في الحلقة الأولى من الحوار تحدث الدكتور الجزولي دفع الله بعاطفة وطنية عن اللحظات الأخيرة لإنزال علم السودان من أراضي الجنوب التي أصبحت دولة مستقلة ابتداء من التاسع من يوليو الجاري.. ومحاولة إيجاد حلول وطنية لقضية جنوب السودان خلال توليه رئاسة الوزراء، والرسائل المتبادلة بينه وزعيم الحركة الشعبية جون قرنق، وقضايا الحدود العالقة، ورؤيته لحل قضية أبيي وتدويل قضية أبيي، وضرورة إشراك المجتمع المحلي بمنطقة أبيي في الحوار بصورة مباشرة. وفي هذه الحلقة سيتناول الحوار قضايا البترول والخلافات الدائرة حول توزيع عائدات البترول بين جمهورية السودان ودولة جنوب السودان والديون الخارجية وكيفية معالجتها بين الطرفين، والاهتمام العالمي الذي حظيت به دولة جنوب السودان عند لحظات الانفصال ... فإلى مضابط الحوار: أزمة مالية: هناك خلاف حاد حول توزيع عائدات البترول بين السودان ودولة الجنوب، هل تتوقع أن يصل الطرفان لاتفاق وفاقي؟ - قضية البترول سوف تحل باتفاق يلبي مصالح الطرفين، لأن منابع البترول في جنوب السودان وجزء كبير من الخطوط الناقلة للبترول في الشمال، بالإضافة إلى موانئ الشحن والتصدير ومصافي التكرير فيما بترول السودان لا يمكن تخزينه لفترات طويلة، ولذلك لا توجد مجالات أخرى أمام حكومة الجنوب لتصدير البترول إلا عبر الشمال، فهناك ضرورة اقتصادية في الوقت الحالي بالإضافة إلى أن الضرورة الواقعية ستجبر الدولتين للوصول إلى حل وفاقي شامل يتماشى مع مصالح البلدين الاقتصادية، حيث يعتمد اقتصاد البلدين بصورة كبيرة على إنتاج وتصدير البترول وتوفير الاحتياطي النقدي. في حالة عدم التوصل لاتفاق بين الطرفين حول البترول هل سيواجه السودان أزمة مالية؟ - تصريحات وزير المالية تفيد بأن السودان لن يعاني كثيراً من الناحية الاقتصادية بسبب انفصال جنوب السودان، ولكن إذا كان جزء كبير من النقد الأجنبي السوداني يأتي من تصدير البترول فسوف تتراجع كمية النقد الأجنبي بسبب فقدان السودان كميات البترول المستخرجة من الجنوب، وسيؤثر ذلك على الاقتصاد السوداني بدون شك، رغم أن هناك جزءاً من البترول ينتج من أبيي، وهي منطقة لا زالت شمالية.. ولكن السودان لم يستفد من الأموال الطائلة للبترول في إحداث تنمية اقتصادية، فمشروع الجزيرة الذي كان إنتاجه لكل السودان الآن أصبح خارج الموازنة المالية ويعاني من صعوبات في الإنتاج ولذلك سيتأثر الاقتصاد السوداني بصورة مباشرة بانفصال الجنوب. قضية الديون الخارجية لا زالت معلقة هل سيتحمل السودان الديون الخارجية لوحده بعد إعلان دولة الجنوب؟ - الديون الخارجية يجب أن تحل وفق السوابق المتعارف عليها، لأن السودان لم يكن أول بلد ينشطر إلى دولتين، ولذلك لابد من التوافق بين الشمال والجنوب على مقترحات تؤدي إلى حلول الديون الخارجية. ومن الحلول المتعارف عليها إعفاء الديون، فديون السودان معظمها أرباح وتعود معظم أصول الديون إلى دول عربية ويمكن أن تقوم الدول العربية بإعفاء ديونها على السودان. الاستفتاء: الشماليون بدأوا غير مهتمين بانفصال الجنوب هل يوجد تفسير لذلك؟ - عملية الانفصال أخذت مدىً زمنياً طويلاً منذ إجراء الانتخابات في الجنوب وتصويت الجنوبيين بنسبة عالية جداً، فالمدى الزمني هيأ السودانيين لقبول الانفصال، ولذلك المبدأ العام أصبح أن الجنوب بات على وشك الانفصال ما دام هناك استفتاء لتقرير المصير، وأصبح الاهتمام بمتابعة عمليات الانفصال شبيه بالبكاء علي لبن مسكوب. في مقابل عدم اهتمام السودانيين بانفصال الجنوب ظهر اهتمام دولي غير مسبوق بالقضية، ما هي أسباب الاهتمام الدولي بانفصال جنوب السودان؟ - هناك جانبان للاهتمام الدولي بانفصال جنوب السودان: الجانب الأول منذ فترة طويلة جداً يظن الغرب أن الجنوب بولاءاته واهتماماته وثقافته امتداد له، وأن الشمال امتداد عربي إسلامي، فرغم أن الروح الصليبية بشكلها السافر قد اختفت لكن ما زالت في الخلفيات تدفع لنصرة الذين يشاركونها في الثقافة.. والسبب الثاني وقوف العالم مع الجنوب عند إعلان ميلاد دولته الجديدة تعبير عن نظرته لسياسة النظام الحالي في السودان، فالعامل التاريخي يصنف الجنوب مسيحي غربي، والشمال عربي إسلامي، وكتعبير عن الإرادة الدولية الممثلة في علاقة السودان بدول الغرب. قرر مجلس الأمن إرسال قوات دولية لحفظ النظام والأمن بجنوب السودان بالتزامن مع إعلان استقلاله ما هي الرسالة التي يريد مجلس الأمن إيصالها من خلال إرسال هذه القوات الدولية؟ - مجلس الأمن الدولي يمثل مصالح الدول الكبرى حول العالم، ولذلك لا يقدم مجلس الأمن مساعدة لأحد وإنما إرسال هذه القوات الغرض منه تعزيز وحماية مصالح الدول التي قررت إرسال القوات الدولية. مصالح جنوب السودان: دولتا السودان وجنوب السودان تواجهان صراعات داخلية مسلحة في كل منهما هل تتوقع أن تندلع حرب بالوكالة بين البلدين مستقبلاً؟ - حسب تصريحات المسؤولين بالدولة أن الحرب في جنوب كردفان حرب بالوكالة فما دام هناك مناوئون للدولتين يحاولون الاستفادة من الوضع القائم بقدر الإمكان فإن الحركات المسلحة لكلا الطرفين تظل كروت ضغط سياسية، ولكن في تصوري أن الجنوبيين بعد الاستقلال عليهم أن يفكروا بصورة عقلانية لأنهم سيكتشفون أن كثيراً من مصالحهم موجودة بالشمال، وأن أي عمل تخريبي بالشمال لن يكون في مصلحة الجنوب.. فالواقع يفرض على الجنوبيين إقامة علاقات متوازنة مع الشمال تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. هناك محاولات لربط الجنوب بدول مثل كينيا ويوغندا ما هو تأثير ذلك على علاقة دولة الجنوب بالسودان؟ - إنشاء الطرق ومد أنابيب البترول إلى دول مثل كينيا ويوغندا ليس من السهل أن يلغي الروابط الاقتصادية والاجتماعية بين دولة الجنوب والسودان، كما سيكتشف مواطنو دولة الجنوب أن السودان أكثر تعاطفاً معهم من كينيا ويوغندا وغيرها من الدول الأفريقية الأخرى، وأرجو ألا يكون ذلك بعد فوات الأوان، فمن الذي يعتقد أن الكينيين أو اليوغنديين قلوبهم على جنوب السودان، فكل الأفارقة غير السودانيين يبحثون عن مصالحهم في الدولة الوليدة. ماذا يعني تعيين شخصية مثل هيلدا جونسون لرئاسة بعثة الأممالمتحدة في دولة جنوب السودان؟ - دولة الجنوب وليد شرعي لاتفاقية نيفاشا التي ساهمت هيلدا جونسون في التوصل إليها عندما كانت وزيرة للتعاون الدولي بالنرويج، ولذلك عينت جونسون رئيسة للبعثة للاستفادة من خبراتها لأن دولة الجنوب الوليدة تحتاج لرعاية أكثر من المجتمع الدولي. ما هو تأثير انفصال جنوب السودان على النزاعات المسلحة في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان؟ - المشكلة الأساسية هناك مقاتلون في النيل الأرزق وجنوب كردفان كانوا جزءاً من نيفاشا وحالياً الجنوب دخل في استقرار، فالجنوب أصبح غير معني بأمر المقاتلين في النيل الأزرق وجنوب كردفان، ولكن يستطيع أن يستغل هؤلاء المقاتلين متى ما كانت هناك ضرورة سياسية في مواجهة الأحداث مع السودان، فالذي يحدد مكانة مقاتلي النيل الأزرق وجنوب كردفان تعاون حكومة السودان وحكومة جنوب السودان حول كيفية استيعاب السودان لأفراد جيش الحركة الشعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق، ولكن إذا ساءت الظروف السياسية بين الدولتين ستصبح قوات الحركة في النيل الأزرق وجنوب كردفان والحركات المسلحة في دارفور كروت ضغط في يد دولة الجنوب يمكن ان تستغلها في مواجهة السودان، رغم أن السودان يملك كروت ضغط مشابهة أيضاً. هل حديث رئيس جمهورية جنوب السودان بأنه لن ينسى النيل الأزرق وجنوب كردفان وأبيي ودارفور إشارة لتذكير السودان بخيارات الضغط المتوفرة لديه؟ - الجنوب انفصل عن السودان وأصبح دولة أخرى، ولكن حديث الرئيس سلفاكير بأنه لن ينسى أبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور إشارة غير موفقة، لأنه تحدث عن مناطق في دولة أخرى ذات سيادة، فحديث سلفاكير قد يكون انفلاتاً عاطفياً أو مساومة، فالذين يتحدث عنهم سلفاكير تربطه بهم بعض الصلات والعلاقات الخاصة، وأرجو ألا تكون عبارة سلفاكير عن الأقاليم السودانية إشارة لها مدلول سياسي وإنما إشارة وردت في إطار الحديث العام.