب وجاءت إحدى الموظفات وأخذتني لمكتبها وقالت لي هل لديك «200» دولار وختمت لي التذاكر وأوصت بعض الموظفين بتوصيل العفش حتى الطائرة وعدت لها وسألتها عما حدث فقالت لي هل تحفظ السر قلت نعم فقالت إن هناك دولة لا داعي لذكر اسمها أعطت الموظفين أموالاً لشطب أسمائنا من الكشف وإغلاق المكاتب قبل وصولنا. ألم تشعروا أن حضوركم فاجأ تلك الدولة؟ - حدثت لهم مفاجأة لم يتوقعوها وقد قال لي أحدهم سودان ايه وسودانيين ايه فغضبت وقلبت الطربيزة في وجهه رغم أن هذا التصرف غير لائق إلا أن أهان السودان والسودانيين ولم أقبل. كيف كانت العلاقات السودانية المصرية؟ - أنا لست خبيراً في العلاقات السودانية المصرية لكنني استطيع أن أقول إن نميري كان حريصاً جداً على العلاقات بين البلدين رغم أنهم كانوا يثيرون بعض المشاكل إلا أن نميري كان يستطيع معالجتها خاصة فيما يتعلق بقضية حلايب وهي خميرة العكننة الدائمة بيننا والحمد لله الآن تم الاتفاق على أن تكون منطقة تكامل. كيف كنتم تتعاملون مع أمريكا في الخارجية السودانية خاصة في وقت المقاطعة والمشاكل مع أمريكا؟ نحن كدبلوماسيين لا نبادر بالعداء السافر ضد أي دولة وكنا نقابل الأمريكان بصورة عادية وطبيعية ليس بها أي مشكلة ولا تحمل أي إحساس بوجود خلافات بين الطرفين. طيب ماذا عن الروس؟ - نميري طوى صفحة روسيا وأقام علاقة قوية مع أمريكا فأمريكا تعلم أين مصلحتها وتتعامل وفقها. هل كانت مقابلة الرئيس تختلف من سفير لسفير مثلاً سفراء الدول العربية هل كان يُقابلهم ببشاشة أكثر؟ - كما ذكرت فإن الرئيس نميري كان يُقابل كل السفراء ببشاشة لكن العرب كان يقابلهم ببشاشة أكثر بحكم أنهم من دول عربية وإسلامية. هل صحيح أنك قابلت كارلوس «الإرهابي» قبل ثورة مايو؟ -نعم فقد جاء لسفارة السودان في فرنسا. وقال إنه يريد أن يقابل مسؤولاً في السفارة وقال لي إن لديه معلومة أريد أن أبلغها ولم أكن أعرفه وقال إنه يحب السودان ويتمنى أن يعيش فيه يوماً وسلمني بعض المستندات وهي تقول إن هناك من يعدون لانقلاب في السودان وبدوري قمت بإرسال الأوراق للسودان.