يبدو أن الحزب الاتحادي الديمقراطي «الأصل» قد فقد البوصلة وفي طريقه إلى التفرق أيدي سبأ، فالحزب لم تعد قيادته تحكم السيطرة على أطرافه وتخومه وحتى أعضائه، فأصبح الحزب عبارة عن مظلة كبيرة يستظل بها من يريد ثم يتركها ويذهب إلى حال سبيله. و قضية التوم هجو، العضو البارز في الحزب ومرشحه لمنصب الوالي بولاية سنار في الانتخابات الأخيرة، والذي كان وما يزال مقرباً من زعيم الحزب مولانا محمد عثمان الميرغني، هي أوضح مثال على حالة «السيولة» التنظيمية التي يعيشها هذا الحزب العجوز. والقضية الفضيحة تتلخص في أن الحزب الاتحادي وبعد ثلاثة أيام تقريباً من تمرد والي النيل الأزرق السابق مالك عقار، أصدر بياناً ممهوراً بتوقيع عبد الناصر سليمان البلولة مدير مكتب المتحدث الرسمي باسم الحزب حاتم السر عبر فيه عن «قلق» الحزب على مصير التوم هجو الذي يشغل منصب مستشار والي النيل الأزرق السابق مالك عقار. وأوضح ذلك البيان أن «هجو» غادر بلدته بولاية سنار متوجهاً إلى «مكان عمله» بالدمازين صباح يوم الجمعة.. وأضاف البيان أنه لم تتوفر أية معلومات عنه وأصبح مكانه مجهولاً وفي عداد المفقودين على حد تعبير البيان، وأعرب البيان عن تخوف الحزب من تعرض الرجل للتصفية أو الاختطاف، وحذر من أي مساس به، وحمَّل البيان صراحة الحكومة والمؤتمر الوطني «هذه الشماعة الجاهزة» مسؤولية سلامته الشخصية وأمنه، ولإضفاء مزيد من المصداقية على اتهام الحكومة ذكر البيان أن أفراد أسرة التوم هجو كانوا قد أفادوا بأن عناصر أمنية ترددت بشكل مكثف على بلدته يسألون عنه بإلحاح. ولكن لم تمر 48 ساعة من صدور البيان إلا وظهر «القط وهو ينط» مع رئيسه وحبيبه ورفيقه مالك عقار في مؤتمره الصحفي الذي عقده في مدينة الكرمك ظهر يوم الخميس الماضي، حيث شن «هجو» هجوماً عنيفاً على المؤتمر الوطني متهماً إياه بالتسبب في الأحداث الأخيرة، وتلك كانت فضيحة الحزب التي لها جلاجل . فواضح أن الحزب لم يكن يعلم شيئاً عن عضوه البارز وتحركاته واتصالاته وعلاقاته بالحركة الشعبية وبمالك عقار بشكل خاص، كما أن التسرع بتحميل الحكومة المسؤولية بهذا الشكل أظهر الحزب بمظهر الضعف وافتقاره إلى المعلومات الصحيحة وجهله بمدى ولاء وانتماء عضويته له، ويعطي انطباعاً على أن الحزب أصبح خالياً من المؤسسات والأجهزة التنظيمية التي تضفي عليه صفة الحزب وتميزه عن باقي التجمعات والكيانات الأخرى غير السياسية. فعلاقة التوم هجو بالحركة الشعبية لتحرير السودان علاقة عضوية بدأت منذ أيام «النضال» ضد الحكومة فيما عرف بالتجمع الوطني الديمقراطي الذي كان يرأسه مولانا محمد عثمان الميرغني، وكان يضم في عضويته الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة الراحل قرنق ، فقد توطدت علاقات التوم هجو بقيادات الحركة في ذلك الوقت، وكان قريباً جداً من جون قرنق وأقام علاقات صداقة خاصة بقياداتها ومن أبرزهم مالك عقار، وهو كان ينادي دائماً بإقامة علاقة إستراتيجية قوية بين الحزب الاتحادي والحركة الشعبية.. وفي انتخابات جنوب كردفان الأخيرة أعلن وقوف الحزب الاتحادي مع مرشح الحركة الشعبية لمنصب الوالي عبد العزيز الحلو مما أثار غباراً كثيفاً وخلافاً داخل الحزب بين مستنكر ومؤيد، وكان هجو قد انسلخ من الحزب الاتحادي ثم عاد إليه أثناء الانتخابات الأخيرة مرشحاً عن الحزب لمنصب والي ولاية سنار، ولكن خسر الرجل الانتخابات، فتكرم عليه مالك عقار بتعيينه مستشاراً له للشؤون الدينية والأوقاف بعد موافقة و «مباركة» مولانا محمد عثمان الميرغني . والسؤال البديهي الذي يفرض نفسه تلقائياً في هذا المقام هو هل كان هجو بحق «غواصة» الحركة الشعبية داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي، أم أنه أصلاً كان وما يزال غواصة الحزب الاتحادي داخل الحركة الشعبية أم أنه كان «مزدوجاً»؟، وهذا النوع الأخير من الغواصات لا يظهر إلا بعد أن يتم «كشفه» من أحد الطرفين، فيقوم الطرف الكاشف بتجنيده لصالحه، وفي هذه الحالة هذا الطرف الكاشف هو المسيطر و الأكثر استفادة من خدمات الرجل، وفي الغالب لا تستمر هذه الحالة طويلاً، إذا كانت قرون استشعار الطرف المخدوع نشطة، فأي الحزبين يا تري هو المخدوع وأيهما هو المخادع ؟.. وأكثر ما أضحكني في هذه القضية ما أوردته الزميلة «الأحداث» السبت عن مصادر اتحادية قولها أن محاسبة التوم هجو بسبب ظهوره مع عقار مستبعدة، لأنه موقف «شخصي» ينم عن وفاء شخصي منه للوالي وأنه حتي الآن لم يعلن دعمه للحركة الشعبية أو مساندته لها أو الانخراط في أعمالها.. وللذين يبحثون عن إجابة السؤال البديهي أعلاه أن يستنتجوها بعد التأمل في حكاية الوفاء الشخصي هذه من هجو لمالك عقار.!!. وحفظ الله مراراتكم من الفقع . آمين.