ظلت أحزاب المعارضة الشمالية تطلق الدعوات وترفع الشعارات منذ عشرين عاماً تطالب بدولة الوطن بديلاً لما اسمته بدولة الحزب ومغزى ومضمون مطالب المعارضة فصل السياسي الحزبي عن المدني القومي وتعني بذلك الخدمة المدنية والخدمة العسكرية والتعليم العالي ولم يرفض المؤتمر الوطني جهراً وعلناً الدعوة التي تطلقها المعارضة.. لكن الرئيس عمر البشير بعد انتخابه العام الماضي أخذ على عاتقه إعادة هيكلة الدولة وتقليص دور الحزب والفصل بين المنصب السياسي والخدمة المدنية .. في خطابه أمام شورى المؤتمر الوطني يوم الخميس لم يلتزم البشير بنصوص مكتوبة ولا موجهات معدة سلفاً لاجتماع مجلس الشورى القومي في دورته الثالثة تحدث البشير بطلاقة وعفوية لا تقيدها مراسمية ولا خطوط صفراء وحمراء ولم يجد خطاب الرئيس البشير رغم أهميته ما يستحقه من قراءة سطوره وقراءة ما بين السطور والنقاط والحروف التي وضعها البشير أمام نخب ومثقفي شورى الوطني وأهتم البشير في حديثه بقضية انفصال الجنوب وتأسيس دولة الشمال بعد التاسع من يوليو القادم والأوضاع الاقتصادية وقال الرئيس وهو يتحدث عن دولة الوطن إن الحكومة في سياساتها بعد التاسع من يوليو القادم ستفصل ما بين المنصب التنفيذي والسياسي والخدمة المدنية وأن وكيل الوزارة يصبح منصباً غير خاضع للموازنات السياسية يعين الوكيل بكفاءته الإدارية والفنية بغض النظر عن انتمائه السياسي وينبغي أن تصبح لجان الاختيار للخدمة العامة لجاناً احترافية تؤدي القسم لاختيار الخريجين بالمؤهلات وليس التحيزات السياسية والانتماء للأحزاب لأننا نبني وطناً للجميع ونسعى لتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة من الأحزاب تتفق على برنامج عمل وتنفذه.. وتابع البشير بما يشبه الاعترافات السياسية الجريئة: نسعى لبناء خدمة مدنية حديثة تأخذ بأسباب التقدم في منهج قومي حتى الجامعات لن نفرض مديريها على الأساتذة بل سنجعل للأساتذة دوراً في اختيار مدير الجامعة وبهذا القرار الجريء أصبح منصب مدير الجامعة قومياً لن يحتكره فقط أصحاب الولاء السياسي للحزب الحاكم.. اختلال الاقتصاد ومضى الرئيس في خطابه لفقرة خطيرة جداً حينما رفض رئيس الدولة أن يتم تحصيل الرسوم والجبايات من المواطنين بدون أرنيك (15) المالي في محاولة أخيرة من الرئيس ليعيد لوزارة المالية ولايتها على المال العام وبعد قرار الرئيس الصريح جداً هل تستطيع شرطة المرور تحصيل المال من السائقين والمخالفات بأرنيك صادر من الشرطة؟؟ وهل إعلان الرئيس يأخذ جملة ويبدأ تطبيقه منذ اليوم؟؟ أم ينتظر المواطنون لجنة دكتور نافع علي نافع التي تم تكوينها لإلغاء أي رسوم أو جبايات أو غرامات أو تحصيل مال دون أرونيك (15) ولجنة د. نافع التي أعلنها الرئيس شكلت خصيصاً لرئاسة د. نافع الذي له دور ويد في تعيين الوزراء والولاة ومديري المؤسسات وله دور كذلك في الفصل والإعفاء ولن يستطيع وزير الداخلية ومدير عام قوات الشرطة تجاهل توجيهات د. نافع ويستطيع بنفوذه في الدولة أن يجعل صندوق الإسكان القومي والولائي يستخدم أرنيك (15) حتى يذهب المال لوزارة المالية ولن تستطيع بعد اليوم وزارة الطرق (تجنيب) عائدات المرور السريع التي تقوم بتحصيلها شركة الهدف والتصرف في مليارات الجنيهات قبل المرور بخزانة المالية!! ولكن هل من دور للجماهير برفض دفع أي مال بدون أرنيك (15) حتى لو أقتضى الأمر مواجهة الجهات التي تحصل على المال بأرنيك خاص بدءاً من شركات النظافة وحتى شرطة المرور وأمام القضاء والإتكاء على توجيهات الرئيس ونصف الشعب قد تمت (عسكرته) في العسكرية (ثرثرة القائد تعليمات)؟؟ والرئيس البشير كان يتحدث في مجلس الشورى ولم (يثرثر) مع مدير مكتبه الفريق طه عثمان.. وسألت وزير المالية علي محمود في الجلسة الافتتاحية لشورى الوطني عن اختيار د. نافع رئيساً للجنة إزالة الرسوم والجبايات غير القانونية فقال الوزير علي محمود هذه اللجنة موجهة أصلاً للوزراء والتنفيذيين في الدولة وهم في الغالب ينظرون لأنفسهم (كتوف متساوية) لكن د. نافع يستطيع أن يضع كل وزير في مكانه!! المالية وآثار الانفصال آثر وزير المالية علي محمود السير على حافة الهاوية وتجنب السقوط حينما اعترف بالآثار الوخيمة المترتبة على انخفاض إيرادات البترول خلال حقبة ما بعد انفصال الجنوب حيث تنخفض الايرادات (الداخلة) للخزانة العامة للدولة وسيتأثر الناتج المحلي من الصناعات الاستراتيجية المعتمدة على البترول ولكنه خفف من الآثار المترتبة على الزراعة جراء انخفاض إيرادات البترول وكذلك قطاع الخدمات الذي قال إن تأثيره سيكون عارضاً ولكن ستتأثر أكثر موارد النقد الأجنبي الشيء الذي يؤثر على ميزان المدفوعات لكن التوقعات الخاصة بزيادة إيرادات الذهب قد تخفف من شدة وطأة نقص النقد الأجنبي وحدد وزير المالية وصفة علاجية للآثار المرتبة على الواقع الاقتصادي بعد التاسع من يوليو متمثلة في محاصرة تدني مستوى المعيشة وإعادة هيكلة الدولة ومحاصرة العجز الكلي وزيادة الجهد المالي والضريبي للدولة على المستويين الاتحادي والولائي وخفض استيراد السلع الكمالية وزيادة إنتاج المعادن واستقطاب رأس المال الأجنبي وإحداث طفرة في الاستثمار بالسودان وفتح البلاد لأغراض تجارة (الترانيست) شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. عائدون لصفوف الوطني شهدت أروقة مجلس شورى الوطني عودة رموز غيبتها حقبة الانتخابات الأخيرة حينما خاضت تلك الرموز الانتخابات مستقلة عن حزب المؤتمر الوطني وأبرز العائدين لصفوف الوطني د. بدر الدين طه أحمد المرشح المستقل لمنصب والي الخرطوم وأبشر رفاي القيادي في المؤتمر الوطني الذي عاد بعد خوضه الانتخابات مستقلاً عن الوطني وعبد الباقي العوض القيادي في المؤتمر الوطني من ولاية الجزيرة ومحمد أحمد الطاهر أبو كلابيش زعيم كردفان الذي أغضبته الطريقة التي اتبعت في اختيار مرشح الوطني بشمال كردفان فيما لم يظهر عبد الباسط سبدرات في الصورة واختارت بدرية سليمان الاعتذار عن رئاسة القطاع السياسي بمجلس الشورى وكأن البناء المايوي داخل المؤتمر الوطني قد أعياه المسير وبدأ في التراجع بعد سيطرته على مفاصل الحزب والدولة ردحاً من الزمان. خطبة دفع الله في خطبة الجمعة بمسجد دار المؤتمر الوطني هاجم الشيخ دفع الله حسب الرسول قيادات المؤتمر الوطني وقال أين أنتم من أنصار رسول الله الذين آثروا على أنفسهم طلب الماء القراح حينما دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم لأن يطلبوا ما يشاءون ولكن قيادات المؤتمر الوطني اليوم تتحدث عن التهميش وعن التنمية والمدارس ولا توثر على نفسها وقال أصابتهم فتنة المال والسلطة وهتف أحد المصلين في الصفوف الخلفية وتبدت على وجه د. نافع علي نافع ابتسامات الرضا لهجوم حسب الرسول على بعض قيادات الوطني رغم ما ظهر على د. نافع من رهق في جلسات شورى الوطني. اختفاء للوجوه العسكرية لم يظهر في جلسات شورى الوطني وزير الدفاع الفريق عبد الرحيم محمد حسين ولا الفريق بكري وزير شؤون رئاسة الجمهورية وبدا الفريق محمد بشير سليمان وزير الزراعة ونائب والي شمال كردفان شارد الذهن يتأمل خطب القيادات ولكن الفريق الهادي عبد الله والي نهر النيل كان أكثر نشاطاً في ردهات المؤتمر.