المجتمع السوداني مجتمع متفاوت الايقاعات، مختلف الألوان والأشكال والاصول، متداخل المسارات ومتقاطع... تجد فيه كل غريب ونادر.. وكل ثمين ونفيس... وأيضاً تجد فيه الصالح والطالح.. ولكنه يتفق في أنه أكثر المجتمعات تواصلاً وتقارباً وحميمية، وأقواها صلات، وأمتنها في علاقاته الاجتماعية، وصلة الرحم من أكثر ملامحه جمالاً وأصالة.. والواجب الاجتماعي كأنه دين على رقبتك، لابد أن تنجزه قبل فوات الأوان، قبل حدوث الملامة..(اللوم من الكراع ببقي في الوش).. فتحاول أن (تكسر رقبتك) حتى توفي به.. وما يلفت النظر لأي كان... الاكتظاظ المبالغ فيه أمام المستشفيات، وتوسد الأرض القاسية، والحجارة الصلبة في انتظار مريض ما، أو ربما انتظار (عزرائيل)، تجد النساء والرجال المسنين والأطفال، جميعهم يفترشون الأرض والمساطب يفرغون (العواميد) الممتلئة بالأكل.. ليتجاذبوا أطراف الحديث على الرصيف.. والملاءات المتسخة المفروشة على التراب، وأطفال ينامون، وآخرون يلعبون، وبعضهم (يرضع)... وأمهاتهم مشغولات بالحديث... وإفشاء الأسرار والنميمة... وفضح المستورين والمستورات. وقد كنت في حديث مع صديق (اعتز بالفكرة) أن قريبه أمر بإلصاق مكتوب بأمر الطبيب بعدم الزيارة.. وذلك لأنه أصبح أكثر عرضة للمرض نتيجة للازعاج المبالغ فيه، خاصة من النساء.. وحديثهن غير المفضي الى فكرة أومعنى.. وأنه أصبح في حالة من القلق نتيجة للحديث المتواصل عن الزواج، والطلاق، والمرض، والموت وخلافه... فكان له ما أراد... وربما هذا الفعل سوف يجد التذمر من كثيرين.. رغم أن فيه راحة لهم.. من المشاوير والمصاريف.. واستغرب كثيراً على مجتمع مثل مجتمعنا أن تفترش النساء الأرض ونصف أجسادهن على الطريق.. وبعضهن (ثيابهم نصها في الأرض) والنصف الآخر على الكتف... وأخرى ترضع طفلها وهي مشغولة في حديث مع أحد أقربائها في حالة من الانسجام غير مبالية هي .. ولا هو.. التواصل والتقارب.. والتحابب وصلة الرحم، أساس المجتمع السليم.. ولكن يجب أن تكون حسب الأصول... ويجب أن تراعي فيها كل الأطراف.. حتى صحة الانسان.. هي في المقام الأول.. لأنه بحكم الدين لا يجب أن يكون الواجب على حساب الصحة..