كنت في كينيا عندما أعلن السودان قبول مبادرة الإيقاد لو تذكرون حينما أمر الإجتماع الذي حضره بجانب وفد حكومة السودان دول الأيقاد وما يسمون(بأصدقاء الإيقاد آنذاك) وهي دول أمريكا، فرنسا، انجلترا، إيطاليا، النرويج والدول التي تسير على ركابها.. ومبادرة الإيقاد لم يوافق عليها الوفد الحكومي آنذاك بمفرداتها التي تقر قيام دولة علمانية خالية من الشريعة الإسلامية وقوانينها المطبقة وإنما جاءت الموافقة والقبول بالمبادرة كمبدأ قبول للحوار حول مفاهيمها وليس مضامينها.. كما فهمت آنذاك.. وكما جاء في نصوص الإتفاقية فيما بعد وكما وضح في الدستور الإنتقالي الذي لم يقر بالدول العلمانية ولا يزاد عنه الشريعة المعلنة في شمال السودان وترك الجنوب كل يدين بما يؤمن به من حيث المبدأ.. وكانت تلك نقطة البداية للحكومة في الدخول في أجواء الإتفاقية وكانت نقطة القبول من قبل الأصدقاء الذين تحولوا من عندهم إلى شركاء يقاسموننا الرأي في مصير ومستقبل دولة السودان. وعقب سيناريو المفاوضات الطويل في مشاكوس وناكورو ونيفاشا وهي اسماء لمناطق ومدن كينية لا أدري كيف تم اختيارها ولماذا ولا ندري مع من من أطراف التفاوض كانت تقف دول الإيقاد وشركائهم رغم أننا كإعلاميين ذهبنا إلى هذه المناطق عدة مرات خلال العام الذي استغرقته تلك المفاوضات التي كنا نحسن خلالها الظن بدول الإيقاد وشركائهم ونتعامل مع أخواننا في وفد الحركة المفاوض بكل حسن النية والطيبة لكي تقف الحرب ويحل السلام ربوع بلادنا لينعم شعب السودان به وبالأمان وهو يتجول في كل المناطق السودانية.. ولكن أثناء ذلك كانت تلك القوى وبمعرفة الشريك المفاوض تعمل بكل ما تملك للتآمر علينا والغدر بنا في منطقة أخرى عزيزة علينا هي دارفور وكان فيما أعلم أن قواتنا المسلحة كانت تحقق نصراً إثر نصر آنذاك وكانت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق النصر الشامل على حركة التمرد وقواتها بكل ما كانت تقدمه القوى الدولية بقيادة أمريكا وبريطانيا وإسرائيل من دعومات معلوماتية ولوجستية عن طريق المنظمة الدولية والأقمار الصناعية ومحاصرة الحكومات السودانية.. ولعل أول حادثة تم كشفها في إطار تلك المؤامرة طائرة الإسناد الروسية المستأجرة التي كانت تقوم بعمليات الإنزال والتموين والإخلاء للجرحى التي كانت تضع علامة الأممالمتحدة وتم ضبطها واحتجازها ثم إطلاق سراحها بعد مطالبات غريبة وضغوط جرت على الحكومة السودانية. إذن كان ما يسمى بالمجتمع الدولي وشركاء الإيقاد جميعهم يدبرون لنا المكائد.. ويتآمرون على وحدة السودان وسلامه الحقيقي وليس سلام المصافحات والابتسامات الكاذبة الباهته.. ورغم ذلك صدمنا كل ما كتب وقيل حول سلام نيفاشا وناكورو وماشاكوس.. واشتعلت الحرب في دارفور بين دولة قوية تمسك بزمام الأمن والاستقرار داخل حدودها السياسية والسيادية وحملة سلاح مدعومة من دول ومنظمات صهيونية وصليبية وشركات طامعة في قضيتي وحدة السودان ونهب موارده وثرواته.. ثم جاءت علينا قضية المحكمة الجنائية الدولية عقب سيناريو المبعوثين الدوليين الذين وضعوا أول نقاط التحول بالسودان من المواجهة العسكرية وتيقنهم من استحالة هزيمة إرادة أحفاد ملوك النيل الذين بنوا الحضارة الإنسانية رماة الحدق وعبقرياتهم الممزوجة بدم العرب الذين بنوا الحضارة العربية وكادوا أن يسودوا العالم بحضارتهم وتقدمهم العلمي والسياسي قبل ما يقارب الخمسة عشرة من القرون فكانت قائمة دان فورث التي حوت أولى خطوات إضافة المساءلة القانونية للمعارك الاستنزافية التي اعتمدوها لهز ثقة أهل السودان في قدراتهم وصمودهم في وجه كل أنواع الغزو العسكري.المؤامرة أطرافها ومعالمها واضحة وضوح الشمس وتداعياتها باقية ومستمرة بدليل أن حركة الإجراءات وصلت لمجلس الأمن الدولي بيسر وسهولة.. وبسرعة البرق أحال مجلس الأمن الأمر في مكر صهيوني واضح وفاضح إلى المحكمة الجنائية الدولية التي لا ولاية ولا وصاية ولا اختصاص لها على السودان وقضايا السودان، وقبلت المحكمة الأمر ومضت عبر المدعي العام لديها في سابقة غير مسبوقة لمحاكمة رئيس دولة له حصاناته وله مقامه بهدف الإساءة إليه وإلى شعبه المناضل الوفي الذي وقف في وجه هذا العدوان الجديد والإدعاء الكيدي الفاضح وإعادة انتخابه وألتف حوله في موقف لا يتوفر إلا للشعب السوداني ولا يحدث مثل هذا إلا في السودان. ولكن المؤسف في الأمر أن الجهات القانونية في السودان أوكلت أمر من يتولى دحض افتراءات المدعى وفضح أساليبه وألاعيبه بشخص يدعى الهادي شلوف.. لم يقم بما حتم عليه دوره وضميره القانوني وصار عدائياً للسودان ورئيسه وشعبه فوصف السودان بالغباء وصار مؤيداً لقرارات المحكمة رغم قناعات العالم الحر كله عرباً ومسلمين وأفارقه بعدم اختصاص هذه المحكمة بأمر السودان الذي ليس بعضو في هذه المحكمة ولم يوقع على ميثاقه.. بل أن هذا الهادي غير المهدي صار أداة لهيئة الإذاعة البريطانية التي لا تمر فرصة للنيل من السودان إلا وسعت إليه ليخرج علينا كل مرة بأحاديث ودعاوي تفوق في قوتها قوة النطق باسم المحكمة النسائية تلك وكانت آخر تعليقاته المعادية تصريحه لتلك الإذاعة بأن القرار الجديد للمحكمة بقبول أدعاء أوكامبو بالإبادة الجماعية يضيف قوة للقرار الأول بينما قالت الناطقة باسم المحكمة بأن هذا القرار لا يضيف أي قوة إضافية للقرار الأول.. وهو أمر يؤلم كل سوداني ويصيبه بالحسرة على الأموال التي دفعت له دون تبصر بمقدراته القانونية وانتمائه العربي والمهني في المقام الأول.