القيادي بالحزب الشيوعي والناطق الرسمي باسمه الأستاذ يوسف حسين من الشخصيات السياسية المعروفة على مستوى الساحة السياسية السودانية، لهذا جلست إليه «آخر لحظة» في حوار لتسليط الضوء على بعض الحقائق، وقد طرحنا عليه عدة أسئلة منها المتعلق بالأوضاع التنظيمية داخل الحزب والممارسة الديمقراطية، فضلاً عن الحديث عن علاقة الحزب بقطاع الشمال بالحركة، وتناولنا معه الاستفهامات ليوليو 1971م، ومدى علاقة الحزب بالانقلاب، ووجه الشبه بينها وبين الانقلاب الإنقاذي، على اعتبار أن اليمين واليسار قد دلفا للسلطة عبر ذات البوابة.. تطرقنا كذلك للراهن السياسي ودارفور كانت حضوراً.. فإلى مضابط الحوار: ما هي رؤيتكم حول الوضع السياسي الراهن؟ - المؤتمر الوطني تقع عليه المسؤولية كاملة غير منقوصة في الكارثة التي حدثت قبل فترة المتمثلة في الانفصال، وذلك لأثر سياساته التي يقوم بها، مثل الدولة الدينية، والتوجه الأحادي، وغياب التنمية في بعض المناطق خاصة الجنوب، حتى بعد نيفاشا لم تظهر تنمية في الجنوب، وفي تقديري أن جوهر اتفاق نيفاشا كان يستدعي قيام مؤسسات قومية لاستغلال القضاء وغيره من المؤسسات المهمة. بعد الانفصال أصبح الواقع جديداً، لأن المنظومة السياسية التي كانت موجودة انتهت، وهي شراكة الحركة مع المؤتمر الوطني، هذا الوضع الحالي يتطلب تلاقي أهل شمال السودان للتفاكر حول القضايا للوصول إلى منظومة سياسية، ومن هنا بدأ الحديث عن حكومة قومية انتقالية تسعى للحل السياسي القومي لأزمة دارفور، وايقاف الحرب في جنوب كردفان، والحيلولة دون ظهور الحرب في النيل الأزرق، وإقامة علاقات أخوية مع دولة الجنوبالجديدة، لتوطيد السلام الذي بدأه الطرفان وللتكامل الاقتصادي، لكن الواقع يؤكد أن المؤتمر الوطني يواصل سياساته وبدأها باغلاق الحدود بين الشمال والجنوب حتى بالنسبة للتبادل التجاري، وقام باحتلال ابيي من منطلق انها شمالية، بالرغم من أن نيفاشا والبروتوكول والتحكيم الذي تم لا يقول إنها شمالية، ثم بدأت الحرب في جنوب كردفان واستمرار أزمة دارفور، مع إضافة عامل مهم وهو الضائقة المعيشية، الحكومة تطلق تصريحاتها بقدرتها على الاستمرار بدون بترول الجنوب، لكن من أهم أسباب الضائقة المعيشية عائدات البترول التي ليس لنا حق فيها بعد الانفصال، لكن المؤتمر الوطني يريد حل هذه الأزمة خصماً على الشعب. ما هي أطروحاتكم لحل هذه الأزمة الإقتصادية والضائقة المعيشية؟ - تقليل الصرف على أجهزة الدولة والأمن والدفاع التي تصرف عليه الحكومة ببذخ، وإلغاء سياسة التحرير الاقتصادي.. وقد طرحنا الحكومة القومية الانتقالية لحل كل هذه الأزمات، وتعد البلاد الى انتخابات جديدة حرة ونزيهة، لكن الحكومة تنادي الآن بحكومة ذات قاعدة عريضة وكأنما لم يحدث شيء، نفس المؤتمر الوطني وعمر البشير وهذا لن يحل الأزمات، رؤيتنا أن الجلوس مع كل أهل السودان بما فيه المؤتمر الوطني للتفاكر الجاد. ذكرت عبارة استمرار أزمة دارفور، ألا تعتقد أن اتفاق الدوحة سيعالج الأزمة؟ - لا.. فاتفاق الدوحة ثنائي جزئي لم يحل المشاكل ولن يحسن أوضاع أهل دارفور. كثُر الحديث عن علاقة الحزب الشيوعي بقطاع الشمال في الحركة الشعبية، ما هو شكل العلاقة خاصة بعد الانفصال الذي تم مؤخراً؟ - ارتبط الحزب الشيوعي بقطاع الشمال بعد وقوقنا في الانتخابات الى جانب عبد العزيز الحلو، نحن حزب معترف به ولديه شخصيته الاعتبارية، والمعلوم أن للأحزاب نشاطات مثل الندوات وعقد المؤتمرات وغيرها. كما أنه بموجب القانون يقتضي الترشح للانتخابات أو الاتفاق مع أي الأحزاب والوقوف معه في الانتخابات، ونحن اخترنا الوقوف مع الحلو. لماذا؟ - لأن أطروحاته ديمقراطية سليمة وواضحة، ولتطابق برامجنا مع الحلو في ما يخص المهمشين، ورأينا أنه يجب أن نقف ضد أحمد هارون، لأنه مطلوب للعدالة الدولية. لكن يتردد حديث أن الحزب فشل في تحقيق برنامجه الجماهيري، ولجأ لتنفيذه عبر الحركة وقطاع الشمال تحديداً؟ - بوقوفنا مع الحلو في الانتخابات اعتقد المؤتمر الوطني أن لنا يد في ما قام به الحلو بعد ذلك، بالرغم من وقوفنا معه كان في الانتخابات ولتطابق البرامج كما ذكرت سابقاً، إلا أننا لا زلنا نسعى لانهاء الحرب في جنوب كردفان، وهذا لمصلحة الوطن، لذلك التقينا بقطاع الشمال لضرورة حل الاشكال بالتفاوض، وكان الحضور من جانب الحركة عقار وعرمان وآخرين، وقد ظل الحزب وصحيفته يدعوان للحوار والتفاوض، وأيدنا الاتفاق الإطاري في اديس ابابا لأنه يصلح لحل الأزمة، وبعد الانفصال ما زال قطاع الشمال موجوداً هنا، ونقيم معه علاقات مثله مثل بقية الأحزاب، وإذا كانت الحكومة لديها تحفظات لعدم تسجيلهم هذا شأنهم وحدهم، نحن لم نفشل ونمارس حقنا مثل كل الأحزاب كما أننا أعضاء معهم في تحالف وطني عريض. هل هناك مساعٍ لوحدة اليسار السوداني كأحزاب سياسية؟ - من حيث المبدأ نحن لسنا ضد وحدة اليسار، لكن نرى أن المهام المطروحة في جدول عمل الشعب السوداني اليوم أكبر وأهم من ذلك، لأن ذلك يمكن أن تمثله الخطوة القادمة. ما هي تلك المهام الكبيرة التي ذكرتها؟ - هي استعادة الديمقراطية وتفكيك الشمولية وحكم الحزب الواحد، وهذا لا يحتاج إلى حزب يسار بل يجب أن يصارع كل الشعب من أجلها، لذلك نحن موجودون في التحالف الوطني ومعنا كذلك الناصريين والبعثيين والجبهة الوطنية. أين الحزب الشيوعي الآن من حركة النضال الجماهيري؟ - الحزب مثل بقية الأحزاب تعرض لقمع وتنكيل بعد 30 يونيو وجففت المصادر المالية عن طريق فصل الشيوعيين للصالح العام، وبذلك انتهى بند المشاركات، وهذا قد أضعف الحزب وكل الأحزاب ضعفت في ظل الديكتاتورية، لكن نحن وفي ظل السرية كنا نحافظ على علاقاتنا مع الجماهير، وكانت صحيفتنا تطبع سراً وتصل للناس، ولدينا العدد الأكبر من المناضلين الذين أخذوهم لبيوت الأشباح والمعتقلات، وتم تعذيبهم كثيراً لكن بعد الدستور الانتقالي ونيفاشا بدأنا في التحرك الأوسع ونظمنا ندوات في كل أقاليم السودان وأصدرنا صحيفتنا بصورة علنية، وعقدنا مؤتمرنا الخامس ونظمنا قواعدنا وأصبحت اطروحاتنا معروفة، لكن الغريب في الأمر أن المؤتمر الوطني يقول الحزب الشيوعي ليس له أثر، ومن ناحية ثانية يقول إن التحالف يحركه الشيوعي. ذاكرة التاريخ السوداني تختزن محاولة الحزب الشيوعي بانقضاض عسكري في يوليو 1971م توجت بالفشل الذي لا يعفي الحزب من وصفه بالحزب الانقلابي؟ - هي خطوة اتخذها تنظيم الضباط الأحرار، ونحن كحركة سياسية كنا ضمنهم، وحسب تقديرهم في ذلك الزمان ضرورة القيام بانقلاب نتيجة لحيثيات أن نميري خائن للأهداف المعلنة، وجاءت الأنباء أن قوى يمينية في الجيش توحدت وهي جاهزة للانقلاب، لذلك أصر الضباط الأحرار على الانقلاب لقطع الطريق أمام هؤلاء، لم نوافق على ما قام به الضباط الأحرار لأن الحزب الشيوعي يؤمن بالتداول السلمي للسلطة، لذلك لم يكن له دور في انقلاب 1971م. هل هناك وجه شبه بين ما تم في تلك الفترة وما قامت به الجبهة الإسلامية في يونيو 1989م؟ - حدث نفس الشيء، لأن نظام نميري كان ضعيفاً والحكومة التي كانت موجودة ضعيفة، لذلك أطاحت الجبهة الإسلامية بالحكم. ما الذي حدث بشأن تجديد أفكار الحزب؟ - جددنا أفكار الحزب في المؤتمر الخامس وتم تغيير الكثير من اطروحاتنا وحاولنا التخلص من آثار النمط السوفيتي ليكون التحول الديمقراطي في الحزب هو الأساس ورأينا أن نستفيد من تراث شعبنا في تغذية اطروحاتنا سياسياً، فتراث السلطة الزرقاء يؤشر إلى تحالف واسع، لأن الحزب الواحد لن ينفع الوطن والشمولية أيضاً، فقد خربت سوبا بعد تحالف الفونج والعبدلاب، والثورة المهدية نجحت للتحالف الذي تم، لكن عندما جاء الخليفة عبد الله خلط «الكيمان» مما أضعف الثورة، وباب التجديد في الحزب الشيوعي لم يقفل والمؤتمر الخامس للحزب بدأ السير فيه وقدم انجازاته.