واليوم وبعد أن فاض بي الكيل.. وتعبت من الشكوى و «زهجت» من التكرار وغضبت من صدى كلماتي التي كثيراً ما تذهب أدراج الرياح.. أو يحملها الهواء لتطير كما الدخان.. أو في أحسن أحوالها وحالاتها لا أسمع لها رداً غير حزن ويأس الصدى.. اليوم أُخاطب الأحبة الذين أعرفهم وأولئك الذين لا أعرفهم.. أخاطب فيهم أشواقهم الإسلامية الشاهقة.. وصدقهم الذي هو أكثر رسوخاً وشموخاً من الجبال.. أخاطب أستاذي في الأحفاد وجاري في «ود نوباوي» أخاطب صديقي الكابتن شيخ الدين ثم صهره «الدولب».. أخاطب محمد الطيب ذاك الطيب في «ود أرو».. أخاطب عن معرفة أفخر وأعتز بها وأزهو بها في خيلاء طاؤوسي مولانا شيخ أبو زيد محمد حمزة وصديقي منذر محجوب.. أخاطب الملايين الذين يشبهون هؤلاء خلقاً وصدقاً وديناً.. ولهم أقول.. لقد عرفتكم فرداً.. فرداً.. صحيح إنني كنت أخالفكم الرأي والتوجه واللون السياسي.. ولكن وقسماً بالذي رفع السماء بلا عمد.. إني كنت وما زلت وسأظل بإذن الله اتيقّن من نبلكم وصدقكم وسمو وباهر أخلاقكم.. لم أشك لحظة في عمق إيمانكم.. فكانت وستظل قناعتي التي لا يزعزعها ظن وثبات لا يخلخله شك.. أنكم كنتم وما زلتم تملأ صدوركم تلك الأشواق الهائلة لقيام دولة الإسلام.. وتحكيم شرع الله وإعادة تلك الأيام الزاهية المزهوة.. أيام يثرب والخلافة الراشدة.. وذاك العدل الذي استظل الناس تحت ظلاله الوارفة.. والآن دعوني أسألكم أفراداً وجماعات.. والحكومة تُعلن بألف لسان ولسان.. يردد كل قادتها ورموزها.. وزعماؤها.. أنها إنّما تحكم بالشريعة الإسلامية السمحة.. وإن هذه البلاد من أقصاها إلى أدناها إنما هي دار الإسلام.. وسؤالي هل ما نعيشه الآن ونشاهده اليوم هو أقصى أمانيكم وغاية أحلامكم.. ومنتهى أشواقكم هل ما نراه الآن هو الذي كنتم به تبشرون.. وهل الحكم بما أنزل الله هو مثل الذي نعيشه الآن.. وهل ذاك الترف المترف وتلك النعمة التي يتقلب فيها الحكّام يقرها ويجيزها الإسلام.. وهل تلك المسغبة والفقر وقسوة الحياة يمكن أن تكون نتاجاً وثماراً لدولة تحكم بشرع الله.. وهل مجتمع إسلامي طاهر عادل يمكن أن يفرز دياراً تأوي مجهولي الأبوين وهل اكتظاظ وازدحام السجون بالنزلاء المعسرين ينبيء عن دولة تحكم بالإسلام.. وهل الاختلاسات والتعدي على أموال المسلمين يمكن أن ترتكب بأيد متوضئة.. وهل الإسلام يُجيز تمكين الموالين والإغداق عليهم مع استبعاد بقية المواطنين.. وهل «قطع عيش» بعض بل مئات الآلاف من الموظفين والعمال المسلمين يجوز إسلامياً قياساً على أي مذهب من المذاهب الأربعة.. أو أي اجتهاد.. الأحبة الأجلاء.. لو كانت هذه الدولة دولة مدنية أو علمانية.. لما كتبت لكم حرفاً واحداً.. ولكن اتلفت حولي لأجد الرايات الإسلامية تملأ الأفق والأثير والجرائد والإذاعات والطرقات.. وأعيد البصر كرتين ليرتد خاسئاً وهو حسير.. فقد رأى البصر ما لا يمت للإسلام بأدنى و أوهى وشيجة.. وهل أريكم أمثلة.. إنها أكثر عدداً من حبات رمال كلهاري.. ولكن لا بأس.. فها هو مسؤول رفيع وتحديداً مسؤوليته بل قوامته كانت على ركن من أركان الإسلام وهي الحج.. رفض هذا المسؤول مبارحة موقعه رغم الإقالة.. حتى ظننا أنه لم يسمع أبداً بقصة سيف الله المسلول خالد.. الذي عزله أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.. لم يتردد الرجل الصحابي الجليل لحظة.. بل نفّذ الأمر في اللحظة والتو وسلّم قيادة الجيوش الإسلامية المنتصرة لشاب صغير كان قبل عزله جندياً من جنوده.. سؤال.. واجف راعش وخائف.. هل لو حكمتم أنتم هل كان سيكون الحكم بنفس ما نعيشه الآن.. لك ودي وحبي..