عندما كان تلفزيون السودان هو المتربع لوحده على عرش المشاهدة كان كل ما فيه جميل.. ومشوق وممتع.. «مسلسل واحد» يشاهده كل أهل السودان. ويحفظون تفاصيله، ويسمون أبناءهم بأسماء نجومه.. «كفارس ونجود».. وغيرهم.. وبرنامج الأطفال يلتف حوله كل أطفال السودان والسهرات فرسان في الميدان.. ودنيا دبنقا.. وسينما سينما.. وأمسيات.. تضيء الليالي.. وجيل مثقف واعٍ لأن الجرعة المقدمة.. «ممتازة ومركزة».. ولا بديل لها..! حقيقة لا أعرف هل الانفتاح الفضائي.. وتعدد القنوات والتنافس المحموم.. لجذب أكبر عدد من المشاهدين نعمة أم نقمة..! إن أكبر الظن.. إنها مدعاة للتشتت وعدم التركيز.. وكثرة المطروح يبعث على التخمة.. «تخمة أن تحصل على كل شيء حتى لا يعود يرضيك شيء..» وما النقد السيال الذي لا يتوقف على ا لقنوات إلا نتاج تلك التخمة.. حتى ينصب المشاهد نفسه ناقداً لا يعجبه عجب ولا صيام رجب.. ولا توب المذيعة التوتل ولا ثوب القصب.. اهمال القائمين بالأمر ولا تعب ولا وصب..! كلو عند العرب صابون..! إذ لابد من البحث عن الجديد وما أن تبتكر الفضائية برنامجاً يعجب الناس.. حتى يصيبهم منه الملل ويطلبون المزيد.. قنوات إخبارية.. غنائية.. موسيقية.. دينية.. مسلسلات ودراما.. أفلام قديمة وجديدة.. وبرامج بشتى الأنواع، رياضية ثقافية حوارية.. ترفيهية.. والناس لسه زهجانة..! اتعلمون لماذا..؟ لأن كل شيء متاح.. وابن آدم دوماً يفتقد اللاشيء.. اللا موجود.. إلا في الخيال.. إن القائمين على أمر هذه الفضائيات بشر مهما بلغوا من القدرات، فهي قدرات محدودة.. فلماذا لا يكف الناس عن التذمر.. والبحث في القنوات التي تناسب الذوق أو الميول، فمن المستحيل ألاَّ تجد فيها ما يجذبك..! الملل والتكرار ليس في الفضائيات بل في أنفسنا التي لا تحمد الله على النعم.. والتي تسخط مهما وجدت من مغريات طالبة المزيد..! زاوية أخيرة: الزخم الإعلامي الموجود على الساحة سبب تخمة للمشاهد.. فأين يكمن الخلل.. والإنتاج زايد.. والاجتهادات لا تتوقف والفضائيات كل يوم تلبس ثوب وتخلع آخر إرضاء لأناس لا يرضيهم شيء لأنهم حصلوا على كل شيء..!