العلاقات السودانية الأثيوبية غنية عن التعريف.. المتابع لها يدرك أنها وصلت إلى مراحل متقدمة من التعاون خلال الفترة الماضية.. كما أن الثقة المتبادلة بين الخرطوموأديس أبابا بدورها أيضاً عملت على تذليل كل الصعاب التي تقف حائلاً دون مضيها قدماً، الكثير من المتابعين يصفونها بالنموذجية لعلاقات جوار يمكن أن تكون مثالاً تحتذي به بقية الدول الأفريقية في بناء علاقات مبنية على تبادل المنافع، شهدت وما زالت الكثير من التطور والتنمية على كافة الصعد ، فضلاً عن التمازج الاجتماعي والثقافي بين شعبي البلدين، وهناك الكثير من العوامل السياسية والاقتصادية تجمعهما بحكم مبدأ تبادل المصالح المشتركة.. خلال لقائنا بسعادة السفير هيلي كيروس قسسي سفير جمهورية أثيوبيا الفيدرالية بمكتبه، حدثنا عن أسباب تميز هذه العلاقة، كما تطرق إلى جهود لجنة تطوير الحدود المشتركة بين البلدين لمستوى أفضل يلبي طموح الشعبين الشقيقين سياسياً واقتصادياً، وعن دور القوات الأثيوبية في أبيي، كما رحب السفير باللقاء ضمن اهتمام الصحيفة بعكس الأنشطة المختلفة للبلدين، وتغطيتها المستمرة للأنشطة من أديس والخرطوم، مشيراً إلى التطور العمراني الذي شهده السودان بعد غياب طويل، وقال ضاحكاً لم استطع التعرف على مكاتبنا في فترة السبعينيات في حي الرياض بسبب العمران الهائل للخرطوم، ويعتبر السفير هيلي كيروس أحد القيادات المهمة في أثيوبيا، كان مناضلاً ضمن رفقائه ضد حكم منقستو، وتدرج في عمله وشغل عدة مناصب وآخر منصب له كان سفيراً لبلاده في الصين، معاً إلى مضابط الحوار: كيف تقيّم بصورة عامة العلاقات المشتركة بين أثيوبيا والسودان؟ - أؤمن بأن العلاقات الثنائية وصلت إلى مرحلة متقدمة من التطور، حيث إنها عكست بصورة حقيقية الرغبة المشتركة للحكومتين والشعبين في خلق علاقات منسجمة بين بلدين جارين، تم تنميتها وفق أسس تعزز علاقات التعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية ولم تقتصر على هذا فقط، إنما على تطور البنية التحتية المشتركة، منها على سبيل المثال الطرق المعبدة، استطيع أن أقول إن العلاقات دون شك عكست بصورة جلية رغبة البلدين. ماذا عن التعاون الاقتصادي.. وما هي توقعاتكم لمستقبل التبادل التجاري بين البلدين؟ - نعلم أن التبادل التجاري ليس وليد اليوم سواء كان بصورة قانونية أو غير قانونية، ونحن معاً نحاول تشكيلها بصورة قانونية لتكون دافعاً قوياً لفائدة العلاقات المتميزة، لذا قمنا في أثيوبيا ببناء ستة خطوط للطرق تربط مختلف المناطق المشتركة بين البلدين، الآن جنوب السودان أصبح دولة جديدة، هذا فضلاً عن الخطة الموضوعة لربط البلدين بخطوط سكك حديدية خلال الفترة المقبلة، ما ذكرته يصب في مجمله على تطور العلاقات الثنائية وفق الرغبة المشتركة لتتنمية الاقتصاد، كما هو معلوم أننا السودان وأثيوبيا أعضاء في منظمتي الإيقاد والكوميسا، ووفق ذلك نقوم بتطبيق لوائح الصادرات والواردات بين البلدين دون أن تكون هناك الجمارك المزدوجة، وهناك تواصل كبير بين المتمة والقلابات تمر عبرها المنتجات الزراعية والصناعية من وإلى البلدين، لذا علينا أن نتخيل حجم التبادل التجاري المتطور في هذا الجانب، ويشهد نمواً من وقت لآخر، ووفق مذكرات تفهم واتفاقات موقعة بين البلدين على رفع القيمة الجمركية المزدوجة، فإن العلاقات الاقتصادية برأيي ستصل إلى آفاق أرحب. كيف تنظر إلى انفصال جنوب السودان؟ - انفصال الجنوب يعكس رغبة الشعب الجنوبي، وفق المفاهمات التي تمت بين الشمال والجنوب تم الاتفاق على حل النزاع الجنوبي الشمالي وفق أسس ديمقراطية، وعبر استفتاء أجري، الجوار يظل قائماً وهو دافع للتعاون، في الوقت القريب فإن العلاقات الاقتصادية المبنية بين الجانبين سوف تدفع. حدثنا عن الخبرة المكتسبة للقوات الأثيوبية خاصة وأنها في طريقها لاستلام مهام حفظ السلام في أبيي؟ - في التاريخ القديم شاركت القوات الأثوبية خلال الأربعينيات في عمليات حفظ سلام في كل من كوريا والكنغو، كما شاركت في ليبيريا وبورندي ورواندا وأبلت بلاءً حسناً في هذه المهمات المختلفة، وعملها واضح جداً وفق الإطار المرسوم لها من الأممالمتحدة، تحترم القانون وتتعامل بصورة جيدة مع المجتمعات والثقافات المتنوعة، فهم يقومون بدور مساعدة الشعب وكيفية التعامل معه، بل أحياناً يقومون باقتسام المؤن الغذائية مع السكان في حالة الظروف القاسية، استطاعت القوات الأثيوبية أن تجد احتراماً مقدراً لعملها الإيجابي ضمن قوات حفظ السلام الدولية، كما لعبت هذه القوات دوراً بناءً في دارفور. كما ينطلق عمل القوات الأثيوبية في أبيي من ثقة شمال وجنوب السودان لمهمتها، حيث أكدا أن بوصول القوات الأثيوبية سيقومان بسحب قواتهما من أبيي، لتصبح المنطقة تحت المهمة الجديدة للقوات الأثوبية، وذلك حتى إجراء استفتاء مقبل يدفع بحل المشكلة في إطار اتفاق السلام الشامل. هل تعتقد أن سكان أبيي سيتفهمون مهمتكم، وبالتالي يستجيبون لدوركم؟ - دون شك سيتفهمون مهمتنا ويسهلون عملية حل الأزمة، فهم لا يريدون عودة النزاع مرة أخرى، لذا إذا ذهب الشعب الأثيوبي لمهمة حفظ السلام هناك، الناس سيسألون عن خلفية وخبرات هذه القوات، وأنا متأكد جداً أنه بعد أن يقوموا بالتقصي عن دور وخبرة قواتنا، المسيرية والدينكا سوف يقبلوننا لأداء المهمة الموكلة، بل إن غالبيتهم مسرورون لمجيء واشتراك قوات أثيوبية في مهمة حفظ السلام هناك بدلاً من قوات أخرى لا يعلمون عنها شيئاً من منطلق القربى والجوار بين بلدينا الشقيقين، فضلاً عن دور الوساطة الأثيوبية في تعزيز الحوار بين الشمال والجنوب. هل تعني أن خبرة القوات الأثيوبية قادرة على دفع استقرار أبيي؟ - شعب منطقة أبيي أحيط علماً بمهمة القوات الأثيوبية، أما الحكومة الأثيوبية فإن هدفها الوحيد هو بسط الاستقرار في أبيي ليس من أجل سلام يعم الشمال والجنوب، بل دول منطقة الإيقاد جمعاء، لذا كانت الدعوة قد قدمت للقوات الأثيوبية من كلا الطرفين، ونحن سنعمل وفق الثقة التي وجدناها من كلا الطرفين في شمال وجنوب السودان. متى ستنتشر هذه القوات في أبيي بحسب ما هو متفق عليه؟ - المعدات اللوجستية عبرت إلى الحدود السودانية وهي في طريقها الآن إلى أبيي، كما ستنتشر القوات وتصل المنطقة جواً خلال الفترة القليلة المقبلة. نعلم أن نظام الحكم المتبع في أثيوبيا هو النظام الفيدرالي، برأيك هل هو الأفضل لدول القارة؟ - بعد سقوط نظام منقستو عام 1991م كانت هناك اجتماعات دورية لمختلف مكونات وفئات الشعوب الأثيوبية شرقها وغربها، وجنوبها وشمالها، مكنت هذه الاجتماعات والمؤتمرات في تعزيز المشاركة في إقرار دستور يعمل على احترام الثقافات والديانات، ويدفع على تعزيز الوحدة وفق النظام الفيدرالي الذي تم إقراره كنظام يعترف بالحقوق الثقافية والعرقية للشعوب الأثيوبية، وأصبحت كل المناطق ممثلة في المجالس المحلية والإقليمية والبرلمان الوطني، أعتقد أن النظام يلبي مطالب الشعوب ويحقق آمالهم في الحياة، وبصورة أو أخرى يعمل النظام على إقرار مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية. هناك عدد مقدر من المستثمرين السودانيين في أثيوبيا، هل هناك مستثمرون أثيوبيون في السودان؟ - نعم هناك تجار في الخرطوم والقضارف بمختلف مستويات العمل التجاري، وإن كان أغلبهم يعمل في مجالات تجارة محددة. هناك اجتماعات دورية للجنة تطوير الأقاليم والولايات الحدودية.. كيف يمكن لها أن تحقق أهدافها بصورة تعزز التنمية المشتركة على كافة الصعد ؟ - أعتقد أن للجنة الحدودية المشتركة دوراً مهماً في تذليل كل التحديات التي تقف عائقاً في سبيل تنمية وتطوير المناطق الحدودية، وهي بدورها تبحث العديد من المستجدات خلال اجتماعاتها التي تعقد بصفة دورية يتناوب فيها البلدان استضفاتها، ويعول على اللجنة الكثير من الآمال في دفع عجلة التنمية على الحدود المشتركة. الكثير من الطلاب الأثيوبيين يجدون فرص التعليم العالي في السودان.. هل هذه الفرص متوفرة بنفس القدر للطلاب السودانيين؟ - أعتقد أن طلاب السودان لا يقصدون أثيوبيا للدراسة، وإلا لكانوا سيجدون الفرص المتاحة كما للأثيوبيين الفرص متاحة للدراسة الجامعية هنا في السودان بفضل علاقاتنا المتميزة، أنا مثلاً كان لي زملاء دراسة في مدينة مقلي عاصمة تقراي حالياً، إلا أن منقستو عمد على إرجاعهم، كما أن جامعة (نقمتي) بها عدد من طلاب ولاية النيل الأزرق بحكم قربها إلى إقليم بني شنقول، وجامعة أديس أبابا لا تخلو من طلاب سودانيين، ومعهد الطيران الأثيوبي خرّج عدداً من الطيارين والمهندسين السودانيين على مراحل متعددة، وأعتقد أنه كلما كانت هناك زيارات متكررة لأثيوبيا يمكن فهم ومعرفة أثيوبيا بصورة جيدة، بالفعل ينبغي أن نستفيد من المهارات والتجارب الأكاديمية في مختلف المجالات، وأن ندفع بهذا الجانب المهم، لذا يتطلب منا أن نعمل معاً على ترويج فرص الدراسة هنا وهناك لطلاب البلدين. كيف تنظر إلى واقع ومستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين سياسياً، اقتصادياً، ثقافياً واجتماعياً؟ - من منطلق علاقاتنا السياسية المتقدمة والمبنية على أسس متينة، أعتقد أننا سنشهد تقدماً كبيراً في علاقتنا الاقتصادية، فنحن بحاجة إلى دفع علاقتنا في كافة المجالات، ونحن بحاجة إلى دفع التعاون في المجالات الحيوية في سبيل ترقية وتطوير بلدينا ثقافياً واجتماعياً، تاريخياً تربطنا علاقات اجتماعية وثقافية لا يمكن إغفالها، وهناك الكثير من التشابه في العادات والتقاليد والفن والإرث وكلها عوامل طبيعية تاريخية جغرافية وتاريخية، أنا استبشر بمستقبل زاهر لعلاقاتنا في كافة المجالات. هل هناك فرص مشجعة للاستثمار في أثيوبيا.. حيث إن الكثير من الأفكار التنموية تجمع البلدين؟ - أثيوبيا في الوقت الراهن تشهد تقدماً كبيراً في مجالات التنمية المختلفة، من ضمنها نمو في قطاع الاستثمار في مجالات الصناعة، وخطونا خطوات كبيرة وهناك جذب للمستثمرين وفق التشجيع والتسهيلات التي تقدمها إدارة الاستثمار، نستطيع معاً وبإمكاناتنا أن ندفع بمجال الاستثمار هنا وهناك. خلال فترة الكفاح المسلح الذي خضتموه ضد نظام منقستو آنذاك.. كنت تزور الخرطوم خلال السبعينيات.. الآن وأنت سفير وممثل لبلدكم.. كيف وجدت السودان بعد هذه الفترة الطويلة؟ - تحدث السفير هيلي كيروس وهو مبتسم وقال: أنا كنت أزور الخرطوم من فترة لأخرى، إلا أنني لم أقم فترة طويلة، حيث كنت ممثلاً للجبهة في أوروبا حينذاك، وحينما عدت الآن للخرطوم بصفتي سفيراً لبلدي، وجدت تغييراً كبيراً في البنية التحتية للعاصمة، كما لم أتعرف على المكتب الذي كنت أعمل فيه في الرياض، فقد تغيرت معالم كثيرة، ولاحظت أن عمراناً كبيراً شهدته العاصمة. رسالة أخيرة؟ - رسالتي إلى حكومة السودان بأن نستمر ونبذل جهداً أكبر معاً في طريق التكامل وتطوير علاقاتنا بصورة أكبر لفائدة شعبي البلدين، ورسالتي الثانية للأثيوبيين.. يجب أن تحترموا القانون السوداني في مسائل توفيق أوضاع الإقامات، كما نطلب من الشرطة السودانية أن تعامل كل أثيوبي مخالف لقوانين الهجرة والإقامة بطريقة إنسانية، وهناك تصرفات لبعض أفراد الشرطة إزاء المخالفين لقانون الإقامة من الأثيوبيين لا تشبه مؤسسة الشرطة السودانية، فهي مؤسسة عريقة ومحترمة.