ابتسم الترابي وهو يستمع لإشاعة وفاته، فقامت الدنيا وقعدت .. وانقسم القوم جراء الابتسامة الغامضة واختصموا ! الابتسام نوع من التعبير القوي عن المكنونات، لكنه يمكن أن يعني أكثر مما يبدو ظاهرا، والشيخ الذكي جدا يبتسم أحيانا وهو يرسل صواريخه النارية تجاه خصومه، وقد يبتسم في مواقف تبدو مربكة ومزعجة، كما يبتسم في حالات الصفاء والرضا .. مثلما كان الحال عليه .. في أيام العسل مع أصدقاء الأمس .. والتي أصبحت بعد المفاصلة كالعهن المنفوش ! البعض كالعادة فسر الابتسامة بسخرية الشيخ من مروجيها، والذين يستعجلون الأحداث التي ستقع يوما ما لا محالة، خصوصا وأن أهل المؤتمر الشعبي .. قد صرحوا بملء أفواههم بأن مطلقي الشائعة .. هم غرماؤهم في المؤتمر الوطني العتيد ! بعض آخر من المتابعين .. قرأ في الابتسامة الغامضة رسالة أخرى .. مفادها أن الشيخ الذي بدا في صحة عالية ولياقة جيدة، أراد أن يقول لخصومه إن سنوات العمر لم تلن قناته، وإنه ما زال قويا بما يكفي لإقلاق منامهم، وأن مشروعه الذي لا يخفيه بإسقاط النظام .. يواجه بمحاولات واهنة لا تتعدى الترويج لوفاته .. وهو ترويج سيرتد لأصحابه حال انكشاف أمره ! آخرون قالوا إن الابتسامة كانت تعبيرا مباشرا عن المرارة، فلا أحد يسره أن يتم الترويج لموته وهو ينعم بالحياة .. بل ويشارك في مأتم صادف وجوده فيه حين سماع الإشاعة ! لكن خيال المختصمين لم يقف عند ذلك الحد، فقد سألني أحدهم أمس عن سر الابتسامة الغامضة، فلما قلت إنها (مفتوحة) على كل التفسيرات، أكد بأنها تعني شيئا واحدا فقط .. وهو أنها رسالة (وعيد) لغرمائه .. الذين يلتقطون ابتساماته .. ويعرفون من أسرارها ما لا يعرفه الآخرون ! الموت حق، وما من حي إلا وسيموت، فسبحان الدائم خالق الكون ونواميسه، لكن ابتسامة الترابي دخلت ضمن محركات الركود الداخلي، خصوصا وأن معلومات ما جرى وأدى لاعتقال صلاح قوش وآخرين .. كانت ضنينة .. ولا تشفي الغليل، فوجد الكثيرون في أمر الابتسامة فرصة للتحليل، والمقارنة، والقراءة المتعمقة، بل والخيال الجامح .. طلبا لتفسير المعاني .. الظاهرة منها والخفية ! ابتسامة عابرة .. فتحت تكهنات لا أول لها ولا آخر .. ولن يقطع أحد بمدلولاتها .. إلا إذا تحدث البروف شخصيا، وقال بشكل مباشر ما كان يريده .. وهو يبتسم في وجه الشائعة التي تبخرت سريعا .. بوهج الحقيقة .