تذكرت هذه الأيام مرور (22) عاماً على انقلاب الإسلاميين واحتلالهم للسلطة في العام 1989م، قولة أديبنا الكبير الطيب صالح التي أطلقها (من أين أتى هؤلاء؟) فصارت العبارة يستشهد بها السياسيون في كل محنة على هذه البلاد، كما تذكرت بأن المعارضة السودانية عندما قررت القيام بمظاهرة سليمة حددت لها ميدان أبو جنزير بالخرطوم، فلم يحضر من قادة الأحزاب غير الأستاذ محمد إبراهيم نقد، فوجد كرتونة كتب عليها بالفحم (حضرنا ولم نجدكم)، وعلى خلفية الطيب صالح ومحمد إبراهيم نقد، جالت بخاطري عبارة أين نجد هؤلاء؟ والعبارة قالها الشعب إلى هؤلاء، وهؤلاء نقصد بهم من حكم هذه البلاد من وزراء ودستوريين وقياديين. الشعب يريد أن يلتقي بمن يحكمونه وبمن اختارهم لهذا المنصب، حتى يتأمل في قسمات وجوههم، فالمشاهدة تمكن الفرد أن يتبين الحقيقة في وجه من يحدثه - فمثلاً أنه لا يرى هؤلاء الحكام في المنتديات العامة، والليالي الثقافية ولا في المتاحف ولا في السوق المركزي بالخرطوم- وسوق (الملجة) (بمدني) أو سوق أبو لهب في الأبيض، ولا يزاحم وسط الكتل البشرية التي تنتظر المواصلات، ولا في بيوت الأفراح ولا الاتراح، فإن حضروا فرحاً أو مأتماً فإنه يكون لرجل مهم، وينزوون عن القوم في ركن قصي في محل المناسبة، وحتى في المقابر لا يشاهدهم إلا عند موت مسؤول كبير في الدولة، وحتى في المساجد فإنهم يرتادون مسجد النور أو مسجد (د. عبد الحي)، عندما يمرضون ويلزمون السرير الأبيض تتصل عليهم ويردون على مكالمتك، وبعد أن يصبح معافى لا يرد أو يكون جواله مغلقاً، أو حتى في سيارتهم فهي مظللة لا تشاهدهم، ولكنهم يشاهدونك أو حتى في المتاجر بسعد قشرة ببحري أو سوق الشهداء بام درمان، فإنهم لا يتسوقون من هناك، بل يتسوقون في الأسواق الأوروبية(لندن -باريس) إذن كيف يرى الشعب هؤلاء الحكام؟ أنه يريد أن يعرف كيف يتحدث هؤلاء الناس؟ نعم يشاهدونهم من خلال الشاشات البلورية، والصحف السيارة، ولكن لحماً ودماً لم يلتقوا ولم يتشرفوا بلقائهم، هل يعلم هؤلاء بأن كيلو الطماطم وصل (15) جنيهاً، وكيلو اللحمة إلى (30) جنيهاً، ورمضان مقبل على الأبواب، هل يعلم هؤلاء بأن أبناءنا في مدارس الأساس يدفعون رسوم تسجيل (150) جنيهاً، وأن العلاج ليس بالمجاني، وأن فاتورة الدواء لا يستطيع أن يشتريها السواد الأعظم من الناس. أيها الحكام أنكم أبناء تسعة، وهذا الشعب أيضاً حملته أمه وهناً على وهن (9) أشهر، يريد أن يراكم الشعب في المزارع والمصانع، وفي عمليات الانتاج، وفي الأسواق العامة، حتى يتأكد بأنهم صادقون وأنكم تنتمون لهذا الشعب.