عندما يطالع القارئ الكريم هذه المادة نكون في دولة تشاد الجارة الشقيقة ضمن الوفد الصحفي والإعلامي المرافق للسيد المشير عمر حسن أحمد البشير رئيس الجمهورية، الذي يقود وفداً رسمياً كبيراً للمشاركة في احتفالات تنصيب الرئيس التشادي إدريس ديبي بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لفترة جديدة. العلاقات بين البلدين قديمة وراسخة، بل هي أكبر من أن نحاول تأطيرها أو تحجيمها وفق معطيات السياسة وحدها، أو الاقتصاد أو التداخل الاجتماعي، لأنها هي كل ذلك، إضافة إلى أنها علاقة بين شعب واحد فرقت بينه الحدود السياسية. شهدت العلاقات بين (الخرطوم) و (أنجمينا) توترات حادة خلال السنوات الماضية، كما شهدت تقارباً بين القيادتين السياسيتين في كل من البلدين الشقيقين أثمر عن تهدئة الأوضاع، بل والخروج بها إلى فضاءات التعاون والعمل المشترك من أجل صالح الشعبين. زرت (تشاد) الشقيقة أكثر من مرة، زيارات قصيرة وسريعة، وماكنت في حاجة لأن أتعرف على طبيعة الشعب التشادي، لأنها أقرب لطبيعة الشعب السوداني، إن لم تكن هي ذات الطبيعة والسلوك والعادات والأعراف الاجتماعية السائدة، خاصة في الوسط التشادي المسلم.. أذكر قبل عدة سنوات أنني كنت ضمن وفد تلفزيوني لتصوير عدد من حلقات برنامج (من الخرطوم سلام)، الذي كنت أرأس إحدى فرق إعداده، ووصلنا إلى مدينة (الجنينة) في غرب دارفور، وكانت الأوضاع هادئة تماماً آنذاك- على طول الحدود مع الشقيقة تشاد، ولم تكن بذرة التمرد قد بذرت بعد منتصف تسعينيات القرن الماضي. في ذلك الوقت قمنا بزيارات لعدد من المدن والقرى التشادية الحدودية، وبعضها يحمل ذات الاسم السوداني، وكان التلفزيون السوداني وقتها يعرض مسلسل (دكين) الذي يُعاد عرضه هذه الأيام، وكنا نعجب من أن الشوارع تخلو على طول تشاد وعرضها ساعة بث المسلسل السوداني (دكين)، وأحسب أنها الآن تعيد انتاج ذلك الموقف عندما يدير التشاديون أجهزة تحكمهم التلفزيونية لمتابعة الفضائية السودانية، التي أصبحت لها شقيقات في الداخل والخارج. في تلك الزيارة قمنا بتسجيل لقطة مؤثرة مازالت عالقة في ذهني رغم مرور السنين، وكانت ضمن مشهد إنساني عظيم تظهر فيه عربة كارو تتجه من ناحية وادي أسنقا بالسودان نحو قرية تشادية مقابلة، وهي تحمل سيدتين إحداهما فوق الستين والثانية شابة، كانتا بصدد زيارة أقربائهما على الناحية من الحدود، تحدثنا للسيدتين حديثاً معتبراً ولصاحب العربة (الكارو) التي اتجهت نحو الغرب، وقد وجه مخرج البرنامج الأستاذ معاذ موسى بأن تتابع الكاميرات حركتها من جانب إلى الآخر، في زيارة اجتماعية عادية لا تعرف نقاط الحدود ولا حمل جوازات السفر. التهنئة لتشاد الشقيقة.. والتهنئة للرئيس إدريس ديبي بمناسبة تجديد ثقة الشعب التشادي به، والتهنئة للسيد الرئيس عمر حسن أحمد البشير الذي ظل عقله منفتحاً ومستوعباً لضرورة التعاون مع (الجار القريب) في ظل متغيرات جرت وتجري على أرض كل المنطقة.. والإقليم.