ً يحكى عن الفنان الراحل الفاضل سعيد أنه ذهب في السبعينيات لمكتب المرور وكان وقتها يسمى مكتب الحركة بالخرطوم وعندما وقف أمام الضابط المسؤول لإكمال المعاملة المطلوبة قال الضابط للفاضل سعيد أنا لن أمرر لك الورق إلا إذا حكيت نكتة أو أي اسكتش سريع لي ولهؤلاء الناس الذين يتزاحمون في «الصفوف». وببديهيته المعروفة حكى الفاضل نكتة الدجاجة المتيمة بقصة حب وقامت بأرسال جواب لبرنامج ما يطلبه المستمعون طلبت أغنية زيدان إبراهيم «في الليلة ديك» وضحك الضابط ومعه «الصف الزهجان» وعاش الجميع لبرهة من الزمن القليل في سعادة وموجة ضحك انستهم ولو قليلاً من الهم والغم!! في إحدى المرات سئل شاعرنا الراحل صلاح أحمد إبراهيم لم شعرك حزين؟!! فقال لأن شعبي حزين! وكذلك كان الفنان المعذب زيدان إبراهيم الذي يشبه هذا الإنسان. وهذا التراب وهذه الوجوه المتعبة الحزينة! ترى لمَ يلوذ السودانيون بهذه الواحة التي اسمها الفن وهذه الكوكبة من النجوم المشتعلة من فنانينا كزيدان إبراهيم؟ إنهم يهربون من «جحيم» الحكومات إلى واحة الابداع و«قادة» المجتمع الحقيقيين الذين يقدمون عطاءهم ورسالتهم بلا منٍ ولا أذى وبلا «مشاريع أو شعارات كذوبة» عندما تنظر الى وجهه وتتأمل اغنياته وانفعالاته الكبيرة فلن ينتابك سوى إحساس واحد لا غيره أن هذا المتعب المعذب «هو أنت»!! لا يمكن أن يغني فنان لأكثر من نصف قرن وشوارع المدينة تمتليء ببوستراته التي تقول إنه مطرب الموسم وفنان الشباب والجيل الا اذا كان يحمل أحاسيس صادقة وحقيقية تجاه جمهوره!! بكى الشعب السوداني أمس كما ظل يبكي كل يوم أوجاعه وآلامه «وقهره» الطويل وتوشحت كل شوارع المدن والقرى بالوشاح الأسود ولم تبك «العباسية» وحدها زيدان فقد بكى الجميع الفن الأصيل والكلمة الصادقة والإحساس المرهف وبكى «الشارع» الزمن الجميل وكأن لسان حاله يقول يرحل الفنان ويبكي كل ليلاه!! في الثمانينيات وأنا طالب ثانوي امتطي ظهر لوري في طريق شندي وأحد الركاب يؤنس وحشة المسافرين في هذه الفيافي المجدبة بمسجل «عتيق» ينبعث منه صوت زيدان وهو كحادي الركب يرفع حنجرته بالغناء في هذه السموم المسافرة فتطفيء بعض رهق يتملك اجسادنا النحيلة المتعبة حينها أخرجت كراسي وكتبت بعض ما جاد به ذاك المسجل بكل مشاعر الانفعال في ذاك الزمن الغض.. داوي ناري والتياعي وتمهل في وداعي.. يا حبيب الروح هب لي بعض لحظات سراع.. قف تأمل معذب العمر واخفاء الشعاع.. وابكي جبار الليالي هده طول الصراع.. ما يهم الناس من نجم على وشك الزماع.. غاب من بعد طلوعه وخبأ بعد الشعاع. وهكذا كان زيدان اللهم آنس وحشته وأرحمه وأغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنا لله وإنا إليه راجعون. ترجمة : السفير عوض الضو