نادر السيوفي.. شاب وضئ الوجه.. بهي الطلعة.. مشرق الوجه.. لا تفارق الابتسامة وجهه.. أينما تلتقيه يصافحك بابتسامة صادقة تنبع من دواخله وأعماقه الندية ونفسه المطمئنة.. نادر من الذين تخرجوا في مدرسة الحركة الاسلامية الطلابية.. يذكره الذين عايشوه وعاشروه في حقل العمل الطلابي والتنظيمي داخل وخارج السودان.. لا ادعي معرفة طويلة به.. لكنني ألفته وأحببته بعد مفاصلة الإسلاميين الشهيرة، والتقينا داخل حلقات واجتماعات ولقاءات حزب المؤتمر الشعبي.. ولن أنسى يوم استشرته في الأفكار العامة للمذكرة التي تقدمنا بها للامين العام للمؤتمر الشعبي الشيخ الدكتور حسن الترابي، حيث قدمنا رؤية بغرض الاصلاح وضرورة قيادة حوار صادق وأمين مع اخواننا في المؤتمر الوطني، للخروج من دائرة التجاذب التي ستدخل فيها البلاد، وقد تؤدي الى مالا يحمد عقباه، خاصة بعد محاولة الانقلاب العسكري المشهورة.. وقدمت للأخ نادر نص المذكرة التي وقع عليها يومها نفر من الأخوة الأعزاء حاج ماجد سوار, دكتور عبيد الله محمد عبيد الله, الأخت مني محمد عبد الله.. ووافق على مضمونها آخرون لكنهم فضلوا عدم التوقيع حتى لا يساء فهمهم ويتم تصنيفهم في خانة الخائنين والعملاء .. مرت الأيام.. وجرت مياه كثيرة تحت الجسر.. حدثت تحولات وتبدلات كثيرة.. دارت الأيام والتقيت بعد أشهر مع الأخ نادر وأدرنا حواراً عميقاً وصادقاً حول مجمل مايدور في ساحة الإسلاميين واتفقنا على ضرورة الانتقال الي مربع إيجابي بعيداً عن الدوران في حلقة المرارات التي لا تنفع ولا تضر.. ومن جملة ما اتفقنا عليه مع الأخ نادر أن الحركة الإسلامية السودانية لن تعود الى سابق عهدها.. وأن البناء الذي شيدته والتجربة التي أرستها في الحكم والحياة لم تعد ملكاً لها، وإن إدعت ذلك.. ومما تفاكرنا فيه أن الحركة الاسلامية قدمت ما استطاعت في مسيرة الحياة والوطن، وليس غريباً ولا عجيباً أن يأتي قوم آخرون يواصلون ماتقوم به ويبنون على كسبها، وإن اختلفت الوسائل والمناهج وآليات التنفيذ وشخوصها.. في تلك الجلسة علمت من الأخ نادر أنه تقدم لوظيفة قيادية تتبع لإحدى الهيئات التابعة لمجلس الوزراء.. وعلمت لاحقاً أن الاخ نادر تم اختياره لتلك الوظيفة لمؤهلاته وشهاداته الرفيعة وخبراته، فضلاً عن كسبه وخلقه وتدينه.. جئت بعد أيام بهاتف من الأخ نادر يخبرني أن أمر تعيينه اصطدم بعدة عقبات داخل المجلس.. وأن شخصية نافذة ومؤثرة في الدولة ترفض تعيينه بصورة نهائية، لأنه(مؤتمر شعبي).. تركت ماذكره لي الأخ نادر جانباً وأدرت مفتاح عربتي وذهبت مباشرة الى الشخصية النافذة في مكتبها، وقدمت بين يديه مشكلة نادر السيوفي.. أقسم الرجل أنه لا علم له بكل هذه العقبات وقال لي بالحرف الواحد إنه شخصياً أمضى أمر تعيين نادر، وقدم بين يدي اختياره حزمة من الدفوعات والمبررات، التي تشفع لنادر، ويكفي أنه أحد الذين قدمتهم حركة الاسلام في السودان.. وذكر لي بالحرف الواحد أن الوظائف داخل الحكومة صارت ممكنة ومتاحة للشيوعيين والعلمانيين، فلماذا لا تتاح لأولاد الحركة الإسلامية من أمثال نادر السيوفي الذي انتمى بصدق وبذات الصدق والصراحة، قدم رأيه الجهير وملاحظاته في كل مايدور داخل حزب المؤتمر الشعبي. عدت لنادر مهاتفاً وناقلاً له ماسمعته من محدثي.. والشهادة لله أن نادراً لم يكن متلهفاً للوظيفة، ولا حريصاً عليها بقدر حرصه على معرفة الأسباب الحقيقية لرفض تعيينه، وقد حصل علي شهادات تؤهله للوظيفة عن جدارة واستحقاق.. ولم يكن نادر متعجلاً للتوظيف، فقد كنت أقرأ في عينيه بريق الواثق من أقدار الله في الرزق وتدبير الحياة.. ولمحت في وجهه ثقة الرجل في ذاته وقدراته، فأمثاله لا يبكون على وظيفة ولا يذرفون الدموع على حظ عاثر وتجربة فشلت أو نجحت.. فهم على كف الأقدار يمشون عينهم على ثقة بالله وقلوبهم معلقة بالرجاء منه وحسن الظن .. لقد فعلت الأيام فعلتها بالإسلاميين، ومن ذلك أنها شغلتهم بأمر المعاش والمعاد.. والحال كذلك مع كل الناس.. فسرعة ايقاع الحياة ومشاغلها قد تنسيك أمر شخص عزيز في زحمة الأيام والحياة.. لا تذكره إلا عندما تطل أمام عينيك حادثة تذكرك بهذا العزيز أو ذاك.. بقدر سعادتي بمطالعة مقال الأخ نادر السيوفي الذي كتبه لجريدة الصحافة في عددها الصادر يوم الأحد 18 يونيو 20011.. بقدر هذه السعادة التي عشتها.. بقدر ما حزنت لأنني وجدت توقيع نادر السيوفي وقد كتب من مدينة مانشستر.. نعم مانشستر.. سأبحث غداً عن الأسباب التي قادت نادر السيوفي الى الهجرة.. لكنني سأركز على بكائه على الحركة الإسلامية السودانية والتي نعتها بالفاشلة، ومما قاله إنها لم تعد مثالاً يحتذي وقد سبقتها أخوات لها في مصر وتونس وتركيا !! غداً نراجع معاً ما قاله نادر وهو مثال لأبناء الحركة الإسلامية الذين يبكون متلاومين وباحثين عن الذي سرق المصحف.. كلهم يفعلون ذلك ولايدرون أن أمر الله ماض.. وعد لا يتخلف وسنة لا تتأجل!!