الدكتور عبد الرحمن الخضر.. والي ولاية الخرطوم.. مرة أخرى.. لك التحايا والود والسلام.. وبالأمس.. توقفنا عند «قناعتي باطن وظاهر» من رد إيجابي أو فعل نافذ.. أو قرار راسخ يقضي.. أو يقول.. إن ولاية الخرطوم قد اخترقت.. أسوار سياسة الخصخصة الشاهقة العالية.. وأنها قد هتكت أو هدمت ركناً ركيناً من حوائط التحرير التي ظل يعربد فيها وفي طلاقة السوق.. أقول إني أتسربل باليأس والأسى ليس لعدم كفاءة في مقدرتك.. ولا لرخاوة في إدارتك.. ولكن لأن ولاية الخرطوم هي ترس فقط في ماكينة هائلة هائجة.. عديمة القلب.. منزوعة الرحمة.. يقودها في تهور إخوة لك.. لا يرون في كل كتاب الله المطهر.. وآياته البينات الناصعات غير «أحل الله البيع وحرم الربا».. ولو كانوا يعلمون أو يفقهون حقاً.. لعرفوا إن هذا الدين هو دين الرحمة.. دين الرأفة.. دين السماحة.. دين يقول رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى.. وإذا قضى وإذا اقتضى.. لو كانوا يعلمون أن هذاالدين المجلل بباهر الأخلاق.. التي بعث الله رسوله المعصوم ليتممها.. ومكارم الأخلاق تمنع الإحتكار..وها هم مصاصو دماء الشعب.. يحتكرون في شراهة و«شرفة» وعدم أخلاق.. السكر.. يحتكرون الدقيق.. يحتكرون حبوب الزيوت.. ويرهنون بل يصادرون حتى الأحلام والابتسام.. ولبن الأطفال في الصدور.. سيدي.. أنا ضد تحرير الأسعار، ضد السوق الحر.. ضد رفع الدولة يدها عن وسائل الانتاج.. أنا- يا دكتور- ما زلت «مسمراً» في محطة القطار ذاك الذي توقف عند قصر الشتاء.. ومعهد سمولليني.. ومازلت أردد في هدير.. سيطرة الدولة وهيمنتها على كافة وسائل الإنتاج.. ما زلت أحن وأتمنى أن يعود ليس للسودان فحسب، بل لكل الدنيا.. ذاك الشعار النبيل.. الذي ظل يتردد في تلك الأيام.. وهو من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته.. نعم باتت بعد أن تمكنتم بالبلاد بالكامل.. باتت مجرد أمنيات وأحلام يقظة وبكاءً مراً على اللبن الذي انسكب، وغاصت دفقاته بين شقوق التربة.. لم يتبق شيء غير الرضا قسراً وكرهاً وعنوة بالأمر الواقع.. وهو الاستكانة لتحرير الأسعار وانطلاق غول السوق.. ولكن يجب أن تعلم سيدي الدكتور.. إن تحرير الأسعار وحرية السوق يجب أن تترادف معه.. وتصاحبه أخلاق شاسعة ونبيلة من التجار.. وهم للأسف يبعدون عن هذه القيم الفاضلة.. النبيلة الإنسانية.. بأميال وفراسخ.. إنهم يتدافعون ركضاً نحو الثراء وتضخم الثروات.. تدافع الوحوش.. وللأسف.. نجد أن تحرير الأسعار وحرية السوق.. تمضي في سلاسة وأناقة في كل الدول الأوربية.. وحتى أمريكا.. ففي دول «الكفار» هؤلاء.. نجد احتراماً وتوقيراً.. ولطفاً.. ورأفة.. وبذلاً للمستهلك ليس هناك مساحة حتى في «خرم إبرة» يمكن أن ينفذ من خلالها.. مستهبل.. أو جشع.. أو «حرامي» أسعار وإحتكار.. هناك أي سلعة، حتى وإن كان قلم رصاص.. يجب أن يحمل وهو بالفعل يحمل قيمة ثمنه وإن كان «بالسنت» أو «البنس».. و «برضو تقولوا حكمنا شريعة، وتاني ما في طريقة لي حكم علماني!!» ودعني اسألك وأنا واثق أنك سوف تجيب صادقاً.. أي التجار أقرب مسافة لشرع الله المطهر.. أولئك التجار «الكفرة الفجرة» أو «أخواننا» التجار المسلمين الذين ما فتئوا يتفننون ويبتكرون في وسائل «شفط» أي مليم من المواطن السوداني الحزين.. وأيهما أقرب لتعاليم الإسلام.. أولئك الذين يمارسون ويعيشون العلمانية في كل أسواقهم ومصانعهم ومزارعهم.. أو إخوتنا الذين يرفعون المصاحف على أسنة الرماح.. سيدي الدكتور.. لقد سقط هؤلاء التجار في مستنقع الجشع، ورسبوا في مادة الأخلاق.. لذلك ومن أجل ذلك.. نقول لك إن اختراق هذه السياسة واجب ديني قبل أن يكون أخلاقياً.. وإنسانياً.. فقد قال ذو النورين.. سيدنا عثمان بن عفان.. إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.. وختاماً.. سيدي الدكتور.. دعني أحكي لك هذه اللمحة.. أو المثال عن عدم أخلاق بعض التجار.. أمر قد حدث بالأمس فقط.. وهو وفي أول يوم من أيام مقاطعة اللحوم الذي دعت له جمعية حماية المستهلك الراقية الوطنية.. استغل تجار الأسماك والفراخ.. مقاطعة المواطنين للحوم.. فقفزوا بأسعار هاتين السلعتين حتى تضاعف سعرها.. استغلالاً بشعاً وقبيحاً للمواطنين.. في تجرد عارٍ من كل خلق أو أخلاق.. أو دين.. وراقب معنا.. ونتمنى أن تكون معنا مقاطعاً لكل سلعة نجد أنه يجب مقاطعتها.. راقب معنا جيداً.. ألاعيب ومهارة وشطارة التجار.. إذا قررنا مقاطعة سلعة ما.. وكيف تكون ردة الفعل.. ماكرة.. وانتهازية.. مع السلامة.. وبكرة.. نواصل..