- بالصدق كله أقول إنني لا أقرأ كثيراً ما يكتبه بعض الإسلاميين في نقد كسب الحركة الإسلامية السودانية وخيباتها وانكساراتها ونقاط ضعفها بعد وصولها للسلطة !! .. لا أجد تفسيراً موضوعياً لهذا النفور من القراءة ومتابعة ما يكتبه أمثال هؤلاء لكنني أحس بكثافة غضبهم وتنامي المواقف الشخصية في ثنايا النقد والذي يتحول في غالبه الى تجريح وهدم لا يستند الى ساقين الأمر الذي يفقده الصدق والموضوعية وينزع عنه لباس الدعوة الصادقة للاصلاح وتقويم المسيرة لا قصد هدمها ونسفها بالكامل !! -وما يغفله الكثيرون من أمثال هؤلاء أو يتناسونه أن مسيرة الإسلام في السودان لم تبدأ أو تنطلق بالحركة الإسلامية السودانية ولن تنتهي بها قطعاً !! .. فالحركة الإسلامية ليست إلا تجمعًا من الناس قدم تجربة نوعية في مسيرة الدعوة الإسلامية في السودان اتخذت قوالب مختلفة ومتعددة ومتنوعة وجدت قبولاً ورضى من الله أولاً فكتب لها البركة والقبول في حياة الناس وحركة التاريخ المعاصر فكان لها ما كان من التأثير داخل السودان وخارجه .. وهذه الحركة والقبول والتحرك والامتداد كله لم يعد كسباً للإسلاميين وحدهم .. بل تحول اليوم الى حركة مجتمع يتحرك به آخرون في ميادين شتى تبدأ من المساجد ولا تنتهي بعدد كبير من جوانب الحياة الأخرى !! - ولعل أكثر الذين يسكبون الدمع على ماضي الحركة وتأريخها القريب والبعيد ينسون حقيقة أن الحركة بكل هياكلها وتجاربها ليست إلا وسيلة للوصول الى هدف وغاية .. وعليه ليس غريباً ولا عجيباً ولا مبكياً أو مثيراً للقلق والخوف والجزع أن تتبدل الوسيلة ويتم التحول الى أخرى إذا لم تعد وسيلة فعّالة ومرنة وكافية بمطلوبات التحرك نحو الغاية المرجوة وفي هذا الإطار ينسى هؤلاء أن الحركة الإسلامية السودانية اختارت التخلص من جلد الأسماء واللافتات في أكثر من محطة من محطات سيرها التي حققت فيها الكثير من النجاح والكثير من الفشل أيضًا .. والأمثلة في هذا الصدد أكثر من أن تحصى وتعد وليس آخرها التصريح المعلن وغير المعلن للدكتور الترابي وتكراره رغبته في البحث عن بديل للافتة المؤتمر الشعبي التي لم تعد كما يقول دائمًا فاعلة ومحققة لما يرجوه من مد إسلامي وسياسي قبل مغادرته الدنيا !! - قلت أول أمس لعدد من إخواني الإسلاميين القدامى بولاية النيل الأبيض إن مآتم البكاء التي يقيمونها على ماضي الحركة الإسلامية وشتمهم لواقعها اليوم وكثرة التقليل من شأن ما أرسته في حياة وواقع السودانيين عامة وما قدمته لحركة الإسلام في عالمنا العربي والاسلامي , هذا النقد والرجم الشديد واللعن المتصل لا يستند الى واقع ولا يقدر التأثير الهائل الذي أحدثته الحركة بعيداً عن المواقف الشخصية والبكاء العاطفي بصدق أو غرض !!.. ومما تداولناه أن النقد الذي ننشده ونتمناه يجب أن يتجه للبناء وتقديم رؤى وأفكار من أجل المستقبل والتسليم بحقيقة أن الحركة الإسلامية ليست غاية في ذاتها وإنما هي وسيلة لعبادة الله تعالى .. - هذه كلها مقدمة لازمة وضرورية لمراجعات في حديث ومقال الأخ نادر السيوفي بصحيفة الصحافة عدد الأحد 19يونيو 2011 بعنوان (الحركة الإسلامية .. بئر معطلة .. وقصر مشيد) .. وجدت أنه ليس من الفائدة في شيء استعراض الأسباب التي دفعت الأخ نادر السيوفي للهجرة الى خارج البلاد .. وأقول صادقا إنني فشلت في الحصول على الدوافع التي اضطرت الأخ نادر للهجرة الى بريطانيا بغرض الدراسة والعمل .. ونادر وأمثاله من إخواننا وأحبابنا مثل الغيث أينما وقع نفع .. وما أتمناه من كل قلبي ألا تؤثر أي عوارض من عوارض الزمان وتقلباته على الرؤية الموضوعية والعقلانية التي يتحلى بها الأخ السيوفي خلال الفترة التي عرفته وعايشته .. وآمل ألا يقع الأخ السيوفي في الدائرة التي ابتلعت الكثيرين من إخواننا من (النخب) والأكاديميين الذين غادروا السودان لأسباب تتعلق بعدم قدرتهم على التكيف مع شظف العيش والحياة بالداخل .. وظن بعض منهم أن تميزهم بالدرجات العلمية الرفيعة يجب أن يحقق ويوفر لهم مكانًا خاصاً داخل صف القيادة والريادة ولما فقدوا هذا طفقوا يرجمون الحركة التي أدبتهم وأحسنت تأديبهم ووضعتهم في المكان الذي يجلسون عليه !! - ملخص ما انتهى إليه الأخ نادر السيوفي في مقاله الذي أشرت إليه يتلخص في فقدان الحيوية التي تميزت بها الحركة الإسلامية طوال تاريخها قبل المفاصلة، وأن الحركة الإسلامية قد تراجعت في كسبها في قطاعات نوعية مثل الشباب والطلاب, وقال إن المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية التي أنشأتها الحركة الإسلامية من قبل قد تضعضت وضعفت وقصرت عن الوصول للنموذج الإسلامي المطلوب .. وتساءل نادر في حسرة : أين ذهبت كل النجاحات والألق الذي ارتبط بتاريخ الحركة الإسلامية وكيف انقلبت الصورة راساً على عقب لتتحول الصورة الذهنية الى ارتباط وثيق في أذهان الناس بالتكاثر في الأموال والعقارات والنساء والفساد ؟!! - لم يكتف السيوفي بهذا وحسب بل ذهب للمقارنة بين واقع الحركة الإسلامية السودانية وأخواتها في عدد من الدول الإسلامية والعربية مثل تركيا وتونس والمغرب ومصر موضحاً أن الإسلاميين في هذه البلدان يحققون الآن نجاحًا تلو نجاح بينما أخوان السودان يواجهون فشل الدولة والنموذج الذي كان حلماً منتظراً وقدوة اصطدمت بتطبيق معيب وفشل ذريع !! - سنعود بالتعقيب على ما خطه قلم الأخ نادر في مقال مطول خارج هذه المساحة ونأمل أن يكون ما سنقوله مساهمة متواضعة في ميدان النقد الذاتي الموجب في حاضر ومستقبل الحركة الإسلامية السودانية والتي ستبقى لوقت طويل مؤثرة وفاعلة داخل السودان وخارجه.