على مر الأيام والسنين تظل بعض الكلمات منقوشة على جدران الذاكرة خاصة تلك التي باستطاعتها الحفاظ على الأحداث لفترة طويلة.. المهم سادتي اذكر عبارة كانت ترددها جدتي فهي دائماً ما تقول »الله يستر الفقر بالعافية« وعندما سمعتها منها كثيراً سألتها عن قصدها من هذا الدعاء فقالت إن كل شيء يمكن ستره مأكل ومشرب ومسكن وكسوة، إلا أن فقدان العافية والبحث عنها بين المستشفيات والصرف عليها، الذي قد يجعلك تحتاج للناس، وهذه قد تحرجك كثيراً وتجعلك مديناً لهم.. المهم سادتي قبل أيام مرضت خالتي وكانت تحتاج لأن تذهب للمستشفى، لأن مرضها أصبح أكثر من أن يتم استيعابه بواسطة الطب »المنزلي«، ولأنها كانت تصر على طبيبة بعينها خشينا ألاَّ نجدها في المستشفى الحكومي، وربما تكون في المستشفى الخاص، فذهبنا للمستشفى الخاص ودخلنا حوادثها وبدأنا في دفع المبلغ تلو الآخر، وبالطبع يمكن أن تتوقف الخدمة إذا لم يتم دفع المبلغ المطلوب، عندما جاء الصباح طلبنا استدعاء الطبيبة وبالفعل حضرت وهي من الطبيبات المتميزات وتعامل كل مرضاها باهتمام في أي موقع، ولما كانت قناعتنا أن العلاج في المستشفيات الحكومية أفضل من الخاصة.. لم تتزعزع عقيدتنا يوماً في مستشفى أم درمان، ومهما ساقتنا الظروف بعيداً عنها فإن ارجلنا تسوقنا إلى هناك ب»اللا شعور« فكما تعرفون أشواق الأم درمانيين نحو مدينتهم ومرافقهم، فهم يشتاقون اليها أثناء جلوسهم فيها.. وبالفعل وافقت الطبيبة على تحويلنا لمستشفى أم درمان، وذهبنا إلى هناك بتقرير منها، وبالفعل احتضنتنا المستشفى برحابة صدرها وبالعناية التي وجدناها وبتحمل العاملين فيها للمرضى وضيقهم وزهجهم من المرض أو المرافقين الذين يخشون على مرضاهم.. بالمناسبة مع هذه اللقاءات البشوشة ذهبنا لعنبر الباطنية نساء، ورغم اعتراضي عليه في السابق، فقد كان لا يرتقي لأن يكون عنبراً في مستشفى، وهو الشهير في السابق بعنبر »قصار« إلا أنني عندما ذهبت إليه وجدت أن شكله قد اختلف عن الشكل الذي كان عليه في السابق، وأن المساحة التي أمامه أصبحت فارغة مما تجعل دورة الهواء مكتملة.. وحقيقي أن المستشفى قد تمت صيانتها بشكل حديث وجيد، وظني أن علينا نحن أهل أم درمان (مهمة) وهي مساعدة القائمين على أمرها أولاً بالنظافة الدائمة وبالسلوك الحضاري، ففي مثل هذه المرافق التي تعطي ولا تأخذ.. نعم سادتي لن تصدقوا هذه الكلمة إلا عندما تصطدمون بواقع العلاج في المسشتفيات الخاصة، وظني أن واجبنا أن نكون اليد الأخرى التي تستطيع أن تصفق مع يد المسؤولين لنحول مستشفياتنا إلى مستشفى ضخم بحجم المدينة التي سمى باسمها..