درجت بين حين وآخر أن تطل علينا المنابر الثقافية بالإبداعات العالمية والعربية.. وتتعانق وتتشابك لتحرز التفوق على الأخرى.. ولقد شهدنا في السنوات القليلات الماضيات إسناد رايات الفن والألق لعاصمة السودان بمقرن النيلين (الخرطوم).. فكانت (الخرطوم عاصمة الثقافة العربية) والحضارة المتنامية.. وإذا كانت الخرطوم قد بعثت بفلذاتها.. بل عشرات الآلاف من الطلاب والطالبات لدول (مصر) العربية و(الهند) و(باكستان) و(السعودية) و(لبنان) و(اليمن) و(ليبيا) و(غيرها) حتى أدركتنا ثورة التعليم الوطنية.. فأنشئت واكتظت (الجامعات) الولائية والقومية.. وكان التخرج (بالمئات).. و(طلب العلم فريضة على كل مسلم). من هنا ابتدر ناشط من خريجي جامعات مصر العربية، فحين حطت قدماه بساحات الوطن أنار المصابيح الثقافية والتراثية والإبداعية.. أشعلها في مسارح العاصمة القومية ومنابرها الإشعاعية والتسابقية.. ذلكم هو الأستاذ/ (السموأل خلف الله) الذي رفع الشعلات الثقافية هو وزوجته المثابرة الأستاذة/(حنان قسومة)، وهما يتصدران المنظمات والجمعيات.. باسم منظمتها (أروقة للثقافة والفنون والعلوم).. واتخذت مقراً لها إزاء المستشفى الدولي.. غربي المؤسسة (ببحري).. وكم شهدناه بالمسرح القومي السوداني بمسارح أم درمان.. وعلى مرافيء النيل.. لإعلاء البصمات وإظهار البسمات عبر الإبداع السوداني.. فأخذه (أي السموأل).. أخذه (القصر الجمهوري) من بين هذه (البهرات) ليجلسه على كرسي (وزارة الثقافة) السودانية.. فأخذ هو وطلائعه بالوزارة يمشون على نسق ويحدقون صوب الأفق.. فكانوا في فترات وجيزات قد أضاءوا وبهروا المنابر الداجيات.. ولم يكن شأنهم قاصراً على الولاية الأم.. بل خرجوا في أول عامهم هذا في (يناير) الماضي.. فإن اتجه المبادر (غازي صلاح الدين عتباني) إلى خارج السودان (للدوحة) ليبث الحكمة والحلم السوداني بين (الفصائل).. فقد خرج كذلك (السموأل خلف الله) من الخرطوم إلى (الجنينة) ومعه (محمد الأمين) الفنان و(شرحبيل) و(عمر إحساس) و(حلّوم أبوه) خرج ليرفع شعاراً يقول (سنعيد دارفور سيرتها الأولى) لتكسو (أي دارفور).. تكسو (الكعبة) المشرفة من جديد.. وتحفر آباراً مثل آبار (علي) بين (مكة) المكرمة و(المدينة) المنورة.. وتحت هذا الشعار.. قالوا (الجنينة عاصمة الثقافة السودانية لعام 2011) وكأنهم يريدون رسم لوحة الإرث والتراث والفن.. وتداخل الثقافات السودانية.. ليس في غرب دارفور فحسب.. وإنما (كل أرجائه لنا وطن). فمثلما قلت لكم يوماً.. إننا في أول (التسعينيات) حين تجولنا في سوق (إنجمينا) بتشاد.. وكانت الراديوهات والمسجلات.. ورافعات الصوت يترنم بها السوق الكبير.. وما كانوا يصدقون أن الذي يمشي بينهم (اليوم) هو (صلاح بن البادية) و(عبد القادر سالم) و(خوجلي عثمان) و(محمد ميرغني) هم أنفسهم الذين يتحلى بأصواتهم سوق العاصمة التشادية.. مثلما امتلأت بالمواطنين مدرجات وجنبات الإستاد الكبير لمباراة التنافس بين الفريق التشادي والفريق السوداني.. فكانت امتزاجاً وضع الدولتين في عمق أضابير التمازج والإخاء الصادق.. وغير ذلك كثير.. فوزير الثقافة السوداني تمور بداخله إبداعات هذا النسق من التلاحم وتلاقي الأرواح ليصب في البعد والبناء الوطني.. كوزارة لها دور ريادي في بناء الروح والعرف الوفاقي والتنافسي لصياغة الأجيال تحت الحكمة القائلة (روحوا عن قلوبكم ساعة فساعة.. فإن القلوب إذا كلت عميت).. كما أن (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها إئتلف وما تناكر منها اختلف).. وظلت هذه الاستباقية الثقافية الترويحية التنافسية تنتقل من بلدة لأخرى.. ومن مسرح لآخر منذ (يناير) المنصرم.. لتأتي (الأحد 17/7/2011).. تأتي (الجنينة) إلى قاعة الصداقة بالخرطوم.. وفوق مسرحها تجسمت للجميع لوحة زاهية تقول (الجنينة عاصمة الثقافة السودانية لعام 2011).. تحت شعار (سنعيدها سيرتها الأولى) برعاية الأخ الكريم.. نائب رئيس الجمهورية الأستاذ (علي عثمان محمد طه).. وكانت الأجهزة اللاقطة والعارضة عبر إذاعة (النيل الأزرق) و(F.M) وغيرها ترصد للوطن كله ما يجري على هذه المدرجات.. وتعجبت هذه المدرجات ومواقع الجلوس.. اندهشوا لهذه العروض التي تقدمها تلكم المذيعة النابهة (ليلى) بنت النيل.. وكان يصعد المسرح الفينة والأخرى مبشراً ومبتهجاً ومروحاً الوزير (السموأل) والشرتاي (جعفر) والي غرب دارفور (الجنينة) ووزراؤه.. ويتماسك ويتكاتف الفنان (محمد الأمين) و(شرحبيل) و(عبد القادر سالم) لتتمازج أصواتهم مع (عمر إحساس).. وتأتي الأغنيات والأناشيد والرقصات الشعبية بكل اللهجات على مسرح (قاعة الصداقة) هذا.. فتنحدر إليهم بالمسرح من أرجاء القاعة كلها فتأتيهم الفرق والمجموعات متراقصة رجالاً ونساءً بأزيائها المحتشمة المعبرة عن اللونيات والثقافات والمظاهر السودانية الأصيلة.. ولم تتسع ساحة ومساطب المسرح للناس المبتهجين.. إذ السودان كله هنا.. لا تفرق أنت أهذا من (الجنينة) أم هو من (مدني) أو من (كريمة).. بل من (القطينة) وآخر من (توتي) و(يا هو دا السودان). وقد أبدعت هذه الوزارة.. بنقل هذا المشهد التراثي المتلاحم لقاعة السودان الكبرى (قاعة الصداقة) بمقرن النيلين.. على (كوبري) توتي الجميل.. وقالوا إنهم (أي الوزارة).. إنهم من بعد ذلك وهذا.. ستكون (الجنينة) عاصمة الثقافة السودانية لعام 2011م تكون من بعدها بمدينة (كسلا).. ولعلهم يحركونها من بعد إلى (حلفا دغيم) وليس إلى (باريس).. ولعل ذلك يكون قريباً.. فهل يجوز لنا يا أهل الفتوى أن نقول: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول حتى يقول: نُبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول هكذا.. والحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق الناس بها.. والله أكبر..