مرونة الإسلام ووسطيته وقدرة علمائه على الاجتهاد والتجديد جعلته الدين الصالح لكل زمان ومكان والقادر على حل مشاكل الحياة على مر العصور. الإقتصاد الإسلامي وخاصة في مجال المصيرفة الإسلامية قطع شوطاً مقدراً في التطبيق أقنع حتى الذين لا يدينون بالإسلام على صلاحيته وقدرته علي الصمود إزاء الأزمات الإقتصادية التي تجتاح العالم، ومن قبل ذلك طبيعته السوية التي لا تخلق النقود - كما يقولون - ولا تساعد في إحداث التضخم وإرباك الأسواق وسوء الممارسات الإقتصادية. لذلك فإن التوسع في تطبيق المزيد من الصيغ الإسلامية يدفع بالنظام المصرفي الإسلامي دفعات ويقوي من بنيانه ويسد كثيراً من الثغرات في احتياج المجتمع للتعامل مع البنوك ويوسع من قدرته على استقطاب المتعاملين فتقوى البنوك وينتفع المتعاملون معها. أحسن البنك المركزي خيراً بتكوينه للجنة من العلماء والإقتصاديين والمصرفيين للنظر في تطوير الصيغ الإسلامية المطبقة واستحداث صيغ جديدة تواكب التطور الحادث في الإقتصاد عموماً وفي القطاع المصرفي على وجه الخصوص وتسد حاجات المجتمع المختلفة في الاحتياج للتمويل والاستثمار. إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تطبق صيغة عقد الإجارة المنتهية بالتمليك في مصارفنا السودانية؟ وهي صيغة إسلامية مجازة شرعاً ولها القدرة على تغطية مساحات واسعة في تمويل كثير من الأفراد والمؤسسات والقطاعات. أدخلت الإجارة كاسلوب تمويلي بالمصارف الإسلامية في التسعينيات من القرن الماضي وذلك بعد أبحاث ودراسات فنية وشرعية داخل البنوك وخارجها، وقد كان لمجموعة دار المال الإسلامي ومجموعة دلة البركة السبق في إعداد عقد تحت اسم (الإجارة والاقتناء). هذه الصيغة تعتبر من أهم صيغ التمويل الإسلامي في المصارف الإسلامية لحاجة الناس لها في توفير دور السكن والنقل والترحيل وإلى الآلات والمعدات لأعمالهم ومعاشهم. فالمصرف الإسلامي يغتني الموجودات والأصول استجابة لطلب مؤكد من عملائه بغرض تملك الأصوال عن طريق الإجارة المنتهية بالتمليك، فالأصول المؤجرة لا تبغى في ملكية المصرف بعد نهاية عقد الإجارة كما هو الحال في عقد الإجارة التشغيلية وإنما تنتقل الى ملكية المستأجر (العميل) حسب الاتفاق الذي تم بينهما في عقد المواعدة. ومن المصارف والمؤسسات المالية التي طبقت صيغة عقد الإجارة من خارج السودان البنك الإسلامي للتنمية بجدة ومصارف دولة الأمارات العربية المتحدة والمصرف الإسلامي بمملكة البحرين والبنك الإسلامي بالأردن ومجموعة دلة البركة وبعض المصارف السودانية ولكن في مجال ضيق. ولابد لنا ونحن نشجع تطبيق هذه الصيغة من ذكر بعض مزايا التعامل على سبيل المثال:- 1/ عقد شرعي حسب ما صدر من فتاوى شرعية جوزت التعامل به. 2/ عقد مرن يسهل التعامل به، كما أنه يتيح للطرفين (طرفي التعامل) تعديل قيمة القسط الايجاري بالزيادة والنقصان عند انتهاء فترة العقد المبرم والدخول في فترة جديدة إضافية. 3/ تتيح للمستأجر إمتلاك الأصل المؤجر عن طريق التزامه بدفع أقساط الاجارة حيث يظل منتفعاً باستعمال العين ومطمئناً لامتلاكها بسداد آخر قسط. كما أن المصرف يحتفظ بملكية العين المتعاقد عليها وهو لا يتنازل عن ملكيته (بالهبة أو البيع - بالسعر الرمزي أو الحقيقي) إلا بعد سداد المستأجر جميع الأقساط المتفق عليها. ولكي يطمئن المتعاملون مع البنك من شرعية هذا العقد فإني أورد في اختصار شديد بعض الفتاوى التي صدرت في شأنه:- 1/ جاء جوازه في كتاب هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية «البحرين» ص 303 - 308. 2/ الفتوى الصادرة عن الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي (1981م) بشأن التأجير المنتهي بالتمليك. 3/ قرار رقم (6) الصادر عن مجمع الفقه الإسلامي عام (1988م) بشأن التأجير المنتهي بالتمليك - من ضمن الفتوى جواز شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة حسب قواعد المواعدة. 4/ فتوى العالم الجليل الدكتور وهبة الزحيلي والتي جاءت في اصدارات مجموعة دلة البركة للاستثمار والتنمية بإجازة صيغة عقد الإجارة المنتهية بالتمليك أما بالهبة أو البيع بسعر رمزي أو سعر حقيقي (سعر السوق). وأخيراً جوزت الهيئة العليا للرقابة الشرعية للبنوك والمؤسسات المالية بالسودان العمل بها مع الالتزام عند التطبيق بالسلامة الشرعية والمصرفية. بعد كل الذي أوردت يتضح أهمية وضرورة تطبيق هذه الصيغة بعة أن اتضحت سلامتها من الناحية الشريعية واحتياج الأفراد والمجتمع والمصارف والإقتصاد الوطني لها وبعد أن وقفنا على تطبيقها في بعض الدول من كافة بنوكها وأدعو السيد محافظ بنك السودان المركزي لتبني تطبيقها كما أدعو سائر المصارف السودانية الإسراع في إنزالها إلى أرض الواقع وأحث سائر المتعاملين مع البنوك الإقبال عليها. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.