تظل العلاقة بين السودان وجنوب أفريقيا ذات خصوصية وتمتد جذورها منذ بزوغ شمس الحركات التحررية في القارة السمراء. ويقول السفير د. علي يوسف أحمد الشريف سفير السودان بجنوب أفريقيا، إن بريتوريا تلعب دوراً مهماً في حلحلة قضايا أفريقيا، وذكر في حوار مع آخر لحظة أن السودان يعمل للاستفادة من التقدم الكبير في جنوب أفريقيا خاصة في مجال الزراعة، وقد تقلد السفير منصب مدير إدارة المراسم لمرتين، ومنصب سفير السودان في كل من الصين واليمن الجنوبي والشمالي، وسفارة السودان في كينيا، عمل رئيس بعثة السودان في بلجيكا، وكان أول من افتتح سفارة للسودان بتونس في عام (1975). السيد السفير تعتبرون أول من جلب حقوق الامتياز للشركات الصينية للتنقيب عن البترول في السودان، وفي بلجيكا تمكنتم من تطبيع العلاقات مع الاتحاد الأوربي خلال فترة العقوبات، ماذا تحمل في حقائبك للسودان من جنوب أفريقيا من بشريات؟ - نعم.. استطاع السودان في الفترة من 1993- 1999م ابتدار التعاون الإستراتيجي مع دولة الصين، حيث شهدت استخراج وتصدير البترول السوداني، وأصبحت الصين أكبر مستثمر في قطاع البترول بالسودان، وأصبح السودان ثالث شريك اقتصادي للصين في أفريقيا، ولعب السودان دوراً مهماً في تأطير العلاقات مع أفريقيا، وكما ذكرتي.. فقد تم تطبيع العلاقات بين السودان والاتحاد الأوربي، واستفاد السودان من المبالغ المخصصة له والتي كانت محجوزة وقدرها 450 مليون يورو، وتم الانفاق من حصص السودان لأول مرة على اتفاقية السلام الشامل عقب فك الحظر ل(50) مليون يورو من استحقاقات السودان المجمدة من صندوق دعم السودان، وفيما يتعلق بجنوب أفريقيا نأمل الاستفادة من المقدرات التكنلوجية العالية لها، ونأمل دعم جهود الثورة والنهضة الزراعية والمعدنية الهائلة، وذلك في إطار التعاون المشترك. إلى أي مدى يمكن الاستفادة من تجارب جنوب أفريقيا في نقل التكنولوجيا.. خاصة في ظل انخراط بعض الشركات الجنوب أفريقية في إعادة تأهيل بعض المنشآت، (حيث قامت إحداها بطلاء بعض أجزاء كوبري النيل الأبيض). - تعتبر جنوب أفريقيا دولة ذات ثقل مالي وسياسي واقتصادي ضخم، وإستراتجية السودان ترتكز للمرحلة المقبلة على جذب استثمارات تنمية البنى التحتية والاستفادة من التجارب الزراعية، فضلاً عن جذب الاستثمارات الجنوب أفريقية، وكما ذكرت آنفاً فإن السودان يعتزم الاستفادة من التجارب الجنوب أفريقية.. واعتقد أنه ليس المهم أن تقوم شركة بطلاء بعض المنشآت، بل المهم القيام بترقية البنى التحتية، وفي الفترة المقبلة سنعمل على جذب رؤوس الأموال الجنوب الأفربقية وسنعمل على دعم دور القطاع الخاص وإنشاء مجلس مشترك لرجال الأعمال السودانيين والجنوب أفريقيين. وماذا عن تأهيل السكة حديد السودانية؟ - سبق أن كان هناك تعاون من خلال تأجير بعض الشركات قاطرات وتقديم غروض توطئة لإعادة بناء وتطوير السكة حديد بمنح السودان قروض، ويمكن أن يتواصل التعاون خاصة أنه مجال حيوي مهم للاقتصاد السوداني.. ولكن ما أعلمه هو رغبة الدولة في توطيد التعاون مع دولة الصين في إعادة تأهيل قطاع السكة حديد. رشحت معلومات عن اعتزام جنوب أفريقيا التنقيب عن البترول على الحدود السودانية الليبية (في منطقة جبل عوينات) في مربع 17 وإعادة الشركة التي كانت تعمل في التنقيب؟ - نعم كانت (بتروسا) شركة جنوب أفريقيا للتنقيب عن البترول، تعمل في السودان ولكن نسبة لصعوبة التنقيب عن البترول في المناطق الصحراوية تعذر عليها ذلك، وأنتِ تعلمين صعوبة التنقيب عن البترول في الصحراء عنه في مناطق أخرى، واختلاف الطبيعة الجنوب أفريقية عن السودانية. هل تم الاستغناء عن الشركة أم ماذا؟ - قررت الشركة الانسحاب من منطقة الامتياز التي منحت لها ولكن هناك جهوداً لعودة الشركة للتنقيب، لا سيما أنها ما زالت في تقديري تمتلك وتحتفظ بحق الامتياز ما لم تكن هناك أية خلافات. كيف يمكن تأطير العلاقات الثنائية بين الخرطوم وبريتوريا في المحاور المختلفة خاصة عقب انفصال جنوب السودان؟ - يمكن اعتبار فصل الجنوب مرحلة جديدة من مراحل التعاون الثلاثي بين السودان ودولة جنوب السودان وجنوب أفريقيا، بالتركيز على المشاريع التنموية التي تربط بين الطرفين، وقد أبدت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا استعداداً لمثل هذا التعاون خلال زيارتها الأخيرة للسودان، كما يمكن أن تسهم جنوب أفريقيا في التعاون مع أطراف دولية (عربية، أفريقية وأوربية)، في إنفاذ مشاريع تنموية للدولتين، إضافة إلى أهمية نقل التكنولوجيا بوجه خاص للسودان بالتركيز على الزراعة والتعدين والبنى التحتية. هل يمكن أن تصبح جنوب السودان دولة تنافس السودان ويحدث تقارب سياسي اقتصادي بينهما.. سيما في ظل احتضان جنوب أفريقيا للحركة الشعبية وزعاماتها إبان حياة جون قرنق؟ - المسألة ليست تنافساً وليس بالضرورة أن تكون العلاقة بين السودان وجنوبه علاقة تنافسية، ومن حق أي من الدولتين إقامة علاقات صداقة وتعاون مع أية دولة أخرى، ومن الضرورة بمكان دعم جهود التكامل بينهما على المستوى الثنائي أو الإقليمي من خلال منظمات مثل الكوميسا والإيقاد وتجمع شرق أفريقيا. ü ما هو دور جنوب أفريقيا المستقبلي في تهدئة الأوضاع بالقارة الأفريقية خاصة فيما تتعرض له القارة من أزمات؟ - لعبت جنوب أفريقيا أدواراً مهمة في تهدئة الأوضاع من خلال الوساطة علي مستوى القمة في عدد من الدول الأفريقية من بينها زمبابوي ومدغشقر وساحل العاج وبورندي والسودان، وستستمر جنوب أفريقيا في دور الوساطة المهم هذا بحكم ثقلها السياسي ووزنها في الاتحاد الأفريقي ومنظمة السادك (تجمع دول الجنوب الأفريقي). ü هل هناك تنسيق بين البلدين لإصلاح منظمة الأممالمتحدة.. خاصة أن جنوب أفريقيا تتطلع إلى أن تتبوأ المقعد الدائم في المنظمة الدولية؟ - (شوفي) جنوب أفريقيا واحدة من الدول المؤثرة جداً، والسودان قام بمساعدتها في أن تتبوأ المقعد الحالي غير الدائم، ونحن نسعى أن تمثل أفريقيا في المنظمة الأممية ليس بمقعد واحد، بل بأكثر من ذلك.. ونحن نرحب أن تكون جنوب أفريقيا واحدة من الدول الأفريقية الممثلة للقارة في مجلس الأمن بنيويورك، وهناك تنسيق مستمر بيننا في السياق. ماذا دار بين الرئيسين البشير وجاكوب زوما خلال زيارة الأخير للخرطوم في الثامن من يوليو المنصرم؟ - كان اللقاء مهماً جداً، وقد عبر زوما خلاله بشكل واضح وصريح عن احترامه وتقديره للرئيس البشير والقيادة السودانية، واعتبرها مثالاً يحتذى في أفريقيا من احترام الاتفاقيات وإنفاذ الالتزامات والتعهدات والتمسك بخيار السلام، وذكر أن السودان يستحق أن يكافأ على موقفة الشجاع بتقديم العون التنموي له وإلغاء ديونه المالية ورفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب ورفع العقوبات الأحادية عنه. بماذا أوصى زوما البشير؟ - أوصاه بمواصلة حكمته المعهودة في معالجة القضايا العالقة بين الشمال والجنوب، والعمل على تطوير العلاقات بينهما في شتى المجالات، وجدد استعداده لتقديم النصح للقيادات الجنوبية للحرص على حل المشاكل وتفادي أية انزلاقات مستقبلية، كما رحب زوما باتفاق دارفور الإطاري وتمنى أن يتحقق السلام في دارفور وأن تعالج المشاكل العالقة بين الشمال والجنوب عبر المفاوضات، ورحب بمشاركة بلاده في اللجنة الثلاثية والمساعدة في إيجاد حلول، وأكد دعم جهود الرئيس إمبيكي. كيف يرحب بجهود الرئيس السابق إمبيكي رغم ما رشح مؤخراً بسحب الدعم عن اللجنة رفيعة المستوى؟ - إطلاقاً لم يحدث ذلك، بل ليست المرة الأولى التي يسهب فيها زوما في مدح إمبيكي وجهوده في تحقيق السلام في السودان. دولة جنوب أفريقيا باعتبارها الدولة الأولى اقتصادياً وسياسياً ولوزنها المؤثر في مجريات الأحداث في القارة تقوم بأدوار ومبادرات في كل من السودان وزمبابوي وليبيا، إلا أن دورها غير مؤثر، فقد قادت الجهود في السودان إلى انفصال الجنوب، وفي دارفور لم تفلح جهودها في ضم الحركات المتمردة؟ - الجهود التي اضطلعت بها جنوب أفريقيا كان دوراً وسائطياً، ومن غير المنصف أن نحملها مسؤولية انفصال الجنوب أو الفشل في ضم حركات دارفور.. وموقفها من حركات دارفور كان واضحاً جداً. ولكن رشحت معلومات عن إيواء جنوب أفريقيا لعدد من حركات دارفور؟ - موقفها كان واضحاً، حيث رفضت إيواء أي من قيادات الحركات المسلحة، وطلبت منها الانضمام إلى منبر المحادثات في الدوحة خاصة عقب الأحداث الأخيرة في ليبيا، بل وذهبت أبعد من ذلك، حيث قامت السلطات الجنوب أفريقية بإبلاغ نظيرتها السودانية بذلك. أتخذت جنوب أفريقيا مواقف سالبة من السودان فيما يلي قضية المحكمة الجنائية الدولية؟ - حقيقة موضوع الجنائية وموقف جنوب أفريقيا تدرج ولها موقفان، الأول نابع من التزاماتها كعضو مصدق وموقع على النظام الأساسي لميثاق روما، وكدولة ديمقراطية ودولة قانون أدرجت أهم بنود الاتفاقية في الدستور ونظامها القانوني، وأصبحت بموجب القانون ملزمة بتنفيذ وتطبيق قرارات المحكمة الجنائية، الموقف الثاني ينبع من عضوية جنوب أفريقيا كعضو في الاتحاد الأفريقي، والاتحاد موقفه لابد من تعليق قرار الجنائية والتعامل مع مسألة دارفور بصورة أكثر حكمة وتقليب السلام على العدالة.. ولكن اللقاء الذي جمع الرئيسين البشير وزوما والاحترام الذي ساقه له والتقدير، يعني الالتزام بالموقف الأفريقي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية. ü هل يمكن أن ينعكس انفصال السودان على بقية القارة الأفريقية؟ - ليس بالضرورة الانفصال سابقة أولى تستوجب الحذر والدراسة.. ولكنها ليست بالضرورة أن تؤدي إلى انفصالات أو تمزق دول أخرى طالما يتم التعامل مع القضايا العالقة بديمقراطية واحترام للقانون. هل تتوقع انضمام السودان لاتفاقية التجارة الحرة؟ - الانضمام سيتم من خلال عمل مشترك بين ثلاث منظمات مهمة، هي الكومسا، السادك وتجمع دول شرق أفريقيا التي اتفقت فيما بينها على خلق منطقة تجارة حرة بينها، وكان المؤتمر الأخير الذي عقد في جنوب أفريقيا مهماً جداً، مثل السودان د. مصطفى عثمان إسماعيل مستشار رئيس الجمهورية، وتم الاتفاق على أن تعمل التجمعات الثلاثة آنفة الذكر، على خلق منطقة تجارة حرة خلال ثلاث سنوات، وتطوير البنى التحتية، ويجب على السودان مراجعة موقفه للانضمام لمنطقة التجارة الحرة في 2014م، حيث تكتمل التحضيرات لقيام المنطقة وأن يوليه العناية اللازمة خاصة أن الانضمام للمنطقة يدخل السودان في سوق تنافسية كبيرة جداً تمتد من مصر شمالاً، إلى جنوب أفريقيا جنوباً. الفائدة التي يجنيها السودان للانضمام للمنطقة الحرة؟ - هذا يحتاج لدراسة، بصورة عامة أية دولة ستستفيد عند فتح أبوابها وتشارك في تجمعات اقتصادية كبيرة، وتكون جزءاً من السوق الكبير، فالتقوقع لا يخدم التنمية في أية دولة، لذلك الأمر يحتاج لدراسة متأنية معمقة تشارك فيها كافة الأطراف المعنية من وزارة التجارة والمالية والاقتصاد الوطني والجهات المختصة الإسترتيجية والتنموية، لتقرر هل يسير السودان في الاتجاه أم ماذا.. ولكن أرى من مصلحة السودان المشاركة في مثل هذه التجمعات.. ولابد أن تكون قراراته مدروسة، لأن هناك آثاراً سلبية لمن يشارك دون أن يعرف ماذا يفعل، وهذا يؤثر على اقتصاد البلاد. هناك صعوبات تواجه الجالية السودانية في جنوب أفريقيا مثلها مثل أية جالية أخرى، فيما تتقاعس السفارات عن تقديم يد العون؟ - الجالية السودانية في جنوب أفريقيا لا يتجاوز عددها 500 فرد، بما فيهم الأسر، وأغلب أعضائها من أساتذة الجامعات ورجال الأعمال والأطباء في المشافي الجنوب أفريقية، الجالية نشطة وعلى اتصال بالسودان ولهم أهواء وانتماءات حزبية مختلفة ولكنها تتعامل مع كافة القضايا كسودانيين، ولهم مواقف إيجابية من خلال الاهتمام بقضايا الوطن. وبالنسبة لجنوب أفريقيا ليست دولة عبور لذلك لا يوجد عالقون، ونادر جداً أن نجد سودانياً عالقاً، حتى اللحظة لم تمر عليّ حالة شخص عالق، كما أن العلاقة بين السفارة السودانية والجالية سياستنا مفتوحة ونتعامل مع الناس كلها سواسية كسودانيين، ونشارك في أنشطتهم بصورة منتظمة.