رأي: د. عبد الرحيم عبد الحليم محمد تنال السيدة «بليلة» حظاً عالياً من رمضائنا ونتغنى بأفضالها علينا في الشهر الكريم.. .إننا غير عادلين مع السيدة بليلة لأننا نحل سفك دمها في الأشهر الحرم: ريم على القاع بين البان والعلم أحل سفك دمي في الأشهر الحرم، إلا أنها تبالغ في كرمها وعطائها فترشفنا بسنابل الشعر الجميل معاتبة لنا جحدتها وكتمت السهم في كبدي جرح الأحبة عندي غير ذي ألم. فيردد حادينا الشعبي مواسياً للسيدة «بليلة» ومبرراً لسفك دمها في الشهر الحرام: البليلي أم حبن نضيف حبة لوبي وحبة عيش ريف اليشوفك يحرن يقيف يا حلاتك في الشلاليف فترد السيدة بليلة نادبة لمصيرها وطريقة معاملتها: من غير ذنب وأسباب ظلموني الأحباب 2 صديقي وصفني بالجنون وعدم الشغلة، في متابعتي لشؤون البليلة بين أضراس عباده ومظان تواجدها هذه الأيام بأسواقنا الكالحة، أجزم أننا كمهاجرين وبالذات في ولاية كاليفورنيا كولاية زراعية، نشهد تواصلاً طيباً مع البليلة التي يسمونها عندنا لوبا عفن، ولو أنهم أطلقوا عليها هذا المسمى هنا لطالهم قانون التحرش بالبليلةharassment ... ولأن قناعتي راسخة بأننا شعب لا يعطي البليلة ما هي أهل له، من التوقير والاجلال، قررت التنقيب في ذاكرتي كقروي ساقه القدر الى هذه البلاد المتحضرة عن البليلة من منظور رمضاني. دي فيها حاجة؟ نبحث عن تحليل لحالة الحب الخشن بيننا وبين السيدة بليلة، وننقب السنوات الجميلة متجهين صوب خلوة شيخنا عبدالحليم في قرية الأركي من أعمال مركز ريفي مروى حسب نظام الحكم المحلي القديم- كانت هناك عدة مدارس إفطارية تربط بينها البليلة، عمي عبدالعزيز ود سعيد وابنه سعيد عرفا بتقديم «نشأ» متميزة «تخينة» برعت في صنعها الخالة الزينة بت عبدالمجيد رحمها الله، بمساعدة شقيقتها «حميراء». وصفة نشاة الزينة تماثل السر التجاري لوصفة الكوكاكولا التي جعلت منها إمبراطورية أعمال رفيعة, صار لها اسم متميز في قانون الملكية الفكرية للأسماء التجارية.. نشاة الزينة تخينة لها جمدة، وطعمها لا هو بالقمردين ولا هو بالحلو مر.. الشريفي ود المكي وخلف الله ود ابو زيد ينتجان العجور والمقاد والجرجير والطماطم ولا يبخلان بإنتاجهما على الخلوة، بحيث ينال المفطرون طعاماً عضوياً أو بلغة ناس أمريكا Or ganic food.العم عبدالرحيم الزبير برع في تقديم القراصة الرهيفة المرشوشة باللحم مما برعت في تقديمه وصنعه الخالة نفيسة بت على عيسى- طيب الله ثراها- وكذلك جزار القرية أحمد عباس وهو مع «حمدة» وسعيد من مادحي شباب الختمية، ومنشدي ديوانهم «النور البراق» ويقدمون لبا البقر مجاناً لسكان القرية عند إنتاج كل عجل له خوار من أبقارهما، سعيد عبدالعزيز ينافس الشريفي ود المكي في كواري الليمون فكلاهما يزرعان أشجار الليمون.. طبعاً التمر البركاوي هو القاسم المشترك لكل الصفرة (بضم الصاد وفتح الفاء) أمام الخلوة بعد أن يطلق الياس ود الحسن آذانه في ساقية «الشمبياب» المجاورة لبدء طقوس الإفطار في القرية. 3 أحاول أن استدعي من ذاكرة تراكمت عليها رمال بحار العالم صور للماضي الرمضاني الجميل، أسائل القماري والدباس عن السيدة «بليلة»، فتأتي مرتدية لأقراص فيضانية وأساور من العيش ريف... خضراء ميساء طيبة وحنون في عيد لقيطها الأول على يد العمة المرحومة زينب بت عشماني.. إن البليلة غاضبة من ربطها مع حالة الفقر والبؤس كما في معجم العامية السودانية للدكتور عون الشريف قاسم، «بليلة المبشر ولا ضبيحة المكشر». البليلة تقول إنها رمز الخير فهي لا تنتج إلا في مواسم الدميرة والفيضان الذي نبه اليه العبقري خليل فرح: يا بليل السوح هو هذا نداك أم ندى الأسحار فالحالة البليلية إذن هي حالة دهشة أرض ولود، يأتيها الطمي البليل ومن خصوبته يأتي عيش الريف والبليلة كعاشقين. إنها بنت عم الفول والفاصوليا، وهي تشارك الفول ربما باحتوائها على مادة السرنون التي يفرزها دماغ الإنسان فتنتج فرحاً وبهجة وسروراً، ولولا تمسك السودانيين بالفول وأقربائه، ومنهم بالطبع البليلة لمات السودانيون هماً وغماً. أدركت الآن السبب في أن «بت عشماني » كانت مرحة ضحوكة بشوشة رغم وحدتها، فقد كانت البليلة وجبة رئيسية لها . رحمك الله أيها العمة الكريمة التي تنادين الزائر والماشي وتتقاسمين معهم البليلة، فتتمازج رائحة الشمار الأخضر مع دهن الكركار الذي يضمخ شعرك متغنية بمقطع ربما كان من تأليفك: متين تجي يا ود نعيمة معاي تاكلك لقيمة. رحمها الله