غريبة هي النفوس، ومتباينة درجة شرورها التي قد ترقى لدرجة المرض، وعدم التمييز »فيضحى ابن آدم المكرم المفضل عند الله« كالأنعام بل أضل حينما يتجرد عامداً من انسانيته وعقله والذي هو أساس التمييز والتكليف. فكل الكون مبني على التدرج.. صعوداًوهبوطاً.. لذا كانت الجنة درجات.. تتدرج حتى الفردوس الأعلى.. والنار دركات حتى الدرك الأسفل.. »لعدم تساوي الناس في كل شيء واختلاف مشاربهم، ومقدرتهم على التعامل مع بقية المخلوقات والكون«..! وأهل القانون يجعلون لبعض الجرائم »عقوبات مشددة لأحوال وظروف معينة جعلتها تستحق الحد الأعلى للعقاب.. حين يتأكد القاضي بالبينات التي أمامه أن المتهم متجرد تماماً من الإنسانية.. وأنه قد ارتكب جرمه بدمٍ بارد بلا وازع أو رادع أو بتشفٍ« كأن يمثل بالقتيل.. أو يكرر نفس الفعل، أو يجمع جريمتين في ذات الوقت!! والله اني لأعجب واشفق على تلك النفوس المريضة المليئة بالشر، وحب الأذية، والتي تختار أسوأ اللحظات في حياة الضحايا.. لتتسلل بخسة ودناءة.. دون مراعاة للمشاعر.. ولا للعبرة والاعتبار لتنفذ جرائمها.. فالسرقة جريمة كبيرة.. ولكن السرقة من بيت العزاء.. حين يغفل المكلومون، ويتخذ من مصيبتهم مطية ليرتكب جريمته تكون أكبر من كبيرة.. لأنه لم يتعظ بالموت.. الذي قال عنه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم »كفى بالموتِ واعظاً وكفى بالموت مفرقاً«.. ولا راعى لقلوب كلمى، ونفوس جريحة وعيون باكية.. بئس الزمان والمكان.. لنفث الشرور..! شكل آخر.. لتلك النفوس.. حين يطالعنا إعلان في الصحف عن فقد أحد الأبناء أو الأهل أو الأقارب.. كلنا يجب أن نتصور كيف سيكون حالنا لو فقدنا.. أحد الأبناء.. أو الأحباب ولا نعرف مصيره.. أنه إحساس لو تعلمون أعظم من وقع الموت.. وقد يكتب في الإعلان رقم هاتف للمساعدة في البحث أو الادلاء بمعلومات.. تضمد الجراح.. وتخفف المواجع وتجفف الدمع..! هل تصدقون أن هناك من يتخذ هذا الرقم وتلك المأساة وسيلة.. لنفث سموم نفسه المريضة.. بإعطاء معلومات كاذبة.. ومغلوطة.. تجعل أصحاب المصيبة على ما فيهم من عنت وعناء وعذاب يلهثون »خلف السراب«.. لأنهم يتمسكون بأي خيط ربما يقودهم للوصول إلى ذلك الغائب العزيز..! مساكين هؤلاء المرضى الذين يبذرون الفتنة.. ويعبثون بالقلوب والمشاعر ويزيدون النيران اشتعالاً في نفوس هدتها المصائب والمحن..! زاوية أخيرة: هل نسي هؤلاء أن الواحد الجبار القهار فوق عباده يسجل له ملائكته في دفتر أحوال يومية »ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً..«.