قال صديقي ونحن نتجول بالقرب من ميدان أبو جنزير. الجنوبيون بدأوا الرجوع للخرطوم بكثافة!! تحدثنا قليلاً في الموضوع ولكننا في نهاية المطاف ألقينا باللوم على الحركة الشعبية بصفة أساسية بدون إعفاء المؤتمر الوطني من المسؤولية.. فهي التي قررت في نهاية المطاف أن تجعل من الجنوبيين مواطنين أجانب في جزء من وطنهم السودان. فهي منذ مقتل قرنق دفعت بكل المواقف السياسية في صراعها مع المؤتمر الوطني في اتجاه الانفصال وجعله خياراً وواقعاً أمام أبناء الجنوب على النحو الذي شاهدناه وعايشناه ولا يحتاج لإعادة هنا فالمسلسل محفوظ بكل حلقاته «وسيناريوهاته» «ومؤلفه» «وأبطاله» «وخونته» «وكمبارسه» «ومخرجه» ومدير إنتاجه «ومموله».. الخ. ü لا أحد كان ينظر للجنوبيين هذه النظرة «الأجنبية» سواء زادوا أو «نقصوا» في العاصمة أو مدن الشمال بل إن سنوات الحرب الأهلية التي أمتدت منذ عام 1982 وحتى 2005 أكدت بوضوح أن الشمال هو الملاذ الآمن للجنوبيين وأن مدن عطبرة وشندي ودنقلا والخرطوم ونيالا وأروما هي الأقرب لوجدان ونفسية المواطن الجنوبي من كل مدن الجنوب أو دول الجوار الأفريقي التي تقع في الحدود الجنوبية. ذهب الجنوبيون نحو الشمال وعاشوا حياة اجتماعية هادئة وعادية واندمجوا في النسيج الاجتماعي ولولا اتفاقية السلام المشؤومة التي مزقت كل هذا التقارب والتمازج لحدث الهدف المنشود وهو الانصهار الطبيعي بين مكونات الوطن الواحد بصورة هادئة وسلسلة بتواصل الأجيال الذي ليس بالضرورة أن يتحقق في عهد هذا الحزب أو ذاك الزعيم فبناء الأوطان «راية» يتبادلها جيل بعد جيل ولكن المخططات والمؤامرات أوقفت كل ذاك التقدم الاجتماعي الذي بدأ يؤتي أكله من خلال «مسرحية» الاستفتاء التي قلبت حياة الجنوبيين رأساً على عقب وأخرجت من بين ثنايا حصان طروادة خيار الانفصال الذي لم يكن رغبة جنوبية شعبية جامعة. ولكنه لعبة «صفوية» وراءها قوى أجنبية ووطنية! لا تريد سوى هذا الخيار «الهدمي» و«العدمي» أن يصبح أبناء الوطن الواحد أجانب في بلادهم سواء كانوا في الشمال أو في الجنوب..!