الدكتور نافع.. لك التحايا والود والسلام.. واليوم دعنا «نُرفّه» عنك كثيراً.. بل دعنا ننتزع ابتسامة منك مستحيلة.. وصدقني إنّي اتيقّن أو أجزم بأنّك على الأقل وعلى مدى عشرين سنة وتزيد لم تبتسم مطلقاً.. أو على الأقل لم تستطع «أظرف» نكتة.. أو أحلى دعابة أن ترسم ظلالاً عن ابتسامة على وجهك.. فأنا وجمع مُقدّر من الشعب السوداني.. نرى أنّ «نفسك قايم» وديدنك الكر.. والكر.. ولا أقول الفر.. الذي لم تمارسه طيلة عمر الإنقاذ إلا وأنت تفر من وثيقة «أديس أبابا» تلك التي وجدنا أنفسنا ولأول مرة معك في نفس الضفاف.. بل في نفس المركب.. ويا خسارة فقد قفزت أنت من تلك المركب.. فجأة.. وذلك بعد أن انتاشتك سهام الغُلاة من رفاقك الذين لا يعجبهم صمت البنادق.. ولا يطربهم غير دوي المدافع.. لا يهم المهم.. دعنا «نتونس» ونبدأ بالسؤال إلى متى أنت والأحبة من صناع الإنقاذ «شايلين الدنيا في روسينكم» متى ترتاحون متى تبتسمون.. متى تتذوقون طعم الحياة بكل مباهجها بكل روعتها.. و«أزيدك» شوية.. حتى متى أنتم في حالة دفاع كامل وليت كان الهجوم الذي تصدون كان من خارج أسوار الوطن.. عندها.. يكون الدفاع جسارة ونبلاً وشجاعة.. وبطولة ولكنّه للأسف دفاع من هجوم كل الشعب السوداني «ناقص» أعضاء وقاعدة المؤتمر الوطني وشريحة من المؤلفة قلوبهم وجزء يسير من الذين خدعوكم بالدين.. أيضاً لا يهم.. المهم.. أنك من «السعداء» الذين تشرفوا ليس بالدراسة في جامعة الخرطوم.. الهائلة العريقة.. بل أنت من الذين كان لهم شرف «التدريس» في هذه الجامعة التي هي باكسفورد وكيمبردج أشبه.. بل أغلى وأحلى وأشهر.. وهنا.. تبدأ الونسة.. التي آمل أن يتّسع صدرك لها.. ونبدأ بتساؤل يقفز إلى مؤخرة أو مقدمة «مخي» كلما تحدّثت غاضباً.. وأنت في صداقة دائمة مع الغضب أو هكذا أراك بل هكذا هي الصورة المطبوعة في «شاشة» عقل كثير من المواطنين.. أنت يا دكتور.. تأتي بمفردات تراثية لا يعلم ولا يعرف ولا يفهم فيها حرفاً واحداً غالبية كاسحة من شباب اليوم.. مثل «لحس الكوع» و «البطان» و «الملاقا في السهلة» وحتى نحن الذين نعرف كل حرف في هذه التعابير.. تأخذنا الدهشة.. وتلجم ألسنتنا المفاجأة.. وتندفع من صدورنا شلالات الأسئلة.. كيف تصدر هذه التعابير من الذي جلجل صوته في قاعات الدراسة المهيبة الرهيبة.. أخاف أن أظلمك لو قارنا ما تأتي به من تعابير وما استقر في وجداننا وعقولنا وقلوبنا من أحاديث وأشعار كانت تتدفق ليس من أساتذة في جامعة الخرطوم بل من مجرد «طلبة» في تلك الجامعة الرحيبة.. كان مطبوعاً.. أو مرسوماً.. بل منحوتاً في ضلوعنا.. خطب وأحاديث ونثر وكلمات الحافظ الشيخ الزاكي البهية.. كنا نتذوق كما العسل المصفى.. صفاء كلمات الطيب زين العابدين.. كان يدهشنا علي عبد القيوم الذي كتب للوطن وللحبيبة وللشعب.. وأي المشانق لم نزلزل بالثبات وقارها ثم عربدت كلماته في فضاء الدنيا.. وبسيماتك تخلي الدنيا شمسية.. وحاتك بشم ريحة الجروف مغسولة بي وهج القناديل.. ويأتي مولانا شيخ علي عثمان في ذاك الهدوء العاصف.. وما زال هدوؤه عاصفاً.. والرجل اختلفنا ونختلف وسنختلف معه في صرامة وحديدية وتصميم.. ولكنه لم يمطرنا يوماً واحداً بمطر المداد الداكن أو الأغبش.. وما زال يُعاملنا- كمعارضة- أو على الأقل كرافضين لسياسات الإنقاذ معاملة كريمة ودودة.. وهل نحدثك عن عمر مصطفى المكي.. أم عن ود المكي ذاك الذي وهب الوطن.. أمتي.. والأكتوبريات.. وهدية أخرى ملفوفة في صفق الزهر.. خلاسية.. كل هؤلاء كانوا زملاءك أو على الأقل من نهلوا من نهر جامعة الخرطوم العذب النمير.. ثم تأتي يا دكتور.. وفي قلب أو صدر كل غضبة مضرية.. وما أكثر غضباتك.. تصفعنا بالكلمة المعهودة.. «من يُريد اقتلاع النّظام عليه أن يلحس كوعه».. «طيب».. نحن بل أنا لا أريد اقتلاع النظام.. أُريد تغيير النظام.. وما أبعد المسافة بين التعبيرين.. أريد نظاماً ديمقراطياً.. شاسعاً.. رحيباً.. تنفرط فيه مظلة العدالة والمساواة والحرية والسلام والإخاء.. وهناك من يُريد اقتلاع النظام.. من جذوره.. وهؤلاء ليسوا من المعارضة ولا من «الناتو» ولا من مارينز اليانكي.. ولا من الطابور الخامس.. إنهم رجال حولكم.. في قلب مركبكم.. هم الذين سيقتلعون النظام.. وحتى تطمئن.. إنهم ليسوا جماعة سرية وخلية مؤامرة.. إنهم وبإدارتهم الخرقاء وسوء تقديرهم.. «وحاجات تانيه» من سيقتلعون النظام وغداً نفصل لك كيف هي عملية «القلع».