تمر الأمم والشعوب في مسيرتها عبر التاريخ بمواقيت فاصلة ولحظات عصيبة تشكل نقاط تحوِّل جذرية، تجعلها كالأنهار التي ترواغ العوائق وشراهة القفار حتى تستمر وتبقى عبر الدهور، ومن يدري، فقد تكون نقاط التحول تلك نعمة مخبأة في الأزل من أجل حياة أفضل وأمان أوسع وأكثر واقعية. وشعبنا موعود خلال اثنين وسبعين ساعة بذلك اليوم الفارق وتلك اللحظات الدقيقة حيث سيكون السودان سودانين مستقلين، وسيكون الدينكا والشلك والنوير وكل قبائل الإستوائية شعوباً مجاورة لا تجمعنا بها إلا آصرة الصداقة والذكريات التي من بينها مرارات وإحن، بجانب جميل التجارب والتشارك وقسمة العمل والأمل. مكابر من ظن أن 9/7/2011م يوماً عادياً كسائر أيام الله في سودان اليوم، وكاذب من قال إن الانفصال كان تسريحاً بإحسان، فلقد شاب الأمر غدر ودسيسة وخداع وتدليس، ولكننا رضينا بأصول اللعبة ورضينا بالتحكيم وشروط نيفاشا فلا أقل من أن نرضى بالنتيجة رغم التلاعب بتلك الأصول وبذمة التحكيم وآلياته. ما شاء الله كان.. وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم.. فمن يدري؟! ربما كنا توأماً سيامياً «سياسياً» ولزم الفصل لكي يعيش كل واحد حياة حرة طبيعية وصحية فينمو بصورة أقوم، دون إنكار القربى أو قطيعة الرحم. اليوم والأيام التالية تخرج صحيفتكم (آخر لحظة) إلى الشارع لترصد آخر لحظات الجمهورية الأولى، جمهورية السودان ذي المليون ميل.. وسنرى كيف تأفل شمس السودان الموروث وكيف تشرق شمس الوريث الجديد وكله أمل. نظرة متسائلة! طرحنا عدة استفهامات للمواطنين شمال وجنوب حول مشاعرهم وتوقعاتهم إزاء الأوضاع بعد هذا الانقسام، وخرجنا بالإفادات التالية: - المواطن المهندس فتح الرحمن إبراهيم الذي توقع أن الانفصال سيؤثر على أمن البلاد من الناحية الاقتصادية والأمنية، وأرجع ذلك لأن النفط ومحاولة الجنوب لفتح خطوط مع يوغندا سيكلف السودان كثيراً، وستكون هناك تفلتات أمنية مما يؤدي لتدخل الأممالمتحدة في البلاد، واعتقد فتح الرحمن أن الحكومة اهتمت بقطاع النفط وتجاهلت الزراعة مما سيؤثر على البلاد اقتصادياً. وتحدث الدكتور محمد الحسن قائلاً: إن الانفصال سيؤدي لحروبات ومشاكل وانقلابات بين أبناء الجنوب فيما بينهم، وذلك عند عدم الاستجابة لمطالبهم، وقد افترض أن تكون هناك ديمقراطية بما أن الدولة انقسمت إلى جزئين مما يؤدي لحدوث فجوات اقتصادية، خاصة وأن البترول والزراعة هما المستهدفان في الانقسام مما يؤدي لحدوث غلاء في الأسعار ونقص في الاقتصاد. - المواطن إبراهيم عمر تحدث عن توقعات بوقوع حروب في الولايات القريبة من الجنوب، خاصة في مناطق البترول، كما توقع مشاكل حول تقسيم المياه إضافة إلى أن استخدام عملة واحدة سيؤثر على البلاد اقتصادياً. - وفي ذات السياق تحدثت المواطنة عروسة من الجنوب قائلة: نتوقع أن يكون الجنوب دولة عظمى مع الاستقرار والتطور الذي سيحدث بعد الانفصال، و ذكرت أن وجودها حالياً في الشمال فقط من أجل معالجة ابنتها المريضة، إلا أنها قررت العودة للجنوب، واصفة إياه بالرائع والفريد. - كما تحدث محمد من جنوب البلاد قائلاً: أنا لا أرغب بالذهاب وأحبذ الشمال ولا أقف في صف الانفصال، فأسرتي مستوطنة بالشمال ولا أدري كيف سيتعامل الشمال معي، أتوقع أن يرحلونني إلى الجنوب وأنا لا أريد ذلك، فأنا مسلم، أتمنى أن أزور الجنوب مع أولادي فقط ليتعرفوا على أهلي والدولة الجديدة، لكن أتوقع أن الجنوب يحتاج لوقت طويل حتى يصبح دولة مؤسسة حيث يفتقد الكثير. - المواطن وائل نجيب قال: أتوقع أن 80% من الجنوبيين سيعودون للجنوب أما البقية 20% سيظلون في الشمال، وهذا قد يقود لانفلات أمني وتخريب وانعدام للاستقرار. - سارا أحمد: الجنوب سيكون دولة قائمة بذاتها، وأنا ضد ذلك نسبة لأن الكثير من أبناء الشمال ماتوا من أجل السلام خلال 40 عاماً من الحروب والنزاعات، أتمنى أن تكون هناك مفاوضات، خاصة أن هناك عوامل مشتركة ودم واحد لا أحبذ التدخل الغربي بحجة تطوير الدولة الوليدة هذه بادرة غير حميدة تؤدي إلى نتائج عقيمة غير مرضية. - عبد الحافظ الصافي أعمال حرة «الخرطوم بحري»: التاسع من يوليو يوم أسود، وما دام أنه أصبح أمراً واقعاً، فإنني أرجو أن يكون مردوده برداً وسلاماً «اللهم اجعل الانفصال برداً وسلاماً على السودان». وعن توقعاتي بالنسبة لاقتصاد الشمال فإنه سيكون سالباً لأن المسؤولين ما زالوا ينتظرون ريعاً من بترول الجنوب، ولو على سبيل ايجار خطوط النقل وهذا قد لا يتأتى في حالة ظهور مشكلات أو في حال عدم التوصل إلى اتفاق بهذا الخصوص بين الطرفين، وبالتالي فإن الآمال ستنهار ويضعف الاقتصاد.. الله يستر. ü حيرة وأمل: - عماد الدين نجيب عبد الله «سائق تاكسي» قال: ما راح يكون في استقرار، بدليل ما حدث في جنوب كردفان، وأخاف أن يحدث في النيل الأزرق رغم أن الأمر سيصبح واقعاً كحق واستحقاق لاتفاقية السلام، ولكن اعتقد أن المشكلة تكمن في المشاكل العالقة وأتمنى أن يحكِّم الناس العقل لنكون في جوار محترم وآمن وكفانا حروب وعدم استقرار!! - المواطن حسن جينو قابلنا بترحاب بمكتب جامعة جوبا وقال: أنا مواطن جنوبي ووالدتي شمالية واعتقد أن وضعي غير معروف حتى الآن، فالقانون يجب أن يمنحني الجنسية السودانية لأعيش في المكان الذي ولدت فيه، أنا لم اختر الانفصال ولا أريد استبدال وطني أو تغييره، وهذا قرار سياسي لسنا مشتركين فيه، وكثيرون مثلي، ولكن لا نملك حق الاعتراض، نحن ضحية الاتفاقية إذا أجبرنا على الرحيل نريد حلاً عادلاً، نحن حائرون حتى الآن حول مصيرنا!! الناس ديل أبونا عديل: - عثمان الأمين «تاجر» قال بانفعال ظاهر: الموضوع واضح والحركة الشعبية اختارت قرارها وكذلك مواطنو الجنوب بدليل أن نسبة الاستفتاء فاقت 90%، إذاً المسألة واضحة الناس.. ديل أبونا خلاص يمشوا مكان دولتهم ونرتاح نحن ويرتاحوا هم، أنا شايف كدا، ويوم التاسع من يوليو حد فاصل ونهائي لكل ما يحدث وما في كلام نص نص ورجل هنا ورجل هناك. وأقول لحكومتنا كفاية تضييع وقت وحان وقت العمل والاستقرار والبناء!! - شول دينق موظف جنوبي بوزارة الصحة أجابنا قائلاً: لقد استلمنا خطاباتنا والأمر أصبح حقيقياً، وعلينا البداية من جديد، بعد 20 سنة خدمة بالخرطوم وحتى الآن ما عارفين حقوقنا شنو وكيف الوضع في الجنوب الأمر غير واضح حتى الآن. وسط الأمتعة المغادرة: - في مكتب شحن جوبا تجمعت مجموعة من الجنوبيين برفقة أمتعتهم استعداداً لترحيلها للجنوب في سباق مع الزمن.. «آخر لحظة» توجهت إليهم لسؤالهم عن شعورهم حول انتهاء الأجل لاتفاقية السلام وتطبيق نتيجة الاستفتاء والانفصال ووضعهم في الشمال وما سيكون عليه في الجنوب. البعض رفض الحديث معللاً السبب بأن كل شيء واضح وانتهى ولا يحتاج لكلام وأنهم سيرحلون بعد تسوية أوضاعهم..!! وآخرون تبدو في عيونهم الحيرة والقلق والخوف من المجهول الذي ينتظرهم في الجنوب، هكذا عبروا بصمت عبر ذلك وفي دواخلهم حديث كثير قالته العيون: - سايمون جون قال لنا بعد طول انتظار لردة فعله: أنا لا أشعر بالاطمئنان لما يحدث لي مستقبلاً، الأمور غامضة والأخبار غير جيدة في جوبا، وفي الجنوب الاستقرار سيكون صعباً علينا، ولكن الأمر حقيقي وأصبح في طور التنفيذ.. وأنا طالب وأوضاعنا تختلف من حيث مواصلة الدراسة ولم نعرف كيف ستسوى أوضاعنا كطلاب جنوبيين بالجامعات الشمالية، البيئة الجامعية بالجنوب غير مهيأة وأعدادنا كبيرة.. أنا محتار وانتظر مثل الآخرين!! - أسامة محمد أحمد عبد الله «تاجر» قال لنا: البلد سوف تستقر من وجهة نظري والأسعار ستكون مناسبة، لأن تأثيرات الجنوبيين في حركة البيع والشراء ليست عالية، بل غير مؤثرة عموماً في حركة التجارة، بل كانوا خصماً على الشمال، وأقول هنا إن الله تعالى قال «لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم»، لذلك هم لن يتنازلوا عن آرائهم ومصرين على تمسكهم بأشياء، كلما رضينا ظهروا بأشياء جديدة، فالانفصال خير للجميع وراحة للكل واختيارهم كان بحريتهم وأتمنى طبعاً الاستقرار للشمال ومستقبل ناهض واقتصادي زاهر وكذلك للجنوب إذا وضحت لهم الرؤية!! يا حليل المفروك: أبناء الجنوب الموجودون بالعاصمة هذه الأيام أكدوا على أن علاقتهم بالشمال لن تنتهي بعد التاسع من يوليو، حيث ذكر جون استيفن أنه مولود بالخرطوم وتربى وترعرع بها ولديه ذكريات جميلة بالعاصمة، بجانب أن لديه العديد من الأصدقاء من أبناء الشمال، كما أن تعود على الوجبات الشمالية كالمفروكة والمكرونة، وتطبع بالطباع الشمالية كالمشاركة في مناسبات الأفراح والأتراح، وأضاف أنه لا يستطيع العيش من دون أصدقائه الشماليين.. وقال لولا التواصل عبر الفيس بوك والهاتف لا أعرف ماذا كنت سأفعل. - وعلى ذات الصعيد ذكر موال أبين أنه عمل منذ عشرة أعوام بالخرطوم، ولكنه ومنذ إعلان الانفصال هيأ نفسه للعودة للجنوب، وأضاف بأنه سيفتقد أجواء الشمال المفعمة بالأمن والاستقرار والسلام. - فيما قال صمويل إنه يودع الشمال وعيناه تملأهما الدموع ولكنها دموع الحزن وليس الفرح، حيث الألم من مفارقة الشمال وأهله الطيبين الذين لا يفرقون بين جنوبي وشمالي في التعامل، مؤكداً أنه لن ينسى موقفاً مر به، وقال: كنت مريضاً جداً ولا أملك حق العلاج وإذا بجيراني الشماليين يذهبون بي إلى المستشفى ويدفعون تكاليف العلاج وهذا موقف لن أنساه. ويلاحظ أن أغلب من استطلعتهم الصحيفة من أبناء الولاياتالجنوبية في الموضوع اكتفوا بالصمت وقالوا تركنا الأيام لتكشف لنا الأوضاع، إلا أن ما يبدو في وجوههم هو عدم الرضا بهذا الانفصال والذهاب إلى دولتهم الوليدة. - جاسبون جون يقول إنه يوم التاسع من يوليو سيسافر إلى الجنوب، ولكن سيعود مرة أخرى للشمال، مشيراً إلى أنه لا يستطيع مفارقة الشمال مهما كان، وعندما أتى للشمال جاء من تلقاء نفسه، وسيعود أيضاً لدولته الجديدة أيضاً من تلقاء نفسه. وأضاف قائلاً: إنني حالياً لدي أكثر من «20» عاماً في الشمال، وكان عمري لا يتجاوز ال«5» أعوام، وأردف: كان الأفضل «أن تكون في وحدة حتى لو كان هناك مشاكل فيما بيننا»، مستدلاً بالمثل الشعبي القائل «حتى الأسرة الواحدة تختلف فيما بينها وتتشاجر فيما بينها»، مضيفاً أنه كان من الأفضل أن نحل مشاكلنا «برانا من غير أن نجيب زول يحل لينا»، كما حدث الآن بالانفصال. وقال: إن الساسة الجنوبيين هم الذين جاءوا بالانفصال من غير أخذ رأينا فيه، وكنا لا نتمنى يوم من الأيام أن ينفصل السودان إلى شطرين و«ما كنا دايرنو»، ولكن هناك تفاؤل وأتوقع ما بعد التاسع من يوليو أن الأيام ستسير كما كانت دو تغيير، كما نتوقع التعامل الجيد من قبل الشماليين معنا. - ويضيف سايمون دوت أنه سيظل في الشمال حتى بعد التاسع من يوليو ولن يفارقه لحظة، ولن يذهب إلى الدولة الجديدة باعتباره إلف الشمال ولديه أكثر من «20» عاماً، وقال إنه إذا كان يريد الذهاب إلى الدولة الوليدة لذهب مبكراً قبل هذه الأيام، ولكن ما دام حتى الآن موجوداً في الشمال هذا يعني أنني لا أرغب الرجوع إلى الجنوب الجديد، لعدم استقرار الأوضاع هناك وعدم وجود فرص عمل وغيرها، مشيراً إلى رجوع الكثيرين من الجنوبيين إلى الشمال بعد ذهابهم للجنوب للأسباب آنفة الذكر.. وأضاف أننا عرفنا نعيش كيف في الشمال مهما كانت الظروف والأوضاع من خلال الممارسة الطويلة للعمل بالشمال بشتى الطرق، موضحاً أنه حالياً يمارس مهنة بيع الكتب في السوق ويكسب من خلالها رزق يومه، متوقعاً أن ما بعد التاسع من يوليو سيكون عادياً وأنهم سيجدون المعاملة الحسنة من أبناء الشمال باعتبار أنه ألفهم، مؤكداً أن هذا الانفصال لم يكن في رغبتهم وجاء به الساسة والقيادات الجنوبية. - يؤكد ألكس لينو «ساعاتي» أنه جاء الشمال آنذاك وعمره لا يتجاوز ال«18» عاماً منذ عام 1949م هذا يعني أنني أصبحت جزءاً من الشمال ويصعب عليَّ الذهاب إلى دولتهم الوليدة.. وقال حتى لو ذهبنا إلى الدولة الجديدة فالوضع مختلف مقارنة بالشمال باعتبارنا ألفناه وألفنا وضعه ونستطيع أن نعيش بممارسة أي مهنة، ولكن لا ندري إذا ذهبنا هناك ماذا نعمل وفي أي مهنة نشتغل؟ وأردف لو عليّ أنا ما لدي رغبة أن أذهب للدولة الجديدة إلا انه استدرك قائلاً: الرأي حالياً رأي المسؤولين، إذ قالوا لنا اذهبوا الجنوب ذهبنا. حامل الحربة: جنوبي آخر فضل حجب اسمه قال إنه حتى الآن لا يدري هل سيستقر بالشمال أم يذهب إلى الدولة الجديدة هذا أمر لا يعلمه إلا الله، مشيراً إلى أنه أثناء الانفصال كان بالخارج في دولة أثيوبيا.. وعندما سألته هل كنت فرحاً أم حزيناً عندما علمت بالانفصال رد قائلاً هل يتساوى الذي يحمل الحربة والذي يحمل السلاح في الدفاع عن النفس، قاصداً بحامل الحربة نفسه أو شعب الجنوب وحامل السلاح حكومة الجنوب، مشيراً إلى أنهم يرضون بما تفعله حكومتهم، أما عن توقعات نجاح دولة الجنوب في المستقبل قال إن نجاح الدولة واستقرارها بنجاح حكومتها، كما أن نجاح أي دولة يحتاج لإستراتيجيات وخطط للخروج من الأزمات التي تعانيها.