التسامح الحقيقي هو أن تغفر للذي عاداك، وأن تنسى تماماً كل ما جرى من خلاف، وأن تنسى وتتناسى الغضب الذي دخل بينكم، وتطوي صفحة النزاع تماماً كأنه لم يحصل شيء، وتخيب ظن ونوايا الشيطان العدوانية الحاقدة التي تسعى دائماً لزرع الفتن والحروب، والشستات والدمار والخراب بين الناس، لتدمر الإنسان.. والشيطان هو العدو الأول للإنسان، فيجب الحذر منه ونهجه، لأنه يؤدي للفناء، ومنهجه موظف لتدمير الحياة والنماء، والصالحون هم اعداؤه اللدودون، وواجب أن نعمل الذي يرضي الله، وننهي عن الأعمال التي تغضبه حتى ترفل حياتنا في ثوب النعيم والسلام والأمن والرخاء والبهاء، كما وصانا ربنا الرحيم ونبينا الكريم على الطريق المستقيم، بأن نواصل من قطعنا، ونعطي من حرمنا، ونعفو عمن ظلمنا، وهذه هي السبل التي تؤدي للجنة والفوز في الدارين، ونهج الله ورسوله هو صمام الأمان الذي يحمينا من كل شر ودمار، ومن جهل طريق الدين والعلم أن طريقه يبقى ظلاماً ولا يصل إلى بر الإدمان. والتسامح هو هدف استراتيجي للبلاد والعباد، وهو يحفظ الود والإخاء بين الناس، ويزرع المحبة والحبور والأهازيج، ويؤلف قلوب الناس وهو شيء محبب للنفس، وهو نهج الصالحين الأبرار الأخيار، الذين يرثون الأرض ويعمروها ويوقدون فيها مشاعل الأنوار. والتسامح واجب على كل مؤمن ومؤمنة وعلى كل مواطن ومواطنة وهو مسؤولية الجميع.. يحفظ الأرض والعرض والزاد من كل جور وفساد، وهو يقوي العماد. والتسامح هو السلام والسلام هو اسم من أسماء الله الحسنى، وقد أمرت به جميع الديانات السماوية، وهو طريق الانتصار والاخيار والخير. خلاصة الكلام التسامح أمر متعلق بإرادة الإنسان ويتم بحرية الأفراد ورغبتهم، وهو ينبع من صدق وحسن النية.. وأي حديث عن قيمة التسامح لا يكون له مردود حقيقي مالم تتحول القيمة إلى ثقافة تحرك السلوك الإنساني. والتسامح مشتق من «سمح» والسماح والمسامحة: أي الجود والعطاء عن كرم وسخاء، وليس تسامحاً عن تنازل أو منه، والمسامحة معناه المساهلة وتسامحوا: تساهلوا وتقول الحكم القديمة (عليك بالحق فإن فيه لمسمحا أي متسعاً). والتسامح حق متسع للمختلفين أو قل إنه استواء في الاختلاف، غير أن معظم معاجم اللغة أوردت لفظ «التساهل» باعتبارها مرادفة التسامح والمساهلة كالمسامحة وتسامحوا: تساهلوا، وتسامح تساهل فيه. وحسب الدكتور عصام عبدالله أستاذ علم الاجتماع فإن أولى مفارقات التسامح تبدو في كونه يولد من رحم التعصب، ويتم استحضاره غالباً في فترات العنف والإرهاب، وكأنه لابد من تعميره بالدم أولاً «أي الكرامات» حتى تكتب له الحياة.. والتسامح هو يقنع مناخاً معافى وسليماً من أمراض هوس التعصب والعنف، وتعريته من ثوبه وجره إلى بحر الفناء. والتسامح له ضوابط وهناك من الضوابط من يتعداها لا يمكن التسامح معه بأي حال من الأحوال 1- الترويج لمعتقدات وأصول تهدد بنسف المجتمع نفسه. 2- الترويج للالحاد 3- الأفعال التي تهدف إلى تدمير الدولة أو التعدي على أموال الآخرين 4- الولاء للحكام الخارجين وأوضح أن معظم الضوابط تخص الدولة لا الدين. الخلاصة: كل إنسان في الدنيا يخطئ، وليس هناك من هو معصوم من الخطأ إلا الله، ومن أراد أن يحاسب الناس على كل غلطة سوف يخسرهم جميعاً، لأن كل البشرية معرضة للأخطاء، واجب علينا أن نكتسب قيم التسامح والأعمال الفاضلة، لأنها تكسبنا قوة ومنعة، وتجعلنا ننهض ونتقدم للأمام، ولابد أن نكتسب ثقافة الاصلاح، لأنها تقدمنا وتجمعنا وتقوينا وتمتعنا، ومن خيرها تشبعنا وتقنعنا وللأمام تدفعنا، وأما ثقافة العنف والانتقام انها ترجعنا وتشتتنا وتدمرنا وتضيعنا، وتضيع من معنا، وهي ثقافة منبوزة، ومنعتها وحرمتها جميع الديانات السماوية، لأنها ثقافة بائدة، ثقافة ونهج عصر الجاهلية الأولى، وواجب علينا أن نتحلى بالقيم التي تقودنا للخير، ونبعد عن القيم التي تدل على الضعف، لأنها تقودنا للهزيمة وتفقدنا الحياة الكريمة وتضيع أمانينا ومرامينا. أديب مؤرخ عضو المجلس الأعلى للسلام والوحدة ولاية الخرطوم