مصطلح ( الجنوبيون الجدد ) طرحناه قبل عرمان ، وأرشيف موقع ( سودانيزأنلاين دوت كوم ) يشهد ، فهنالك كتبت ( نحن الجنوبيون الجدد )، وكنت أعني الولاياتالجنوبية الخمس وهي : النيل الأزرق وسنار والنيل الأبيض وجنوب كردفان وجنوب دارفور . واذكر يومها قالت لي زوجتي : وه يومية كم !؟ الجنوب الجديد ، له قضية ، ولكل جنوب قضية كما هو معلوم ، في كل العالم ، سبحان الله !. ولكن قضيته هذه المرة تختلف عن الجنوب المنفصل ، فالأخير كان منفصلاً أصلاً : تاريخياً ونفسياً واثنياً واجتماعياً وثقافياً ، لذلك كانت مطالبته بالاستقلال السياسي منطقية . ولو لا أنني أخشى من تهمتي بالادعاء والمبالغة ، لكشفت أيضا أنني سبقت الطيب مصطفى نحو الدعوة لفصل الجنوب القديم، وهو مطلب اشد صرامة من منح الجنوبيين حق تقرير المصير ، وقد كان ذلك خلال اجابتي عن أسئلة ورقة امتحان التخرج في مادة العلوم السياسية عام 1985م . زملائي ( العواجيز الآن ) يشهدون أن د. ابراهيم نصرالدين غضب من توجهاتي الراديكالية ، ومنحني صفراً مقابل الاجابة التي استفضت فيها معدداً المسوغات المذكورة اعلاه . مع ان سؤاله كان معناه ( ما رأيك في مشكلة الجنوب ؟ ). مهما يكن فان جنوبنا الجديد ، تعرض في معظمه - للتصاهر مع القبائل العربية ، بل ان كثافة القبائل العربية البادية على خط التماس بين ( الجنوبين قديمه وجديده ) يعد ظاهرة تفحص!. كما ان الاسلام قد شكل وجدانه وثقافته ويسّر ذلك التصاهر والتعايش . والشعوب الأقل تمدناً إنما تتواضع وتتعايش فقط حال توفر التناغم الثقافي ( الهوية المشتركة ) وإلا فانها تتنازع لأبسط المثيرات. لذا أحسب أن نظرية صاموئيل هنتينغتون (صراع الحضارات ) صحيحة . اذاً فمشكلة الجنوب الجديد ، لا ترتبط بالاحساس الذاهب الى المفارقة الحضارية الشاملة ، وانما هي قضية تنمية شاملة وشراكة حقيقية وعادلة في السلطة . قضية : وه يومية كم فعلاً؟. هذه الخطوة التنمية الشاملة - لابد ان تكون على حساب مناطق أخرى .. لماذا ؟ ( ياخ أنا بحب لماذا دي بشكل ! ) دعوني أقل فوراً إن نيفاشا لم تحل مشكلة قسمة الثروة على نحو عادل ، لأن معيارعدد السكان غير منصف ، ومن شأنه أن يثبت الخلل أوالفجوة ( التاريخية ) غير المبررة بين مستوى التنمية ( الشاملة ) في مناطق دون أخرى ، كما ان الإهمال الشديد أو ما يعرف بالتهميش المزمن، أدى إلى النزوح من مناطق كثيرة نحو العاصمة وغيرها ، فبات عدد السكان ضئيلاً في بعض ولايات الهامش ، ما أدى إلى ضعف نصيب تلك المناطق من الدخل القومي . ولحسن فهم ما أقول فان السؤال البسيط : كم يبلغ متوسط دخل الفرد في البلاد ككل، وكم يبلغ متوسط دخله في ولاية نهر النيل مثلاً ، ودخله في النيل الأزرق ؟ ، هذا السؤال سيظهر المشكلة . ولتحقيق العدالة الجذرية في توزيع الدخل القومي ، فانه يتعين ما يلي : أولاً : أن تعتبر المنح والدخول التي تحصل عليها الدولة من الخارج وكذلك كل دخل طارئ وغير مرصود في الموازنة المصدقة سلفاً من البرلمان، تعتبر جميعاً جزءاً من صندوق الدخل الكلي القابل للتوزيع القومي ، دون ان تعتبر مؤسسة الرئاسة أو وزارة المالية أو أية جهة حكومية أن ذلك لا شأن له بما يجب توزيعه بالعدل. (الموضوع دا حاصل !). ثانياً : ألا يكون لرئاسة الجمهورية أو وزارة المالية الحق في التبرع لهذه الجهة أو تلك ، بشكل استثنائي، خلافاً لما فوضوا له وأجيز في البرلمان عبر الموازنة العامة(الموضوع دا حاصل برضو ويسبب هدر كبير جراء التقدير الشخصي والعاطفي احياناً). ثالثاً : وهذا هو الجديد ، أن يتم الاتفاق على منطقة من مناطق السودان الأوفر حظاً من حيث مثالية التنمية الشاملة ،التي تتضمن ( خدمات الطرق والكهرباء والمياه والاتصالات والمعلومات ، شبكة تصريف المياه ، الأمن ، خدمات البلدية ، فرص العمل في القطاعين ، موارد المحلية الخاصة ، مؤسسات التعليم والصحة ووسائل الترفيه والبيئة ووسائل النقل ) ننظر الى اكثر مناطق الأقاليم حظاً في هذه الجوانب كافة ، ونعتبرها أنموذجاً ، تقاس عليه بقية مناطق الهامش ، ولنعتبر - لضرورة القياس فقط - ان التنمية في تلك المنطقة تساوي 100% ، ثم نقيس مناطق السودان الأخرى خاصة الجنوب الجديد - الى مستوى المنطقة الأنموذج، عنصراً عنصرا، فنتعرف أخيراً الى النسبة العامة للتنمية فيها وفي كل منطقة مهمشة بالطريقة ذاتها، فتعطى الأولوية التنموية بموجب ذلك ، الأقل فالأفضل فالأفضل، حتى داخل الولاية ذاتها، وصولاً الى مستوى المثال المذكور، وهذا سيقتضي إعداد ترتيب جدول اسميه من جانبي(جدول تصحيح الخلل التنموي) ثم تعمد الحكومة(بقرار ) الى عدم السماح بزيادة مستوى التنمية في المناطق القريبة من المثال ، وتوجه ميزانية الدولة الخاصة ببند التنمية وكذلك الدخل الطارئ ، نحو تمويل خطة تصحيح الخلل التنموي ، وهذا سيفضي حتماً الي وقف تمويل التنمية في المنطقة الأنموذج ومثيلاتها وما هي اقرب اليها مستوى ، وسنبدأ بتنمية أكثر المناطق بعداً عن المثال فنرفع مستواها ، ليس الى درجة المثال دفعة واحدة طبعاً، لأن هذا مسرى خلل آخر، ولكن نرفعه الى حد معقول يمكن تعيينه حسب الاولويات الملحة لمواطني تلك المناطق (مثلاً الماء والصحة والطرق والتعليم الداخلي المجاني اولاً) وهكذا كالذي يساوي الأرض، اذ لابد ان يأخذ من العالي ليطرحه فوق المنخفض ثم يعود، وهكذا تتحقق العدالة للجميع، فيتوقف العمل بهذا البرنامج.