لقد سعدت كثيراً بخبر الاحتفال المختصر والانيق والذي قرأته عبر صحيفة آخر لحظة بمناسبة توقيع عقد تشييد مستشفى السروراب- وهذا الحدث يستحق الوقوف عنده.. وخاصة عندما يأتي ذكر السروراب وهي ليست قرية بل تاريخها يقول بأنها مدينة أو من المفترض أن تكون كذلك، لأنها مأهولة بالسكان بل ونعتبرها حاضرة القرى لريفي الخرطوم، لأن بها أعلاماً من رجال الدين والعلم والأدب، واستطاعوا أن ينشروا ما عندهم على مستوى السودان، وتاريخ السروراب يجبرنا على أن نوفيها حقها كاملاً، ولكننا نقول ورغم أسمها الكبير فقد لحقتها الكثير من المظالم في تطوير خدماتها، وخاصة في فترة الحكومات العسكرية السابقة وتوصف أحياناً بأنها ثورة مضادة وقد وصمت بهذا في عهد مايو، والسبب في ذلك لأن أهلها لا يعرفون التملق والنفاق، لأنهم معروفون بعزة النفس من منطلق الوعي والثقافة الموروثة، والمعلوم أن الخدمات هي حق للمواطن في أي مكان، ولكن ما قام بالسروراب قد كان بالجهد الذاتي، حيث كانت في السروراب أول شفخانة على مستوى الريف، وقد كان المرحوم محمد الحسن خوجلي المشهور بالحكيم يذهب بحماره ليتفقد المرضى العجزة، وقد كان في إمكان السروراب أن تحقق كل شيء ولكن كما أشرنا فإن عزة النفس والعفة هي التي منعتهم، وكان من أبناء السروراب الوزير والمدير والسفير، وكان منها قائد الجيش والشرطة، ومن صدقهم وأمانتهم فقد كان منهم المفتش الذي وزع الأغلبية على الأراضي بالخرطوم، ولم يكن له نصيب إلا قطعة واحدة في (كرش الفيل الخرطوم بحري)، إنه المرحوم محي الدين عبد الله أبو شامه مفتش الأراضي آنذاك، وأول مستشفى أقيم بالسروراب أنشأه المرحوم عبد القادر محمد الأمين وقفاً لابنه الشهيد أمير، وقد قام بتزويده بكل الآلات الطبية على نفقته، وكانت السروراب في حاجة لمستشفى كبير يلبي حاجة المنطقة من العلاج، ثم أحس أبناء السروراب بما لحق منطقتهم من ظلم، وفكروا في قيام رابطة جمعت كل أبناء المنطقة استشعاراً بما لحق منطقتهم من تدنٍ في الخدمات.. وجميع أهل السروراب من قبيلة واحدة، وتوحدت كلمتهم في هذه الرابطة، وعملوا على محاربة روح الفرقة التي زرعها سماسرة السياسة من الحكومات الشمولية، التي كانت السبب في تأخير خدمات السروراب، و قد أفلح أبناء هذه الرابطة في بحث قضاياهم وأعطوا أمر المستشفى الأولوية، واتصلوا بالسيد والي ولاية الخرطوم، والذي وافق مشكوراً على قيام المستشفى، وبعد أيام جاءهم وتكرم بوضع حجر الأساس في احتفال كبير، والآن والحمدلله قد أصبح مستشفى السروراب حقيقة، وتم بالأمس الاحتفال بتوقيع عقد العمل والتنفيذ، وهذا ما أسعدنا واثلج صدورنا بأن يتحقق لأهلنا في السروراب ما يستحقونه منذ زمن طويل، وهذا كان الدافع لكتابة هذا الموضوع مهنئاً لهم ولكل المنطقة بهذا الانجاز الكبير.. محتجاً على ذلك الظلم، والذي كانت أسبابه الفرقة والتي نراها قد حسمت الآن بقيام رابطة أبناء السروراب الطوعية، وهي رابطة تجتمع في أفرادها كل صفات الخبرة والكفاءة، والتي لم يتم استغلالها من قبل، وأني آمل ألا يكون جهد هذه الرابطة من السروراب فقط، بل أن تكون نموذجاً يحتذى، وثقتي فيهم كبيرة وقد أثلج صدري ما قامت به الرابطة من زيارة لأهلهم في الجزيرة اسلانج، وعقدوا اجتماعاً بمركز الدعوة وهو يعتبر المنارة التي تنطلق منها كل أعمال الخير بالجزيرة اسلانج، وقد كنت مدعواً لهذا الاجتماع ولم أوفق لحضوره لأسباب مرضية، ومن ثمار هذا الاجتماع إزالة بعض الرواسب والتي أوجدها انصار سياسة فرق تسد، وهم من أرادوا السعي لكسر صمود وحدة قرى الريف حتى لا يتوحدوا في وجه اتباع رموز هذه الحكومات فاقدي المعرفة الذين تفرضهم ممثلين لهذه المناطق، وفي اعتقادي ومن الممكن لرابطة السروراب أن تحقق وحدة قوية لأهل الريف تحفظ حقوقهم وتوحد كلمتهم، وأني أذكر وأشكر لأبناء السروراب وفقتهم القوية مع لجنة الحفاظ على أراضي الريف الشمالي وهذه هي المواقف التي نريدها ليس من أجل مستشفى السروراب فقط، بل هناك قضايا مهمة بالنسبة لكل أهل الريف، وأول هذه القضايا هي ضرورة أن يشرب المواطنون الماء من النيل لأنه قد ثبت تماماً بأن مياه الآبار غير صالحة للإنسان، وهناك وعد قاطع من السيد والي ولاية الخرطوم لمد هذه القرى بالماء من النيل، ويبدو فنياً كما ذكر مدير المياه بكرري بأنه لا يمكن أن نشرب من المنارة ولا من النيه.. وأصبح الأمر لابد من قيام محطة من المنطقة شمال الكلية الحربية بوادي سيدنا، وهذا الأمر يحتاج لوحدة الكلمة وللتحرك الجماعي وأرجو أن تتبنى الرابطة هذا نيابة عن كل أهل الريف، وطالما نحن بصدد الحديث عن السروراب هذه المنطقة العزيزة والمهمة، فلابد من ذكر شيء من تاريخها لمن يجهلونه.. والسروراب هي واحدة من أكبر قبائل الجموعية الذين يعودون إلى جدهم الأول إبراهيم جعل، وينحدر من هذه المنطقة سيدي الشيخ الطيب ود البشير شيخ الطريقه السمانية بالسودان، ومن أبنائه الشيخ نور الدائم الذي درس عليه الإمام محمد أحمد المهدي، ومن أحفاده الشيخ قريب الله سلسلة السادة الطيبية أمثال الشيخ الفاتح، والشيخ إبراهيم الدسوقي.. والسروراب انجبت الشريف يوسف الهندي من والدته شموم بت أحمد ود الزين السرورابية الجموعية وصاهرهم ابن عمهم الجميعابي الزبير باشا والذي تزوج ابنة العمده ود اسيد وانجب منها فرساناً وأدباء،.. والسروراب قد انجبت القاضي دشين أول قضاة السودان، ثم من بعده القاضي والمفتى الشيخ أبو شامة والسروراب قد كان لها تاريخها في الحركة الوطنية، ولها رجال منهم تاج الدين ابوشامة، وعمر بحر الدي، ومحمد الحسن الطيب، ومجازي محمد الامام، والصافي أحمد الصديق، وفي السروراب قد كان هناك كبار خلفاء الطريقة الختمية مثل الخليفة ود أبوعركي وابنه السيد أحمد، ثم أخيراً الخليفة الأمين الفكي رحمهم الله جميعاً وهنيئاً للسرواب ومزيداً من النجاحات