كشف وزير الصحة الاتحادي في جلسة المجلس الوطني يوم 31 مايو 2011 أن 55% من الأدوية أسعارها أعلى من السعر الحقيقي، وأسباب ارتفاع أسعار الأدوية هي: ارتفاع الرسوم الجمركية ونسبتها 23% ، وارتفاع سعر الصرف مقابل الجنيه السوداني وضعف الرقابة لقلة إمكانات وزارة الصحة. وطالب النواب بإعادة النظر في الرسوم والعوائد الجمركية بتخفيضها للحد الأدنى أو إعفائها.. إلى آخر «راجع: ساره تاج السر-جريدة الصحافة العدد 6418»، فهل تملك الحكومة أو المجلس الوطني الحق في إعفاء الأدوية من الرسوم والعوائد الجمركية؟ ونذكر عندما تم رفع القيمة المضافة على السلع إلى 15% عن طريق أعضاء المجلس الوطني المعين، لم يقصر الأعضاء في معارضه الإجراء وبيان آثاره على مستوى المعيشة «قبل التصويت»، فالحقيقة أن توصيات وشروط المقرضين غير قابلة للتعديل. وفي مارس 2011 تم اتفاق بين نقابة الأطباء «الرسمية» في جمهورية مصر العربية ووزير الصحة، قد يطبق في يوليو 2011 تضمن: رفع أجور الأطباء لتكون ما بين 1200-1500 جنيه مصري. دمج الحوافز في المرتبات الأساسية. ساعات العمل القانونية خمس وثلاثون ساعة في الأسبوع. تأييد مطلب النقابة بزيادة ميزانية الصحة إلى 7% في الميزانية العامة للدولة طبقاً للمعايير الدولية. زيادات في بعض البدلات. وعمال مصر يطالبون بحد أدنى للأجور ألف ومئتي جنيه مصري، وفي أبريل 2011 أضرب أطباء سيناء عن العمل وعن الطعام احتجاجاً على الظروف السيئة التي يعيشون فيها. وتزامن مع إضراب الأطباء مذكرة «أطباء بلا حقوق»، المطالبة بإقالة وزير الصحة ومطالب المذكرة: - تحسين شروط الخدمة. - رفع الحد الأدنى لأجور الأطباء. - علاج الأطباء وأسرهم. - حماية الطبيب والكوادر الطبية. وشهد شهر مايو 2011 إضرابات أطباء الحكومة والقطاع العام في دول: الأردن، الجزائر، السودان والمغرب. وقمعت الشرطة في المغرب مظاهرة الأطباء بعنف شديد. فما هي أسباب تلك الإضرابات؟.. وما هي علاقة المؤسسات الدولية المالية والنقدية بالإضرابات؟ وهل تستطيع حكومات الدول العربية الاستجابة بالكامل لمطالب الأطباء رغم اعترافها بعدالتها؟ في الأردن، وتحت قيادة النقابة أضرب أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة طبيب والأسباب هي: 1. تحسين شروط الخدمة. 2. رفع الأجور «متوسط مرتبات الأطباء ألف وخمسمائة دولار شهرياً». 3. معالجة النقص في التخصصات. ودعم خمسة وسبعون نائباً مذكرة الأطباء، واعترفت وزارة الصحة بعدالة المطالب.. وأعلنت أنها ستقوم بالاستعانة بأطباء القطاع الخاص «أربعة آلاف طبيب»، ليحلوا محل ألاطباء المضربين. وحاله الأطباء في الجزائر مماثلة لحالات آخرين، فقد ظلوا يواصلون الإضرابات منذ إضراب مارس 2008 وحتى الإضراب المفتوح عن العمل في مايو 2011 تحت قيادة نقابة الأطباء.. وأسباب الإضرابات: - تحسين شروط الخدمة. - زيادة المرتبات والأجور أسوة بالعاملين في القطاع الصحي في المغرب وتونس «ومعلوم أن مخصصات أعضاء البرلمان في الجزائر تمت زيادتها عند مقارنتها بمخصصات البرلمانيين في تونس والمغرب». ومرتب الطبيب حديث التخرج في الجزائر ستمائة دولار شهرياً، ومرتب الطبيب العمومي ألف ومائة دولار في الشهر. وواجهت وزارة الصحة الجزائرية مطالب الأطباء بالتهديد بالفصل والخصم من الراتب، مع الوعد بزيادة الأجور وتحسين شروط الخدمة. أما دولة المغرب فقد شهدت إضراب وتظاهرة ثمانية آلاف طبيب تحت قيادة نقابة الأطباء والمطالب هي: 1. الإصلاحات في مجال الصحة. 2. الضمان الاجتماعي. 3. زيادة الأجور «متوسط أجر الطبيب ثلاثمائة يورو». 4. إعادة تقييم الشهادات العلمية. إضرابات الأطباء في السودان ظلت متواصلة ثم منتظمة منذ مارس 2010 وحتى إضراب مايو 2011، ومطالب أطباء السودان هي: 1. تحسين شروط الخدمة. 2. رفع الأجور «مستوى الأجور الحالي: الطبيب العمومي 600 ج.س والنائب 810 ج.س» 3. علاج الأطباء وأفراد أسرهم. 4. الوفاء بالاتفاقيات الموقعه. والاتفاقيات هي: - الاتفاق مع لجنة النواب فبراير 2010م. - اتفاق لجنة الجهود الخيرة مارس 2010م. - التزام اتحاد نقابات العمال مارس 2010م. وفي السودان يتم أيضاً الاعتراف بعدالة مطالب الأطباء، وتواجه إضراباتهم بالعنف المتنوع ومنه: الفصل، النقل التعسفي، الخصم من المرتب. والسودان الدولة العربية الوحيدة التي لا توجد بها نقابة للأطباء. إن كل الدول التي أضرب أطباؤها هي من الدول المدينة تحت قبضة المؤسسات الدولية المالية والنقدية والتي يفرض عليها ما يسمى الوفاء بمتطلبات القروض، أي الشروط وهي كثيرة وتفصيلية ووصلت أحياناً إلى التوصيات للحكومات باستهلاك شعوبها للسكر الأحمر بدلاً من الأبيض (!).. والحكومات تركز جهودها على تلبية شروط القروض بأكثر من تركيزها على تحسين مستوى معيشة شعوبها.. والتنفيذ المستمر لشروط المقرضين هو سبيلها الوحيد لاستمرار الحصول على التمويل «فيكون رفض القروض لشبهة الربا هو الحياة في عالم آخر..!!» ومعروف أن السودان بعد إعادة هيكلة ديونه عن طريق نادي باريس 18/3/1982-20 مايو 1984 بدأت أولى خطوات تقوية ارتباطه بالرأسمالية الدولية.. وبلغت ديون السودان الخارجية 9.7 مليار دولار في 1991م، والآن هي ما بين 36 و40 مليار دولار.. فكم يبلغ نصيب الفرد؟ وقد اعترف السيد هورست كوهلر، العضو المنتدب لصندوق النقد الدولي، بالمشاكل التي تواجه الدول النامية من الشروط الكثيرة والمفصلة على القروض المقدمة من الصندوق، والتي لا تقدم للحكومات كثيراً من الخيارات عند تصميم سياسات الإصلاح، بل إن هذه الشروط في حقيقتها هي هجوم على السيادة الوطنية.. ويستحيل على تلك الدول تلبية الشروط، وفي نفس الوقت تفشل في تحسين مستوى حياة شعوبها «وضع لدولة تنزانيا مائة وخمسون شرطاً، ولثلاث عشرة دولة أفريقية جنوب الصحراء، مائة وأربعة عشر شرطاً لكل». وعلاقة المؤسسات الدولية المالية والنقدية بإضرابات الأطباء تتضح من بين ما ذكرت، ومن الحقائق التالية: 1- المؤسسات الدولية المالية والنقدية تفرض على البلدان النامية حل مشكلة العجز في ميزان المدفوعات باتباع إجراءات يطلق عليها تصحيحية لاقتصادياتها.. وهذه الإجراءات هي الشروط الأساسية واجبة التنفيذ لحصول الدولة على قروض أو تمويل جديد. 2- من أهم الشروط: - إجراءات إلغاء الدعم على أسعار السلع الأساسية والضرورية «الأدوية، الدقيق، السكر، المواد البترولية، مياه الشرب»، وتحرير الأسعار، فالدول النامية التي تصدر البترول عليها أن تلتزم على الأقل بالأسعار العالمية في الجزء الذي تستهلكه!! - إجراءات الضغط على الميزانية العامة أو الضغط على المصروفات، ونتيجة ذلك: تجميد التوظيف والتوقف عن تعيين الخريجين «توجد آلاف الوظائف الشاغرة في قطاع الصحة في السودان». 3- قطاع الصحة من أكثر القطاعات تأثراً بسياسات التحرير، ومن ذلك: - نقص الميزانيات المخصصة. - تجميد الأجور. - النقص في التجهيزات الطبية والأدوية. - التراجع في التغطية الصحية الوقائية والعلاجية. 4- إن أهم توصيات أو شروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي هي تجميد المرتبات وعدم ربط الأجور بالأسعار وإلغاء الحد الأدنى للأجور، لذلك فإن مطالب الأطباء في السودان والأردن والجزائر والمغرب ومصر وخلافها من الدول بشأن الأجور وتحسين شروط الخدمة، يتم التباطؤ في إنفاذها رغم اعترافات الحكومات بعدالتها «المغالطات من أنواع التباطؤ المطلوب».. والمرتبات والأجور ظلت مجمدة في السودان منذ 2006م، والحد الأدنى للأجور لم يعدل في مصر لأكثر من عشرين سنة. إن خصخصة قطاع الخدمات بصفة عامة يؤدي إلى ازدياد الفوارق الاجتماعية، حيث تتضرر فئات واسعة. وهي الفئات ذات الدخل الضعيف والمتوسط سواء في الريف أو المدينة. في حين تستفيد الفئات ذات الثراء من العيادات الطبية الخاصة «نلاحظ أن معظم الاختصاصيين اكتفوا بالعمل عن طريق العقودات مع الشركات الخاصة والمراكز الطبية الخاصة». والضغط على الأجور وضعف القوة الشرائية يزيد حدة الفقر.. وفي محاولة لاحتواء التضخم تحض برامج التكييف الهيكلي على الحد من زيادة الأجور.. وتزداد المشكلة تفاقماً بالقرار المدروس المتمثل في إبقاء الأجور منخفضة بقصد جلب الاستثمار الأجنبي المباشر. وحسب منظمة العمل الدولية فإن الأجور الحقيقية في معظم البلدان الأفريقية قد هبطت بنسب حتى 60% منذ أوائل الثمانينيات «1998». وكتب الخبير المستقل «فانتو شيرو» في تقريره للجنة حقوق الإنسان التابعة للمجلس الاقتصادي الاجتماعي للأمم المتحدة «الدورة الخامسة والخمسون»: «لما كان ولابد للبلدان المدينة من خدمة ديونها قصد الحصول على المزيد من المساعدات الدولية، فإن العديد من هذه البلدان مجبر على تحويل جزء كبير من موارده عن الاستثمار في القطاع المنتج وفي القطاع الاجتماعي.. والتخفيضات التي أوجدها التكييف الهيكلي قد كانت عشوائية، الأمر الذي أثر على الخدمات الأساسية التي هي ضرورية للتنمية الطويلة الأجل ولأعمال حقوق المواطنين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية». وفشل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في حماية ميزانيات الصحة والتغذية والتعليم من الضغط المالي العام لدى تصميم برامج التكيف الهيكلي، خطأ فادح في مجال السياسات العامة.. وللتخفيضات الشديدة آثار على الرفاه الاجتماعي، وتؤثر بدورها على الإنتاج الاقتصادي للموارد البشرية وتخلق استياء من الحكومة لدى المواطنين المتأثرين..» فإضرابات الأطباء لا تحتاج لمحرضين من السياسيين المعارضين للحكومات. والحكومات راغبة في تحسين شروط الخدمة ولكنها عاجزة بفعل شروط المؤسسات الدولية المالية والنقدية، التي تدعي أنها تساعد الدول النامية في حل أزماتها وهي في الحقيقة تعمل على إيجاد الحلول لأزمة الرأسمال الدولي والشركات متعددة الجنسيات.. ولذلك أصبحت حكومات كثيرة تتم محاسبتها أكثر فأكثر لدى الدائنين الخارجيين «صندوق النقد الدولي والبنك الدولي»، أكثر من محاسبة مواطنيها.. وحق المواطنين في المشاركة بفعالية في تأطير سياسة التنمية الوطنية يتقلص بشكل خطير.ولأن النخب الحاكمة تدرك الحقيقة، فإنها لا تضيع أي وقت يؤجل ثراءها بأداة جهاز الدولة!! «10% من العاملين بالحكومة في السودان يستأثرون ب90% من ميزانية الفصل الأول، و90% يعتصمون ويضربون عن العمل في نسبة ال10%»!!