ومرة أخرى.. تحايا وسلام إلى الدكتور عبد الرحمن الخضر ونبدأ «الونسة».. ونعود إلى زمان غير هذا.. وكنا حضوراً في منزل الوالي- الخضر- كان الزمان هو أمسية من ليالي رمضان.. أذكر عندها.. إن الدكتور.. كان وسط جمع من الإعلاميين.. لم يكن مؤتمراً صحفياً.. ولا تصريحاً حصرياً.. واسعاً أو مقتضباً.. كان لقاءً تشاورياً.. أو إن شئت سمه تفاكرياً.. طرح الدكتور الخضر.. بل كان الرجل يتلمس خطواته تلك التي تسير في ربوع ولاية الخرطوم التي جاءها والياً.. والحقيقة أن السير في طرقات الخرطوم هو- حقاً وفعلاً وصدقاً- أهون كثيراً من إجتياز حقل من الألغام.. عندها تحدثت.. صادقاً وقلت واثقاً إن الذي يحكم الخرطوم.. هو الحاكم الفعلي للسودان.. ليس ذلك انحيازاً عنصرياً مجنوناً ولا تباهياً جغرافياً بليداً لموطني الخرطوم.. فقط لأن الخرطوم هي السودان المصغر، بل هي البوتقة التي انصهرت فيها كل ألوان طيف السودان.. فوق أنها تضم في أحشائها ربع سكان كل السودان.. وعندما طرح علينا الدكتور الخطوط العريضة لسياسته الاقتصادية، وكيف السبيل إلى الحلول والعلاج.. واصلت حديثي مع الدكتور وسط ذاك الحضور الإعلامي النوعي، بل كانت كلماتي التي قلتها نصاً «يا دكتور.. إن ذاك الجحيم الذي يعيشه المواطن السوداني وهو يجابه غلاءً فادحاً في الأسعار، هو نتاج حتمي لسياسة التحرير التي انتهجتها الحكومة، وسياسة التحرير ورفع الدولة يدها عن كامل النشاط الاقتصادي زاد الأغنياء غنى وزاد الفقراء فقراً.. وليست هناك دولة في الأرض تطلق السوق بأسنانه المتوحشة ليلغ في دماء وليس أموال الشعب.. لا يحدث ذلك حتى في أعتى الدول الرأسمالية رسوخاً.. واصلت قائلاً إن تحرير الأسعار يحتاج غير وفرة السلع والانتاج.. يحتاج أخلاقاً شاسعة وشاهقة، وبالأسف أن معظم وجل التجار لا يملكون الحد الأدنى من ذلك.. وإن سياسة التحرير ليست قرآناً ولا وحياً هبط من السماء.. بل هي قوانين وضعية أثبتت فشلها التام واخفاقها الواضح الذي انعكس ناراً لم تكن برداً ولا سلاماً على مواطني البلاد من الفقراء، وعليه إني اقترح عليك كوالٍ للخرطوم أن تخترق تلك السياسة.. سياسة الدولة بجرعة «ماركسية» وتضع الولاية خطوطاً حمراء لبعض السلع الضرورية والحيوية التي تمس قلب حياة الناس.. أذكر جيداً إجابتك وأنت- تبتسم- «نعم سنخترق تلك السياسة، ولكن ليس بجرعة ماركسية بل بجرعة تراعي حق الدولة وحق الشعب.. إن شاء الله». والآن ما أشبه الليلة بالبارحة.. بل كانت البارحة أفضل وأيسر من الذي نجابهه الآن.. فها هي الأزمة الاقتصادية التي اعترفت بها الحكومة- مكرهة- تمسك بخناق الشعب حتى كادت روحه تذهب.. واليوم أجدني مضطراً لإعادة مطالبتي تلك باصرار والحاح.. وأقول إنه ما من طبقة في التاريخ تتنازل عن امتيازاتها بمحض إرادتها وإن شئت «التأصيل» نقول لك بل نتلو عليك كلمات «أمير المؤمنين عثمان بن عفان «رضي الله عنه» إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن». أنا سيدي.. لست واهماً.. ولست حالماً.. ولكني أطلب منك الوفاء بوعدك وأن تخترق تلك السياسة- سياسة التحرير- بأن تضع الولاية يدها على سلع- الدقيق، والسكر، والزيوت، والدواء- تحت أيديها.. وأن تكون الولاية هي المالكة تماماً وكلياً لهذه السلع.. توزعها بالقنوات المتاحة لها.. وتسعرها تسعيرة «جبرية» صارمة لها قيود وقوانين وسجن وتفتيش ومحاكمة، وذلك بعد أن فشلت تماماً سياسة التحرير تلك المتوحشة.. لا تقل لي إن الحكم الفدرالي أو الاتحادي يمنع ذلك.. إنت والٍ يهمك تماماً أمر ولايتك وأمر شعبك.. تمرد على تلك القوانين.. وتأكد أن ذلك تمرد مشروع.. بل تأكد تماماً أن شعب الولاية- صاحب المصلحة الحقيقية سوف يدافع عن ذاك التمرد.. وسيدعم بقوة تلك السياسة- إن نجحت وحتماً سوف تنجح.. مع السلام وبكرة إن شاء الله آخر الوصايا